مواجهة ضعيفة ومطالب بتصحيح المسار.. كيف باتت بريطانيا ملاذ الإخوان الآمن؟
منظمات خيرية ومؤسسات فكرية، وقنوات تلفزيونية، أنشطة عدة اتخذتها جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا لها ستارًا، ولتقنين وضعها حجة، في ملاذها الآمن.
وجود كان تحت سمع وبصر المخابرات البريطانية، وفقًا لشهادة أحد عناصر تنظيم الإخوان الفارين من تركيا، الذي أسقط الأقنعة، وأزال الحجب عن أسرار اعتبرها صدمة له.
وكان الإعلامي الإخواني حسام الغمري، كشف في مقطع فيديو بثه الأسبوع الماضي، عن بعض الأسرار في شهادته على تجربته مع الإخوان في إسطنبول، قائلا: إن الراحل إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد الإخوان، أكد في اجتماع مع قيادات الإخوان حضره هو نفسه علاقة التنظيم بالمخابرات البريطانية، مشيرًا إلى أنه "يقدم لهم كل المعلومات عندما يستدعونه".
الغمري قال: "إن الاعتراف جاء خلال اجتماع عقده قادة الجماعة في إسطنبول قبل سنوات حضره إبراهيم منير نائب المرشد العام للإخوان، ومحمود حسين الأمين العام، آنذاك، قبل أن تتفاقم الخلافات بينهما وتحدث الانشقاقات".
فماذا نعرف عن الإخوان في بريطانيا؟
إنّ رفع السرية عن الوثائق الرسمية التي يعود تاريخها إلى زمن الإمبراطورية البريطانية يُلقي ضوءاً كبيراً على طبيعة علاقة لندن بالجماعات المتطرفة وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين.
ويقول المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إن علاقات بريطانيا بجماعة الإخوان في مصر كانت قوية؛ فالأخيرة تبرعت بمبلغ 500 جنيه استرليني لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، بعد وقت قصير من تأسيس الجماعة سنة 1928، مشيرًا إلى أنه بحلول سنة 1941، أصبحت هذه الجماعة قوية لدرجة أن بريطانيا بدأت تقدم لها مساعدات مالية مقابل عدم مهاجمة مصالحها.
وبحسب دراسة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فإن جماعة الإخوان تمتلك 60 منظمة داخل بريطانيا؛ بينها منظمات خيرية ومؤسسات فكرية، بل وقنوات تلفزيونية، مشيرًا إلى أن الجماعة ما زالت تفتتح مقارّ لها في المملكة المتحدة كـ"مكتب الجماعة" في حي كريكلوود شمالي لندن.
ورغم أن تنظيم الإخوان المسلمين يواجه إجراءات أوروبية غير مسبوقة للحد من نشاطه وتتبع مصادر تمويله، فإن بريطانيا ما زالت تعتبر ملاذاً آمناً لنشاط التنظيم، خاصة أنها تؤوي عددًا كبيرًا من قياداته وتحتضن أنشطته ومقره العالمي.
ويقول المركز الأوروبي، إن جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا ترتبط بمنظومة مهمة للغاية من المصالح، التي جعلت لها أهمية كبرى لدى الحكومات المتعاقبة، مشيرًا إلى أن حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة لجماعة الإخوان تنامى في بريطانيا.
وتشير التقديرات إلى أن تنظيم الإخوان المسلمين يمتلك ثروات مالية تتراوح بين (8 – 10) مليارات دولار، فيما يقول المركز الأوروبي، إن شركات الإخوان المسلمين ومؤسساتها في بريطانيا حصلت على الوضع القانوني، نظرًا لتخوف لندن من أن تتحول أنشطة الجماعة إلى النشاط السري لضرب المصالح البريطانية وتهديد أمنها.
من أبرز قيادات الإخوان في بريطانيا؟
إبراهيم منير (توفي في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2022): كان يشغل منصب القائم بعمل المرشد، وكان يدير الجماعة من العاصمة البريطانية لندن.
شغل إبراهيم منير منصب المتحدث باسم الإخوان في أوروبا منذ عام 1982، وأقام منذ سنوات في العاصمة البريطانية لندن، كما أنه أحد مؤسسي منتدى الوحدة الإسلامية (IUF) ومقره لندن.
محمود الإبياري: الأمين العام المساعد للتنظيم الدولي للإخوان في لندن، الذي تولى مسؤولية المجموعة البريدية للجماعة، وكان يشرف على نقل التعليمات والتكليفات الواردة من المرشد العام أو القائم بأعمال المرشد إلى باقي قيادات الإخوان عبر مجموعة بريدية خاصة تضم دائرة ضيقة ومحدودة من القادة.
عصام الحداد: عضو سابق في منظمة الإغاثة الإسلامية وشريك مؤسس للهيئة ويعد من أكبر مسؤولي وقيادات الإخوان، إلى جانب محمد سودان، أمين لجنة العلاقات الخارجية بجماعة الإخوان المقيم أيضًا في لندن.
واجهات الإخوان في بريطانيا
كانت صحيفة "التلغراف" البريطانية، نشرت تقريرًا حكوميًا في عام 2014، تحدثت فيه عن أن هناك حوالي 60 منظمة داخل بريطانيا، ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي بينها منظمات خيرية ومؤسسات فكرية، بل وقنوات تلفزيونية؛ أبرزها:
الرابطة الإسلامية في بريطانيا:
تمثل أبرز كيانات الإخوان بالمملكة وأسسها كمال الهلباوي، عضو سابق في مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين المصري، والمتحدث الرسمي السابق باسم جماعة الإخوان المسلمين في الغرب الذي انشق فيما بعد عن الجماعة.
