"الجوركا" النيباليون.. بريطانيا تستخدم أشرس قوات العالم لخدمة أجندتها
200 عام في خدمة بريطانيا والنساء في الطريق
الجيش البريطاني يستغل جنود "الجوركا" الذين يحملون الجنسية النيبالية، لتنفيذ المهام فائقة الصعوبة لخدمة التاج البريطاني
منذ أكثر من قرنين، يستغل الجيش البريطاني جنود "الجوركا" الذين يحملون الجنسية النيبالية، لتنفيذ المهام فائقة الصعوبة لخدمة التاج البريطاني.
وكتائب "الجوركا" هي إحدى أشرس القوات الخاصة في العالم، ويشهد التاريخ بشجاعتهم ومشاركتهم في عدد من العمليات العسكرية مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وفي مناطق الحرب حول العالم.
وربما كانت تلك الشراسة وراء استغلال الجيش البريطاني لهم في مهام يصعب على جنوده تنفيذها، حتى إنه أوكل لهم مهمة حماية الأمير هاري، دوق ساسكس، خلال وجوده في أفغانستان.
وخدم الأمير هاري مع الكتيبة الأولى من "الجوركا" الملكية خلال جولته في أفغانستان بين عامي 2007 و2008، وقال آنذاك: "عندما تعرف أنك مع الجوركا، ليس هناك مكان أكثر أمنا".
وأفسح الجيش البريطاني الطريق لأول مرة أمام تجنيد النيباليات في صفوفه، ومن المقرر أن تنضم أول مجموعة منهن في عام 2020، لينضوين ضمن جنود "الجوركا".
وبعد أن ظلت حكرا على الرجال منذ ما يزيد على مائتي عام، أعلن الجيش البريطاني، مؤخرا، فتح الباب أمام تجنيد النيباليات في صفوف "الجوركا".
وتبدأ عملية التجنيد الصارمة في بوخارا وسط نيبال العام المقبل، وسيتم نقل المتقدمات الناجحات إلى كاتريك، شمال مقاطعة يوركشاير البريطانية، للخضوع إلى برنامج تدريبي لمدة 10 أسابيع.
وستخضع الطالبات العسكريات لاختبارات جسدية صارمة لقياس المهارة والسرعة والقدرة على حمل الأوزان الثقيلة، مثل سباق 5 كيلومترات وهن يحملن 25 كيلوجراما من الرمل في سلة، وبعد اجتياز الاختبارات يمكنهن خوض القتال إلى جانب الرجال.
وستشكل المجندات الجديدات كتيبة جديدة للمشاة ووحدات جديدة من المهندسين وخبراء الاتصالات.
وفي تعليق على القرار، قال وزير الدفاع البريطاني جافن ويليامسون: "يشتهر الجوركا بأنهم من أفضل القوات المقاتلة في العالم، مع تاريخ مشرف في خدمة جلالة الملكة (الملكة إليزابيث الثانية)، ومن الصواب أن تتاح للنساء فرصة للخدمة في هذه النخبة".
بينما قال الفريق نيك بوب، نائب رئيس الأركان العامة والعقيد القائد للواء "الجوركا"، إن السياسة الجديدة تتسق مع القرار الأوسع لحكومة المملكة المتحدة، "لفتح جميع أداء أدوار القتال المتلاحم البري أمام النساء" بداية من 2016.
وأضاف: "هناك تقليد طويل لمواطني الجوركا والكومنولث الذين يخدمون في الجيش البريطاني، ونستمر في تقدير إسهامهم المهم في حماية المملكة المتحدة في الداخل والخارج".
في المقابل، يرى مراقبون أن هذا القرار يعزى إلى سببين؛ أولهما ترشح أول رئيسة منتخبة بیدھایا دیفي بانداري، عام 2015 في مجتمع نيبال، الذي يعده بعض خبراء الاجتماع ذكوريا، وثانيهما بعد عدد من القرارات من قبل الوزراء للسماح للنساء بالعمل في أرض المعركة بدءا من 2018.
