البريك.. أكلة تونسية ترسخ التعايش في جزيرة جربة
في الوقت الذي تنتظر فيه منال مع رفيقاتها الثلاث وسط طابور لشراء "البريك" بمنطقة "الحارة الكبيرة"، يقف هاشير عاشوش ليمزج البطاطس المسلوقة مع مسحة من الهريسة داخل ورقة مطوية من عجين الدقيق، ثم يلحق بها البيض ويرمي بها في الزيت المغلي.
وبينما تراقب منال مراحل طبخ الأكلة الخفيفة والأشهر في جزيرة جربة التونسية، يقلب هاشير قطعة "البريك" على واجهتيها قبل أن تأخذ كفايتها ثم يسحبها من الزيت في أقل من دقيقتين.
اكتسب هاشير عاشوش سمعة امتدت إلى خارج الجزيرة الواقعة جنوب تونس وإلى باقي الولايات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
ويحرص الزائرون إلى الجزيرة سواء للسياحة أو لزيارة الاحتفالات الدينية الموسمية في كنيس الغريبة، على الذهاب إلى محل هاشير في حي "الحارة الكبيرة" الذي تقطنه أغلبية من الطائفة اليهودية حيث يأوي أيضا محلاتهم ومتاجرهم.
ومثل غالبية السكان المسلمين لا ترى منال ، التي ترتدي حجابا، حرجا من زيارة محل هاشير من حين لآخر لشراء "البريك".
وتسوق الجزيرة لهذه الأكلة كأحد أبرز مظاهر التعايش بين الأغلبية المسلمة والأقلية اليهودية.
أكلة شهيرة
وقالت لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) "البريك أكلة شهيرة عند التونسيين، اليهود أو المسلمين، لا دخل للفوارق الدينية في أكل ما نحب ومن أي محل نريد، البريك عند هاشير له مذاق خاص وهو يتقن عمله لهذا يأتي الناس إلى هنا بغض النظر إن كانوا مسلمين أو يهود".
تعتمد وصفة "البريك" على حشو مكون من البطاطس المسلوقة والبقدنوس والتونة وحبات الكبار، وتتصدر هذه الأكلة موائد الإفطار عند المسلمين في شهر رمضان ولكنها رائجة على نطاق واسع في باقي الموسم.
واكتسب اليهود بشكل خاص شهرة واسعة في إعدادها ويعتمدون في الغالب على وصفة أكثر بساطة.
يقوم هاشير عاشوش بطهي هذه الأكلة منذ 26 عاما وقبل ذلك عمل في قطاع النجارة كما عمل لنحو 40 عاما في سوق الصاغة بجزيرة جربة.
ويقول هاشير بابتسامة لا تفارق وجهه لـ(د. ب. أ): "أدرك منذ طفولتي أن البريك أكلة شائعة عند المسلمين ومحببة في شهر رمضان، عائلتي تقدم هذه الوجبة منذ عقود".
ويضيف هاشير :"لا فرق بين يهودي ومسلم، الكل يأتي لأكل البريك نحن نتعايش في هذا المكان منذ زمن طويل".
ويقدم هاشير أيضا الكفتة وشطائر السردين، وطبق "الفول المدمس" في فصل الشتاء، ولكن الإقبال الأكبر على "البريك" حيث تباع القطعة بدينارين، حوالي 0.6 دولار أمريكي.
ولا يبعد محل هاشير سوى بضعة أمتار عن محل اسحاق ذي الشهرة الواسعة أيضا في صناعىة "البريك"، ويقول هاشير "لسنا في وضع منافسة، الكل يعمل وكل شخص يأتيه قسمه".
رسالة ومسؤولية
وتعد عائلة هاشير من بين المئات من العائلات التي فضلت الاستقرار في جزيرة جربة بعد هجرة الآلاف إبان الحرب العربية -الإسرائيلية.
ويقول هاشير :"لماذا أهاجر؟ هذا بلدي ولدت هنا كما ولد آبائي وأجدادي، ولي رسالة ومسؤولية تجاه أبنائي، أريد لهما النجاح في تونس".
وعلى الرغم من انحسار أعداد اليهود في الجزيرة إلا أن بصمتهم ظلت واضحة في مناحي الحياة الثقافية والتجارية.
وتستقطب الاحتفالات الدينية السنوية في الكنيس الأقدم في أفريقيا "الغريبة"، الآلاف من الزوار اليهود من أنحاء العالم ، ويسهم ذلك في انعاش القطاع السياحي في موسم الذروة بالصيف، ويقبل المسلمون أيضا على "الغريبة" لمشاركة مواطنيهم اليهود الاستعراضات الاحتفالية.
وفي سوق "الربع" بمنطقة حومة السوق، يسيطر التجار اليهود بشكل واضح على تجارة الذهب وتتجاور محلاتهم جنبا إلى جنب مع باقي التجار المسلمين.
ويقول يوسيف زيان كبير التجار اليهود في السوق ورئيس جمعية دينية: "أنشط في الجمعية بكل حرية منذ أكثر من عشرين عاما ولنا اسهامات في البيئة والتعليم ونعمل على احتواء أي توتر بين الجيران".
استقرار بعيد عن السياسة
وتضم تونس حوالي ألفي يهودي أغلبهم يعيشون في جزيرة جربة وسط عائلات محافظة ومحاطة بأحياء سكنية تقطنها غالبية من المسلمين، ويحرس الأمن هذه المناطق على مدار الساعة خلال موسم الاحتفالات الدينية في مايو من كل عام.
ويتابع زيان لـ(د. ب. أ) "نتعايش هنا منذ المئات السنين والشعب التونسي لا ينساق إلى التوتر الحاصل في الخارج، نفضل البقاء بعيدا عن السياسة ولا دخل لنا فيها.. الأفضل أن نهتم أكثر بالعمل لدينا أبناء والتزامات مالية ونحب الاستقرار هنا".
aXA6IDE4LjExOS4xMjAuNTkg
جزيرة ام اند امز