أيام قليلة ويتحدد مصير أمور كبرى في بريطانيا وأوروبا نظراً لترابط القضايا وتقاطعاتها واتجاه العالم نحو بناء قوى متعددة بعد انحسار العولمة وفشل سياسة القطب الواحد
أيام قليلة ويتحدد مصير أمور كبرى في بريطانيا وأوروبا نظراً لترابط القضايا وتقاطعاتها واتجاه العالم نحو بناء قوى متعددة بعد انحسار العولمة وفشل سياسة القطب الواحد.
أيام قليلة وتحدد نتائج الانتخابات فيما يسمى بأعرق الديمقراطيات في العالم ربما في أخطر مرحلة تاريخية مع هذه النتائج يتحدد مصير بريطانيا، أولا بعد تنفيذ إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست" لمعرفة أسلوب معالجة أوروبا للعيش بدون عضو رئيسي ومواجهة احتمال إقدام دول أخرى على خطوة مماثلة.
ويتحدد أيضا مصير الديمقراطية البريطانية في غياب زعامات تاريخية فاعلة ومعها مصير زعيمي الحزبين الرئيسيين بوريس جونسون زعيم المحافظين وجيريمي كوربن زعيم العمال حيث ينتهي دور الخاسر، ويبدأ دور الرابح في مواجهة صعوبات اقتصادية وقرارات مصيرية مثل كيفية الخروج باتفاق أو بدون اتفاق، وإذا كان الرابح كوربين فإن عليه أن يوضح موقفه من إجراء استفتاء ثان لتأمين البقاء في الاتحاد.
بريطانيا تقف على مفترق طرق، وتواجه أياما عصيبة بعد ظهور نتائج الانتخابات ومعرفة الحزب الذي سيتولى معالجة الآثار غير المأمونة للبريكست، وهي آثار تحتاج إلى إدارة حازمة وتعاون كامل من جميع الأحزاب، وقيادة حكيمة لتحديد المصير الغامض
ومصير بريطانيا أيضا على المحك؛ إذ هناك تخوف من إعلان أقاليم أخرى رغبتها بالانفصال مثل اسكتلندا وأيرلندا الشمالية التي حظيت باهتمام لمنع حدوث ذلك بوعدها بتقديم تسهيلات حدودية وجمركية مع جمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد.
وهناك أيضا مصير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كان وراء تحريض بريطانيا، ففي حال التجديد لولاية ثانية والنجاة من تحقيقات العزل فإنه سيواصل جهوده لضرب الاتحاد ومنع تحوله إلى قوة عظمى يسانده في ذلك الرئيس فلاديمير بوتين.
ولابد أيضا من تحديد مصير الجاليات العربية والأجنبية لمعرفة السياسة المقبلة بعد انتشار الشعبوية وارتفاع نسب العنصرية والعنف وهذا ما سأعرضه في تفصيل بانوراما مواقف الأحزاب.
القضايا الداخلية
وقبل أيام من موعد الانتخابات تركزت البرامج الانتخابية لمختلف الأحزاب على القضايا الداخلية؛ من أمن وصحة وضمان اجتماعي تخصيص فرص العمل، بينما يضع حزب المحافظين في أولوياته تخصيص أكثر من ١٠٠ مليار جنيه إسترليني على الطرق والسكك الحديدية والبنى التحتية، بينما يعد حزب العمال بتخصيص ١٥٠ مليار جنيه إسترليني للاستثمار في مشروع الثورة الصناعية الخضراء، أي مشاريع تأخذ في حسبانها قضايا البيئة والتخفيف من التلوث بنسب كبيرة.
وبينما يسعى حزب العمال لإرضاء الطبقة الفقيرة، فإن الاتهامات الموجهة لحزب المحافظين تتركز على خطة ممنهجة لإلغاء الضمان الصحي.
أما الحزب الثالث وهو "الأحرار الديمقراطيين" فيؤكد أنه سيخصص أموال الخروج على الخدمات العامة على مدى السنوات الخمس المقبلة، ويعطى قضايا المناخ والبيئة الأولوية وصولاً إلى 80% من الطاقة المتجددة بحلول عام ٢٠٣٠.