ولفرقة "الجوركا" تاريخ عريق، يمتد إلى أسطورة المحارب القديس الهندوسي الجورو كوراخناث، ولديه ضريح تاريخي في مدينة جوركا الجبلية بمملكة نيبال.
وحتى القرن السادس عشر، كان يتم تجنيد "الجوركا" من مختلف العرقيات الجبلية النيبالية، لكنهم لا يرجعون إلى جماعة عرقية أو منطقة واحدة في بلد متعدد العرقيات.
ثم ازدادت شهرتهم بعد دخولهم في حرب مع بريطانيا، عُرفت بالحرب الإنجليزية-النيبالية (1816-1814)، حيث كانت نيبال تطمع في التوسع جنوباً، وكانت بريطانيا تطمع في التوسع شمالاً.
ورغم أن بريطانيا كسبت هذه الحرب فإنها لم تنس تكبدها هزائم قاسية في بدايتها، فأُعجبت بقدرات جنود "الجوركا" القتالية، وأغرتهم بالانضمام إلى الجيش البريطاني، ثم في الجيش الهندي، لاحقاً.
واستعان بهم البريطانيون، مستغلين تلك القدرات في تحقيق أهدافهم ومصالحهم في آسيا، طوال القرن التاسع عشر.
وظلت هذه الكتائب النيبالية جزءا من الجيش البريطاني لأكثر من 200 عام، حيث شارك جنود "الجوركا" في معظم الحروب العالمية الرئيسية، بما في ذلك الحربان العالميتان الأولى والثانية، وكانوا معروفين بسكاكينهم المعقوفة، الحادة جداً، والمعروفة باسم "كوكري" (Kukris).
ونال أفراد من "الجوركا" أعلى أوسمة الخدمة البريطانية، بما في ذلك "صليب فكتوريا"، وخدموا، منذ استقلت الهند عام 1947، في الجيش البريطاني، وفي الجيش الهندي، وفي الجيش النيبالي، وفي قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام.
وتم التوصل إلى اتفاق بين نيبال والهند وبريطانيا أسفر عن نقل 4 أفواج من قوات "الجوركا" إلى الجيش البريطاني، لتصبح في النهاية لواء "الجوركا".
ولجنود الجوركا منزلة رفيعة في بلادهم "نيبال"، ويعدون مورداً بشرياً مهماً في اقتصاد بلدهم، بما يحصلون عليه من رواتب، ثم إنهم يؤدون دوراً مهماً في تعليم أبناء مجتمعهم، وإحسان قيادتهم، بعد أن جلبوا الأفكار والتقنيات الغربية إلى مناطقهم الجبلية، أما الحاجة إليهم جنوداً مقاتلين، فقد قلت كثيراً مع تقدم التقنيات الحربية.
وعندما حصلت الهند على استقلالها عن بريطانيا، نصت اتفاقية الاستقلال عام 1947، على السماح لكل من بريطانيا والهند بتجنيد "الجوركا" في جيشيهما، مع أن نظام التجنيد في بريطانيا كان في طريقه إلى الإلغاء.
في الوقت الراهن، هناك نحو 3000 مجند "جوركا" في الجيش البريطاني، معظمهم في سلاح المشاة أو مهندسون أو متخصصون في النقل والإمداد.
وتحافظ الكتائب، التي تحمل شعار "الموت أفضل من أن تكون جبانا"، على تقليد قديم في القتال بسلاحها التقليدي، وهو سكين منحنٍ طوله 46 سم، يُعرف باسم "كوكري".
تجدر الإشارة إلى أن حملة قادتها الممثلة البريطانية جوانا لوملي في عام 2009 تهدف إلى منح قدامى المحاربين في "الجوركا" الحق في الحصول على الجنسية البريطانية.
وتشتهر "الجوركا" النيبالية بأنها من أشرس القوات الخاصة في العالم، وأكثرها خبرة في القتال التلاحمي، حيث يُجرى انتقاؤهم من نخبة شباب نيبال الذين لا يهابون الموت.
إذا عاد أحدهم حيّا من المعركة أو دون جراح يعد عاراً عليه، سلاحهم المفضل هو خنجر "كوكري"، وضربة واحدة منه كافية لقطع رأس إنسان بسهولة تامة.