تضم الرابطة قيادات إخوانية مثل: عزام التميمي، الناشط السابق في جبهة العمل الإسلامي (الحزب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية) ومحمد صوالحة العضو السابق في "حماس"، وأسامة التكريتي نجل زعيم الفرع العراقي لجماعة الإخوان المسلمين.
منظمة الإغاثة الإسلامية في بريطانيا:
مؤسسة بارزة مرتبطة بشكل وثيق بشبكة الإخوان المسلمين، ولها فروع في أكثر من 20 دولة، وتمتعت بقدر كبير من الوصول إلى المسؤولين الحكوميين البارزين.
أصبحت هيئة الإغاثة الإسلامية أول جمعية خيرية إسلامية متخصصة تحصل على تمويل من الحكومة البريطانية لمشاريع في القارة الأفريقية عام 1994. وفي عام 2012، أغلق العملاق المصرفي السويسري UBS حسابات الإغاثة الإسلامية ومنع التبرعات القادمة من عملائه إلى المؤسسة الخيرية، بسبب مخاوف من تمويل الإرهاب.
المجلس الإسلامي في بريطانيا:
تقول عنه صحيفة "ذا تايمز"، إنه أكبر منظمة دعم سياسي تعمل باسم المسلمين في بريطانيا، مشيرة إلى أنه تأسس عام 1997 على يد قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن المجلس الإسلامي يعد منظمة جامعة لأكثر من (500) مؤسسة إسلامية منتشرة في جميع أنحاء بريطانيا، إلا أن لندن قررت في عام 2009 وضعه تحت الرقابة على خلفية دعمه لعمليات العنف.
الصندوق الفلسطيني للإغاثة والتنمية:
أسسه عصام يوسف في التسعينيات، ويمتلك (11) فرعا في بريطانيا. دخل الصندوق الفلسطيني للإغاثة والتنمية ضمن التصنيف الذي أطلقته الحكومة البريطانية في 2017؛ باعتباره جزءًا من البنية التحتية لفرع جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس في بريطانيا.
كانت وزارة الخزانة الأمريكية وجهت إليه أصابع الاتهام واعتبرته كيانا إرهابيا أنشئ لتقديم الدعم المالي لحركة حماس، بحسب تقرير نشرته صحيفة "ذا تايمز" في 5 أغسطس/آب 2019. فيما قرر بنك "إتش إس بي سي"، وقف التعامل بالحوالات البنكية المجدولة من المتبرعين لصالحه، ابتداء من 17 مايو/أيار 2020.
مؤسسة قرطبة:
مؤسسة فكرية شرق أوسطية يديرها أنس التكريتي، المتحدث الرئيسي باسم لوبي جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا، رغم أنه يدعي أنه ليس عضوا فيها.
وفي شهر أغسطس/آب 2014، أغلق بنك "إتش إس بي سي"، الحساب المصرفي لأنس التكريتي فضلا عن حسابات أقاربه ومؤسسة قرطبة، بحسب "الغارديان".
ماذا قالت الاستخبارات البريطانية عن الإخوان؟
في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، كشفت وثيقة تضمنت مراجعة هامة لبرنامج "بريفينت" الحكومي لمكافحة التطرف في بريطانيا، أن أموال دافعي الضرائب البريطانيين استخدمت "لتمويل جماعات تروج للتطرف".
ووفقا لمسودة مسربة للوثيقة، فإن تلك الأموال استخدمت في الدفاع عن جماعات متشددة محظورة في المملكة المتحدة، واستضافة دعاة يروجون لخطاب الكراهية.
روشتة المواجهة:
يقول المركز الأوروبي، إنه رغم التحذيرات المتواترة من جانب أجهزة الاستخبارات في بريطانيا، بشأن المخاطر الناجمة عن استمرار احتضان أنشطة جماعة الإخوان، ودعمها بشكل رسمي وغير رسمي، إلا أنه لا تزال المواجهة البريطانية "ضعيفة" وغير مباشرة.
وفيما أكد أن لندن لا تزال تمثل الملاذ الآمن بالنسبة لتنظيم الإخوان ومنطلقًا لعملياته داخل أوروبا، شدد على أنه يجب على الحكومة البريطانية مراجعة سلوكها فيما يتعلق بدعم أو احتضان "الإخوان"، والاستفادة من تجارب الدول التي تعاني في الوقت الراهن من تنامي نشاطه الإرهابي.
وبحسب المركز الأوروبي، فإن المواجهة الأوروبية على مستوى الأمن والاستخبارات تحتاج إلى أن تكون مدعومة بمواجهة فكرية، لمواجهة التدفق الفكري للتطرف داخل المجتمعات الأوروبية ومراجعة عمليات "غسل الدماغ" التي مارستها الجماعة عن طريق عناصرها الفاعلين داخل المجتمعات، خاصة في محيط أبناء الجاليات الإسلامية.
وشدد على ضرورة قطع مصادر التمويل لمحاصرة أنشطة الإخوان وتقليل نفوذ الجماعة، وإجراء دول أوروبا مراجعة شاملة لاقتصاد التنظيم وكافة المؤسسات والجمعيات التابعة له، وكذلك مراجعة الدعم الرسمي المقدم لتلك المؤسسات، حتى إن كانت تنفي ارتباطها بجماعة الإخوان.
وطالب السلطات الأوروبية بتعزيز ترسانة القوانين والتشريعات أيضاً من أجل تحقيق مواجهة أكثر شمولاً مع تنظيمات الإرهاب والتطرف، دون مساس بالحريات العامة.
aXA6IDE4LjIyMS4yNy41NiA= جزيرة ام اند امز