جونسون يكافح من أجل البقاء.. سباحة ضد تيار "الاستقالة"
يستمر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في التمسك بالسلطة، في ظل سلسلة استقالات حكومية ودعوات كثيرة لتنحيه.
وعنونت صحيفة "ذي تايمز" في صفحتها الأولى "جونسون يكافح من أجل الاستمرار"، بعدما وصفت "ديلي تلغراف" ما يحدث بأنه "تمرد" في الحكومة أسفر في غضون يومين عن استقالة عشرات الوزراء والمستشارين.
وبعد عامين ونصف العام على انتصار مدو في انتخابات حزبه وتوليه السلطة، تحطمت حصانة جونسون السياسية، ويقف الآن على الحافة وسط مطالبات بالاستقالة.
وبدأت موجة الاستقالات مساء الثلاثاء، عندما أعلن وزيرا الصحة والمال ساجد جاويد وريشي سوناك من دون إنذار مسبق، استقالتهما من الحكومة ليليهما أعضاء آخرون في الحكومة أقل رتبة.
وفي وقت مبكر صباح الخميس، استقال براندون لويس من منصب وزير شؤون أيرلندا الشمالية، وحذر جونسون من أن رئاسته للوزراء "تجاوزت نقطة اللاعودة".
وتابع لويس أنه "لا يمكنه التضحية بنزاهتي الشخصية للدفاع عن الأشياء كما هي الآن"، وفق خطاب الاستقالة الذي نشره على "تويتر".
4 وزراء و40 مسؤولا
وحتى الآن، بلغ عدد الوزراء المستقلين 4، فيما وصل عدد المسؤولين الأقل رتبة الذين غادروا الحكومة 40 مسؤولا، وفق صحيفتي جارديان وديلي تليجراف البريطانيتين.
ويتخبط جونسون في فضائح عدة وهو متهم بـ"الكذب" بشكل متكرر، إلا أنه تجاهل كل الدعوات إلى استقالته التي صدر بعضها من مقربين منه.
بل إن رئيس الوزراء أقال مساء الأربعاء مايكل غوف وزير شؤون الإسكان الذي ناشده في وقت سابق الاستقالة.
وذكرت وسائل إعلام بريطانية أن وزراء من الصف الأول طالبوا جونسون أيضا بالاستقالة بسبب صعوبة الوضع. ومن بين هذه الأسماء وزيرة الداخلية بريتي باتيل، بالإضافة إلى ناظم الزهاوي الذي جرى تعيينه قبل 24 ساعة فقط، وزيرا للمال.
تمسك بالسلطة
ورد جونسون على الوزراء كما على النواب بأنه سيبقى في منصبه لتكريس وقته "للمشاكل الكبيرة جدا " التي تواجهها البلاد على ما ذكرت الصحف.
وأكد رئيس الحكومة، بعد ظهر أمس الأربعاء أمام رؤساء اللجان البرلمانية "سنستمر مع حكومة هذا البلد"، بعدما قال قبل ذلك بقليل أنه يقضي أسبوعا "رائعا".
ورأى جونسون بلهجة حماسية أنه "لن يتحمل مسؤولية" مغادرة السلطة في ظل الظروف الراهنة مع أزمة غلاء المعيشة والحرب في أوكرانيا.
وقبيل ذلك، وخلال جلسة المساءلة الأسبوعية أمام النواب التي تخللها الضحك والسخرية، أكد رئيس الوزراء أن "التفويض الهائل" الذي منحه إياه الناخبون في 2019 يفرض عليه واجب "الاستمرار".
"باي بوريس"
وانتقد زعيم المعارضة العمالية كير ستارمر هذا "المشهد المبكي" في حين طالب زعيم الحزب القومي الاسكتلندي في مجلس العموم إيان بلاكفورد بتنظيم انتخابات مبكرة. إلا أن جونسون استبعد هذا الاقتراح.
فيما توجه الوزراء المستقيلون بعبارات قاسية إلى رئيس الحكومة طاعنين بنزاهته.
وفند ساجد جاويد أمام النواب الأسباب التي دفعته إلى الاستقالة بعد اقتناعه بأن جونسون لن يتغير، وقال "هذا يكفي" قبل أن يردد بعض النواب عبارة "باي بوريس" (وداعا بوريس).
وجاءت استقالة جاويد وريشي مساء الثلاثاء، بعيد تقديم جوسون اعتذارات حول فضيحة جديدة.
وأقر جونسون بارتكابه "خطأ" بتعيينه في فبراير/شباط الماضي في حكومته كريس بينشر في منصب مساعد المسؤول عن الانضباط البرلماني للنواب المحافظين، قبل أن يستقيل الأخير الأسبوع الماضي بعدما اتهم بالتحرش برجلين.
والثلاثاء الماضي، أقرت رئاسة الحكومة بأن رئيس الوزراء حصل على معلومات رسمية في 2019 حول اتهامات سابقة طالت بينشر، لكنه "نسيها" عندما قرر تعيينه في منصب مساعد المسؤول عن الانضباط البرلماني.
تضاف هذه الفضيحة إلى قضايا أخرى ذات طابع جنسي في البرلمان. فقد أوقف نائب يشتبه أنه ارتكب عملية اغتصاب وأفرج عنه بكفالة منتصف يونيو/حزيران، واستقال آخر في أبريل/نيسان لأنه شاهد فيلما إباحيا في البرلمان على هاتفه النقال.
فيما حكم على نائب سابق في مايو/أيار بالسجن 18 شهرا بعد إدانته بتهمة الاعتداء جنسيا على مراهق في الخامسة عشرة.
رفض شعبي
إلى ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "سافانتا كوريس" ونشرت نتائجه أمس الأربعاء، أن 72% من البريطانيين يرون أن على رئيس الوزراء الاستقالة.
وبخلاف فضيحة بينشر، يعاني جونسون بالأساس تداعيات فضيحة الحفلات الصاخبة التي أقيمت في مقر الحكومة خلال مرحلة فرضت فيها حكومته إغلاقا تاما على الشعب، إبان جائحة كورونا، وأفلت قبل أسابيع من تصويت على سحب الثقة قرره نواب حزبه المحافظ.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في وقت سابق، فإن هناك أيضا استياء عاما أكثر من قيادة جونسون، تفاقم بسبب مشاكل أخرى في بريطانيا، من بينها التضخم المتزايد بسرعة.
أي مستقبل؟
لكن الصحف البريطانية تفيد بأن المناهضين لجونسون يعملون في الكواليس للسماح بتصويت جديد على سحب الثقة، سريعا من خلال تعديل القاعدة الحالية التي تحمي رئيس الوزراء من أي مذكرة كهذه مدة 11 شهرا بعد.
وتجرى الإثنين المقبل انتخابات المكتب التنفيذي الخاصة بـ"لجنة 1922" التي تملك صلاحية البت بهذه المسألة.
وبأية حال، لا يتوقع كثير من المعلقين أن يظل جونسون بالمنصب حتى موعد الانتخابات العامة المقبلة، والتي يجب قانونيا أن تنعقد قبل 24 يناير/كانون الثاني 2025.