"طوابير الخبز" في مصر.. صناعة الأزمة لمواجهة الإصلاح
"أزمة الخبز" في مصر.. تكلفة تدفعها الحكومة المصرية مقابل سياسة الإصلاح
طابور طويل يمتد أمام أحد المخابز في منطقة سيدي جابر بمحافظة الإسكندرية، شمالي مصر.. لكن صاحب المخبز يطل برأسه، مخبرًا الواقفين بأنه لا يوجد لديه خبز، متعللًا بقرار بتخفيض حصته إلى ثلثي الكمية.. فيرفضون حديثه إذ إنهم من مستحقي الدعم ولا علاقة لهم بما يدور بين أصحاب المخابز والحكومة.
المشهد الذي جسد أزمة خبز، تنفيها الحكومة من جهتها، ويؤكدها أصحاب المخابز، لم يقتصر على المواطنين في شمال البلاد، لكنه امتد إلى مناطق أخرى في عدة محافظات، ما دفع وزارة التموين، المعنية بتوفير السلع الغذائي أمس إلى عقد مؤتمر صحفي، دافع فيه الوزير المصري على مصيلحي عن قرار تخفيض حصة أصحاب المخابز، لقطع الطريق عليهم في التلاعب بالدعم المقدم للمواطنين.
أزمة الخبز.. هل يعاني الجميع؟
يقول كريم عبد الرحمن، أحد سكان حي أكتوبر بضواحي (غرب)، إنه لم يكن يتخيل أن يرفض صاحب المخبز طلبه بشراء كمية بعينها، ويطالبه بأخذ نصفها، مضيفًا أنه يضطر إلى شراء الكمية المقدمة، ولا يرضى الدخول في شجار لن يفضي إلى شيء.
كريم، الشاب الذي يرتدي ملابس مهندمة على غرار كثير من معارفه، قال إن الأسعار أصبحت مرتفعة ولا تفرق بين طبقة متوسطة وغيرها، بل أصبح أكثر الشعب يستحقون الدعم، موضحًا أنه يتغاضى عن حجم الرغيف ومستواه، لكن ما لا يمكن أن يفهمه أن يأخذ كمية أقل بسبب إجراءات لا يفهمها بعد.
وبخلاف كريم، هناك مواطنون آخرون، منهم "سحر محمود" ربة منزل تسكن بحي الزيتون (شرقي القاهرة)، قالت لبوابة "العين" الإخبارية: لا أواجه أي مشكلة في الحصول على الخبز، بل أحصل على الكمية التي أريدها باستخدام بطاقتي الورقية، وعندما أريد الحصول على كمية خبز بثمن 5 جنيهات (أقل من دولار) يعطيني المخبز، وكذلك الأمر بالنسبة لعائلتي.
وتضيف سحر "أم لطفلة" أنها سمعت بالبطاقة الذكية التي ستحصل عليها قريبًا بدلًا من بطاقتها الورقية، على حد وصفها، موضحة المهم نحصل على العيش (الخبز) لما يخلص عندنا (تنفذ كميته في البيت).. وأي إجراءات سيخبرونا بكيفية تفعيلها.
والإجراءات التي سمع بها كريم وسحر، مثل كثير من المواطنين، تتعلق بإصدار بطاقات ذكية لجميع المواطنين، يحصلون من خلالها على حصصهم دون انتظار تحديد صاحب المخبز لحصته عبر البطاقة الذهبية، الذي كان يعطي صاحب المخبز صلاحية الحصول على الخبز من الحكومة وبيعه لمستحقي الدعم ممن لا يحملون بطاقات ذكية أو ورقية، وهو الإجراء الذي رأت الحكومة أنه يفتح الباب أمام تلاعب أصحاب المخابز، حسبما قال وزير التموين في مؤتمره الصحفي أمس.
وقلصت وزارة التموين كميات الدقيق الممنوحة للمخابز، لتكفي صناعة 500 رغيف يوميا، بدلا من 1500 رغيف كحد أدنى.
الحكومة والمعادلة الصعبة.. حق الدولة ورضا المواطن
محمد سويد، المستشار السياسي لوزير التموين المصري قال لبوابة "العين" الإخبارية: "ليس لدينا أزمة خبز ما يحاول البعض تصدير هذه الصورة للرأي العام، وكل القرارات التي اتخذناها في صالح الدولة وحقها، لأننا اكتشفنا أن أصحاب المخابز يستخدمون الكروت الذهبية استخدام مخل، وعليه يتم إهدار الدعم المخصص للمواطنين، وحينما قلصنا من حصة هذه الكروت بدأوا في إثارة الشائعات".
وأضاف المستشار السياسي لوزارة التموين: "تعاملنا مع المشكلة وتم الانتهاء بالأمس من طبع الكروت الذكية للمواطنين وتسليمها للمديريات، كما فتحنا مجال لكروت ذكية مؤقتة لتغطية احتياجات من لم يحصلوا على كروتهم لحين الانتهاء من أسبوعين على الأكثر".
المسؤول المصري شدد على أن الوزارة تجد نفسها في معادلة صعبة، فمن جهة تواجه تلاعب أصحاب المخابز للحفاظ على حق الدولة، وذلك بالتعامل مع كل الجهات المعنية في الدولة وفرض إجراءات رادعة في حال المخالفة، ومن جهة أخرى تحاول حماية المواطن وحق في الدعم الذي يصرفه بعض أصحاب المخابز دون أن يصل للمواطن.
وقدر سويد قيمة المخالفات التي ارتكبها أصحاب المخابز من تبديد لأموال الدعم، بأنها تصل إلى مليار جنيه سنويًا من خلال سوء استخدام البطاقة الذهبية، ومن هنا كان قررنا تقليص الحصة من 1500 رغيف إلى 500 لكل صاحب مخبز.
أصحاب المخابز.. السيئة تعم والحسنة تخص
"المشكلة إن السيئة تعم والحسنة تخص".. هكذا قال محمود الحبشي، صاحب أحد المخابز في ضاحية حلوان جنوبي العاصمة المصرية، لبوابة "العين" الإخبارية، موضحًا أن تخفيض حصته من البطاقة الذهبية كصاحب مخبز يجبره في بعض الأحيان على إخبار المواطنين من حاملي البطاقات الورقية بأخذ كمية أقل مما يطلبون، خصوصًا بعد تقليص حصة المخبز من الدقيق.
لكن عطية حماد، رئيس شعبة المخابز في الغرفة التجارية للقاهرة قال لبوابة "العين" الإخبارية: ليس لدينا أزمة مع الحكومة لكن المشكلة أن منظومة الكارت الذهبي غير منظمة، وغير مقننة، وهي بمثابة كمين لأصحاب المخابز في رأيي، وكان لابد من تفعيلها بصورة أفضل منذ البداية.
الكمين، من وجهة نظر عطية، يتعلق بمنح البطاقات الذهبية لأصحاب المخابز دون تنظيم أو تقنين، وترك الحرية لصاحب المخبز في إعطاء المواطن من غير حاملي البطاقات الذكية أو المواطن المغترب، وبالتالي يتم بعدها محاسبة صاحب المخبز.
وتستهلك مصر قرابة 7.5 مليارات رغيف خبز شهريا، حسب آخر إحصائيات وزارة التموين المصرية، وتطبق نظاما يحصل فيه كل فرد بالأسرة على بطاقة ذكية لشراء 5 أرغفة بسعر مدعم في اليوم.