«بريكس».. بصمات واضحة على النظام الاقتصادي العالمي
يترقب العالم انطلاق القمة الـ16 لمجموعة بريكس يوم الثلاثاء المقبل وحتى الخميس في مدينة قازان الروسية.
وكانت المجموعة قد تأسست عام 2006 أولا على يد البرازيل وروسيا والهند والصين، وحملت المجموعة في اسمها الحرف الأول من كل اسم دولة من تلك الدول المؤسسة، لتدعى في البداية "بريك" (من البرازيل وروسيا والهند والصين) ثم انضمت إليها جنوب أفريقيا عام 2010، ليضاف الحرف الأخير وتصبح مجموعة "بريكس".
- R5 الحلم المستحيل.. كيف تنجو عملة بريكس من حصار الدولار؟
- «بريكس باي».. خطوة أكيدة على طريق إزالة الدولرة
وتحولت المجموعة في السنوات الأخيرة من تجمع لدول ذات أسواق ناشئة إلى قوة اقتصادية كبيرة، قبل أن تتوسع وتضم دولا أخرى تشمل مصر والإمارات والسعودية وإيران وإثيوبيا، وتتحول المجموعة إلى اسم "بريكس+" رسميا منذ الأول من يناير/كانون الثاني العام الحالي.
وفي وقت سابق، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه يريد خلال رئاسة بلاده المجموعة العام الحالي أن يعمل على زيادة دور مجموعة بريكس في النظام المالي الدولي، وتطوير التعاون بين البنوك، وتوسيع استخدام عملات مجموعة بريكس وكذلك تعزيز التعاون بين السلطات الضريبية والجمركية.
تشابهات واختلافات
وفي حين تظهر دول بريكس العديد من السمات المشتركة مثل مساحة الأرض الكبيرة، وحجم السكان الكبير، والنمو الاقتصادي السريع وما إلى ذلك، توجد أيضا اختلافات مهمة.
أهم هذه الاختلافات تتعلق بنماذجها المختلفة للتنمية الاقتصادية ومواردها، وكذلك علاقاتها الخارجية (التجارة، والاستثمار المباشر الأجنبي) لا سيما بين الدول المؤسسة.
أما البرازيل فهي اقتصاد خدمات موجه محليا، وتعتمد التنمية الاقتصادية في روسيا بشكل كبير على موارد الطاقة والمواد الخام.
أما الاقتصاد الهندي فهو مدفوع بالخدمات بشكل أساسي بدعم من الصادرات، في حين يعتمد التنين الصيني على اقتصاد قائم على صادرات التصنيع والاستثمار.
الوزن الاقتصادي
لا شك أن الثقل الاقتصادي الذي تتمتع به مجموعة البريكس كبير، إذ كشفت أوراق نشرتها البرازيل بمناسبة استضافة قمة بريكس عام ٢٠١٤، أنه في الفترة من عام 2003 إلى عام 2007 كان نمو البلدان الأربعة المؤسسة مسؤولاً عن 65% من توسع الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ومن حيث تعادل القوة الشرائية فإن الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة بريكس اليوم يتجاوز بالفعل نظيره في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
ولإعطاء فكرة عن وتيرة النمو في هذه البلدان، ففي عام 2003 كانت مجموعة بريكس مسؤولة عن 9% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفي عام 2009 ارتفعت هذه النسبة إلى 14%، وفي عام 2010 بلغ الناتج المحلي الإجمالي الكلي لجميع البلدان الخمسة (بما في ذلك جنوب أفريقيا) 11 تريليون دولار أمريكي، أو 18% من الاقتصاد العالمي.
واليوم اختلفت هذه البيانات.. بحسب بيانات صندوق النقد الدولي وحسابات نشرها البنك المركزي الفرنسي في تقرير بعنوان "توسع بريكس: ما التداعيات المحتملة على الاقتصاد العالمي؟"، فإن نصيب "بريكس+" من الناتج المحلي العالمي عام ٢٠٢٢ حسب تعادل القوة الشرائية هو ٣٦%.
وفي الأول من فبراير/شباط الماضي كشفت بيانات نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية أن قيمة اقتصادات الدول الأعضاء مجتمعة تبلغ أكثر من 28.5 تريليون دولار أمريكي، وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي ستمثل مجموعة "بريكس+" 37.6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي حسب تعادل القوة الشرائية في عام 2027، مقارنة بـ28.2% لمجموعة السبع.