تبقى الأحزاب الصغيرة الأخرى التي دخلت الساحة من جديد مثل حزب التغير للمملكة المتحدة، فينافس على البيئة بالعمل على خفض نسبة الكربون إلى الصفر بحلول عام ٢٠٤٥، أما حزب الخضر فتركيزه الأساسي على البيئة وتأمين مليون فرصة عمل من خلال الاستثمار الأخضر.
مشاكل الهجرة والجاليات
رغم حرارة أجواء الانتخابات البريطانية فإنها لم تشهد كسابقاتها من المعارك تنافسا على تحديد السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وبالطبع فإن أزمة الشرق الأوسط لا وجود لها في الحملات الانتخابية، وتقف الجاليات العربية في وسط الحلبة دون أن تحدد موقعها بين الأحزاب.
أما على صعيد الترشح للانتخابات فلم تسجل سوى حملات عدد قليل من المرشحين العرب لا يتجاوز أصابع اليدين، بينما الجاليات الإسلامية والهندية أفرزت عشرات المرشحين الذين يتمتعون بحظوظ كبيرة.
ولا يخفى على أحد أن قضية الهجرة والمنافسة الأجنبية للبريطانيين هي العنوان الرئيسي، بل يمكن الجزم بأن السبب الرئيسي للتصويت على استفتاء الخروج عام 2016 هو أوضاع المهاجرين وليس العرب والمسلمين فحسب، بالتحديد من الأوروبيين الشرقيين الذين غزوا البلاد ونافسوا اليد العاملة المحلية، وكانت موجات النزوح الجماعي المتكررة إلى أوروبا وبريطانيا قد فتحت الأعين على خطر جرى تضخيمه من قبل العنصرين والمتعصبين، مما أدى إلى ظهور أحزاب وجماعات تمارس العنف مع انتشار الحركات الشعبوية على امتداد الاتحاد الأوروبي.
وتختلف الأحزاب في برامجها حول الموقف من قضايا الهجرة فيما يعد حزب المحافظين بتخفيض أعداد المهاجرين، حتى إن جونسون -وهو نفسه من أصل تركي- أعلن بصراحة أنه كان يؤيد تسهيلات الهجرة لكنه الآن يطلب السيطرة عليها، بينما حزب العمال يتحفظ على الموضوع خوفاً من إثارة سخط العمال، لكنه أشاد بما قدمه المهاجرون عبر التاريخ للاقتصاد البريطاني وأكد حاجة بريطانيا للعمال المهرة.
أما الحزب الوطني الاسكتلندي فيحذر بأن منع الهجرة سيكون مدمراً للاقتصاد، ويصف حزب الديمقراطي الحر سياسة المحافظين بأنها تشكل إهانة للملايين الذين هاجروا إلى بريطانيا وأصبحوا مواطنين فاعلين وصالحين.
وحزب البريكست الذي يحدد مشاريعه على أساس الخروج من أوروبا يقدم مقترحات برامج إنفاق ٢٠٠ مليار جنيه إسترليني على البنية التحتية وخدمة الإنترنت وإيجاد فرص عمل للشباب.
وبالطبع، فإن العبرة تكمن في التنفيذ والقدرة على اجتياز الخروج من الاتحاد الأوروبي أو احتمال إعادة النظر به، وهو أمر صعب المنال، والأكيد أن أمورا كثيرة ستتغير في الحالتين، وعندما تحين ساعة الواقع والمواجهة الحرجة ستكرم بريطانيا أو تهان.
والأمر الذي لا جدال فيه بالنسبة للمستقبل، فإن بريطانيا تقف على مفترق طرق، وتواجه أياماً عصيبة بعد ظهور نتائج الانتخابات، ومعرفة الحزب الذي سيتولى معالجة الآثار غير المأمونة للبريكست، وهي آثار تحتاج إلى إدارة حازمة وتعاون كامل من جميع الأحزاب وقيادة حكيمة، لتحديد المصير الغامض في حالتي الخروج باتفاق أو دون اتفاق أو إعادة النظر بالبقاء بطرح استفتاء ثان والقرار للشعب وصندوق الاقتراع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة