إخوان بريطانيا وتلويح «المواجهة».. هل تحظر لندن التنظيم؟

من قلب بريطانيا، حيث اعتاد الإخوان أن يجد «الملاذ الآمن» و«الدعم غير المعلن»، جاءت تصريحات نايجل فاراج لتضع التنظيم مجددًا في مرمى النيران الغربية.
ففي خطاب له خلال المؤتمر السنوي لحزب الإصلاح البريطاني، تعهد زعيم الحزب نايجل فاراج، بحظر جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها «منظمة إرهابية» إذا تم انتخابه رئيسا لوزراء بريطانيا.
لكنّ هذه التصريحات، تصطدم بواقع شديد التعقيد؛ فالإخوان ليسوا مجرد جماعة دعوية في بريطانيا، بل شبكة متشابكة من الاستثمارات والتحالفات والوظائف السياسية التي استخدمتها لندن عبر عقود كأداة ضغط في الشرق الأوسط، بحسب خبراء استطلعت «العين الإخبارية» آراءهم.
وبين من يراها مجرد مناورة انتخابية، ومن يعتبرها مؤشرا على صحوة متأخرة، تبقى الحقيقة أن التنظيم يواجه انتفاضات متكررة في الغرب، ما ينذر بتحولات قد تُضعف موقعه التاريخي في أوروبا وتربك حساباته الاستراتيجية.
تصريحات جاءت متسقة مع توجه غربي أدرك مخاطر الإخوان، وحرك المياه الراكدة في ملف حظر التنظيم الدولي في بلدان عدة.
فهل تتجه بريطانيا لحظر الإخوان؟
اعتبر عمرو عبدالمنعم الباحث في شؤون الإسلام السياسي، إن التصريحات الأخيرة الصادرة عن فاراج، تحمل معنيين؛ أولهما: المناكفة السياسية، وثانيهما: إدراك خطر التنظيم المتنامي في الدول الغربية
الأمر نفسه أشار إليه منير أديب الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، قائلا في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن بريطانيا لن تتجه لحظر الإخوان، مشيرًا إلى أن «لندن ليست جادة في حظر الإخوان أو حظر التنظيمات الدينية المتطرفة، لأنها استخدمت هذه الجماعات من أجل تحقيق مصالح لها في الشرق الأوسط».
وأوضح أديب، أن بريطانيا ساعدت على نشأة الحركة، منذ السنوات الأولى لنشأة التنظيم، مشيرًا إلى أنه لندن احتضنت -كذلك- حركة الإخوان التي خرجت من مصر في أعقاب ثورة شعبية اقتلعتها من جذورها، وبعثت فيها الروح من جديد.
وبحسب الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، فإن بريطانيا تستخدم جماعات العنف (التنظيمات الإسلاموية أبرزها حركة الإخوان) للضغط على الأنظمة السياسية المستقرة.
واعتبر عمرو فاروق، الباحث في شئون حركات الإسلام السياسي، تصريحات فاراج للاستهلاك الإعلامي، مشيرًا إلى أنها بمثابة خطاب موجه للداخل البريطاني.
لكن.. لماذا لوح بالإخوان تحديدا؟
يقول عمرو عبدالمنعم، إن الإخوان تعمل في بريطانيا على 3 مستويات: الأنشطة الخيرية، المنظمات الحقوقية، الأنشطة الإعلامية، ولها أدوار كبيرة في الاستثمار؛ فمعظم الشركات التي تعمل في جنوب أفريقيا مؤسسة في بريطانيا، المنظومة الدولية للإخوان تعتبر بشكل كبير على بريطانيا، مما يعني أن استدعاء حظر الإخوان سيكون مؤثرا في المشهد السياسي الحالي.
وحول سر تلويحه بالإخوان تحديدا، قال النجار إن ذلك يعود إلى «فشل من سبقه في تنفيذ المهمة؛ فهو يرفع بذلك الملف المستعصي على غيره، رغم أنه مطلب لقطاع من الجمهور والنخبة».
الأمر نفسه، أشار إليه منير أديب الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، قائلا إن حزب الإصلاح خرج ملوحا بوضع التنظيم على قوائم الإرهاب، بهدف التهديد من أجل الاحتواء، مشيرًا إلى أن «الهدف إجبار الإخوان على التعاطي مع ملفات معنية بينها ملامح الشرق الأوسط الجديد، حتى لا يوضعوا على قوائم الإرهاب».
وأعرب منير أديب عن اعتقاده، بأن «الدولة العميقة في المملكة المتحدة لن تسمح بوضع الإخوان على قوائم الإرهاب»، مشيرًا إلى أن تسمح لفاراج بالمضي قدما في خطته.
تحديات
عمرو عبدالمنعم الباحث في شؤون الإسلام السياسي توقع أن أي خطوة في اتجاه حظر الإخوان، لن تقود إلى وضع التنظيم على قوائم الإرهاب؛ لأسباب عدة؛ بينها أن بريطانيا تستخدم جماعة الإخوان التي تستضيف قياداتها على أراضيها للتأثير في المشهد، مشيرًا إلى أنها تحاول الإبقاء على الدور الوظيفي للإخوان، واستخدامه كـ«مخلب قط للأنظمة العربية».
فيما السبب الثاني، تماهي تنظيم الإخوان مع المؤسسات البريطانية؛ بحسب عمرو عبدالمنعم الذي قال إن الإخوان تعلموا خلال السنوات الماضية ألا يستخدموا خطابات مباشرة، فيلجؤون إلى خطاب ظاهري وقانوني لدغدغة المشاعر، على أن يكون خاليا من أي مآخذ عليهم، «لكنّ الشيطان يكمن في التفاصيل».
بدوره، استبعد هشام النجار الباحث في شؤون الإسلام السياسي، حظر الإخوان في بريطانيا؛ «نظرا للعلاقات المتشابكة والبنيوية بين التنظيم الدولي للإخوان وبريطانيا».
واعتبر النجار، في حديث لـ«العين الإخبارية»، تصريحات فاراج «مجرد دعاية انتخابية تكررت كثيرا من سياسيين ومسؤولين بريطانيين سابقين لا يستطيعون أن يحولوا وعودهم إلى واقع عملي لاعتبارات كثيرة».
فـ«مثلا حجم ونفوذ الإخوان وتغلغلها في بريطانيا والروابط التي تجمع التنظيم بالأجهزة الأمنية والاستخبارية»، من بين التحديات التي ستقف حائلا أمام تنفيذ تصريحات فاراج.
وبحسب فاروق، فإن مسألة حظر الإخوان في بريطانيا أمر شديد الصعوبة، كونها تخضع للعديد من المعايير؛ أبرزها توظيف الإخوان لتحقيق مصالح سياسية بريطانية.
وأشار فاروق إلى المحاولات الحكومية السابقة لحظر الإخوان في بريطانيا والتي لم يُكتب لها النجاح، مؤكدًا أن لندن تستخدم التنظيم كأداة لتحقيق مآرب سياسية، مما يعني أن الدولة العميقة لن تسمح بذلك.
وأوضح أن الإخوان متشابكين مع دوائر صنع القرار في بريطانيا، فلديهم استثمارات ضخمة هناك، فضلا عن حجم المؤسسات الإعلامية والسياسية والحقوقية، لكن الأهم من ذلك هو الدور الوظيفي، الذي يدفع نحو الإبقاء على جماعة الإخوان.
وبحسب الخبير في الإسلام السياسي، فإن فرع إخوان بريطانيا ينتهجون مفهوم الإسلام الليبرالي أو العلماني، مشيرًا إلى أن اتجاه الحظر يخضع لقيود تشريعية داخل بريطانيا، كون التنظيم لا يوجد له مؤسسات تحمل التوجه الإخواني بشكل مباشر.
فالإخوان اتسقوا مع الجاليات العربية وقدموا أنفسهم كمتحدثين للمسلمين في الغرب، ما يعني أنه سيكون هناك صدام مع الجالية المسلمة هنا، بحسب فاروق، الذي قال إن معظم المؤسسات التي تتحدث بلسان المسلمين هناك مؤسسات إخوانية.
لكن.. هل سينجح؟
استبعد هشام النجار نجاح فاراج في خططه، «لأن هناك أجنحة ومراكز قوى تعمل على استمرار توظيف الإخوان، فإلى جانب الدوائر الاستخباراتية هناك أجنحة اليسار».
فما مقومات نجاح فاراج إذا ما أراد المضي قدما؟
كشف عمرو عبدالمنعم عن خطوات، قال إنها أساسية لنجاح أي مساع لحظر التنظيم في بريطانيا؛ أبرزها:
- نجاح حزب الإصلاح في حصد تمثيل من مجلس العموم البريطاني يساوي أو يتجاوز 30%
- إقناع الدول الغربية بمخاطر الإخوان
- محاولة تعديل نظرة بعض المؤسسات البحثية الغربية للإخوان التي تراها جماعة معارضة وليست إرهابية
وبحسب النجار، فإن مقومات النجاح تتمثل في:
وجود إرادة جامعة من كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها، لا مجرد رغبة من سياسي أو حزب أو مسؤول وبمعزل عن ردود الأفعال اللحظية التي غالبا ما تنتهي دون عمل شيء في هذا الملف.
كيف سيتعاطى إخوان بريطانيا مع تلك التصريحات؟
بحسب عبدالمنعم، فإن الإخوان سيلجؤون إلى خطوات عدة؛ أبرزها:
- بيات شتوي أو كمون
- سحب بعض الاستثمارات
- محاولة تفادي أي صدام بالمجتمع
- بدء معركة الشطرنج مع الحكومة البريطانية
- استخدام كل الأدوات: الاستثمار، شراء الأصوات لتفادي الحظر المباشر بشكل كبير خلال المرحلة القادمة
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY3IA== جزيرة ام اند امز