ويبلغ عدد سكان المجموعة الموسعة نحو 3.5 مليار نسمة أو 45% من سكان العالم، وللمجموعة ثقل اقتصادي نوعي، وتتحكم دول المجموعة في ٢١% من إجمالي الصادرات في العالم، وفقا لبيانات عام ٢٠٢١.
وتتحكم الصين في نحو ٨٦% من إنتاج المعادن النادرة، حسب أرقام عام ٢٠٢١، فإن انضمام خمس دول جديدة العام الجاري رفع بالفعل بشكل كبير من حصة المجموعة من صادرات السلع الأساسية للطاقة (الغاز والنفط الخام والمكرر).
لكن رغم ذلك فإن التكامل التجاري بين دول مجموعة "بريكس+" يظل محدودا، إذ توجد اتفاقيات تجارة إقليمية ثنائية بين دول المجموعة من أصل 45 اتفاقية محتملة في الإجمالي، وهو ما يمثل 24% فقط.
وعلاوة على ذلك يتمتع شركاء التجارة داخل مجموعة "بريكس+" عموما بوزن أقل بكثير من الشركاء في مجموعة السبع، على سبيل المثال تعد روسيا الشريك التجاري الرائد للصين داخل مجموعة "بريكس+"، ولكنها لا تعد سوى عاشر أكبر شريك لها في العالم، حيث تأتي في مرتبة أدنى من ثلاث دول من مجموعة السبع.
في حين تمثل مجموعة "بريكس+" نحو 25% من الصادرات العالمية، فإن 15% فقط من هذه الصادرات تذهب إلى أعضاء في المجموعة "بريكس+".
ولم تمثل التجارة بين أعضاء مجموعة "بريكس+" سوى 3.7% من التجارة العالمية في عام 2021 (مقارنة بنسبة 2.9% في عام 2021)، منها 3.2 نقطة مئوية بين الدول المؤسسة لمجموعة بريكس.
النظام الاقتصادي العالمي
يعد توسيع مجموعة بريكس خطوة لتعزيز الحوار بين البلدان الناشئة بشأن الحوكمة الاقتصادية العالمية، خاصة بين البلدان الست الأعضاء في مجموعة العشرين.
وفي حين يستمر إعلان جوهانسبرغ في التأكيد على دور مجموعة العشرين باعتبارها المنتدى المتعدد الأطراف الأول للتعاون الاقتصادي والمالي، فإنه ينص بوضوح على أن هدف مجموعة "بريكس+" هو تضخيم صوت "الجنوب العالمي"، وبالتالي فمع التوسع، جنبا إلى جنب مع الزخم الإيجابي لمجموعة "بريكس+" في مجموعة العشرين، يزيد إلى حد ما من قدرة الكتلة على دفع أجندة "الجنوب العالمي" إلى الأمام.
وفي عام 2014، أنشأت دول بريكس "بنك التنمية الجديد" لإقراض الأموال لتعزيز البنية الأساسية، وبحلول نهاية عام 2022 قدم البنك ما يقرب من 32 مليار دولار للدول الناشئة لتمويل مشاريع الطرق والجسور والسكك الحديدية وإمدادات المياه الجديدة.
هيمنة الدولار
تبدو خطة مجموعة البريكس+ لإنشاء عملة مشتركة غير متحققة من الناحية الواقعية حتى الآن، وهي الخطة التي تم الاستشهاد بها كأحد الخيارات الممكنة التي تحظى بدعم أغلبية الدول المؤسسة.
فإلى جانب أسباب اقتصادية بحتة تواجه هذه الخطة عقبات، مثل التكامل التجاري المحدود بين الدول الأعضاء والتباين الاقتصادي فيما بينها.
وبدلاً من إنشاء عملة مشتركة تريد مجموعة "بريكس+" تقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي، من خلال زيادة استخدام العملات المحلية في الفواتير التجارية والتدفقات المالية.
ويؤكد إعلان جوهانسبرغ على هذا الهدف (الفقرة 44 "نؤكد أهمية تشجيع استخدام العملات المحلية في التجارة الدولية والمعاملات المالية بين مجموعة بريكس وكذلك شركائها التجاريين").
واعتمادا على حجمها قد تؤثر هذه التحولات على تكوين نظام السوق المالية الدولي، خاصة هيمنة الدولار الأمريكي بالفعل في التجارة العالمية، حسب ما خلص إليه بنك فرنسا في تقريره.