المركزي البريطاني يفقد ثقة الجمهور.. هل ينتهي عصر التعاون الأوروبي؟
وصلت ثقة الجمهور في البنك المركزي البريطاني إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، وتوقع محلل سياسي اقتراب نهاية عصر التعاون الأوروبي.
ويتوقع البريطانيون استمرار الارتفاع في معدل التضخم والذي تجاوز المستهدف أعواما، حسبما أفادت وكالة بلومبرج للأنباء اليوم الجمعة.
ولأول مرة على الإطلاق أعرب عدد أكبر من الأشخاص عن عدم رضاهم عن أداء البنك فيما يتعلق بضبط الأسعار، وفقا لاستطلاع بنك إنجلترا ربع السنوي بشأن التوجهات الخاصة بأسعار المستهلكين.
وإلى جانب تراجع نسبة التأييد لبنك إنجلترا- حيث أعرب 25% فقط عن رضاهم عن أداء البنك- قال المشاركون إنهم متشائمون إزاء التضخم أكثر من أي وقت منذ بدء إجراء هذا الاستطلاع في 1999.
ومن شأن هذه النتائج تصعيد الضغوط على محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي وزملائه لرفع معدل الفائدة الأسبوع المقبل لخامس مرة على التوالي.
نهاية عصر التعاون الأوروبي
يرى المحلل السياسي البريطاني كليفر كروك، كاتب العمود السابق في صحيفة فاينانشال تايمز وناشيونال جورنال، في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء، أنه قد يكون من السابق لآوانه الاحتفال ببدء عصر جديد من التعاون في أوروبا، خصوصا بعد التوحد ضد روسيا في الأزمة الأوكرانية، حيث يمكن القول إن الحاجة الشديدة إلى الوحدة يمكن أن تعزز قوة الاتحاد الأوروبي أو تكسره في النهاية.
ويقول كروك "ولا يمكن القول إن صدمة أوروبا تجاه العملية العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية كان مبالغا فيها، فمنذ وقت ليس بالطويل احتفلت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل بإقامة شراكة اقتصادية جديدة مع موسكو وهي الشراكة التي وضعت ألمانيا تحت رحمة إمدادات الطاقة الروسية".
لقد كان التحرك الروسي مذهلا، وكان الرد الأوروبي لمواجهته مذهلا أيضا، حيث تحرك بسرعة وفق كل المعايير، أي بأسرع مما كان يظنه أي شخص اعتاد على بطء تحرك الاتحاد الأوروبي في مواجهة أي أزمة.
فقد وافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على عقوبات غير مسبوقة ضد روسيا، وأرسلت الأسلحة إلى أوكرانيا، واتخذت السويد وفنلندا قرارا لم يكن متصورا قبل الحرب الأوكرانية وهو طلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).
واندفعت حكومات الاتحاد الأوروبي لزيادة مخصصات الإنفاق العسكري، والتعهد بتعزيز المشتريات المشتركة للأسلحة بما يضمن تكامل نظم التسليح فيما بينها. وبشكل مفاجئ أدرك السياسيون الأوروبيون أن الدفاع المشترك الفعال يمثل حاجة ملحة وليس مجرد طموح. ولكن استدامة هذه الجهود، ستحتاج إلى وحدة سياسية أعمق، وهو أمر يتجاوز حدود صلاحيات الاتحاد الأوروبي عادة.
في المقابل فإن الجميع نظر إلى الموقف الروسي ضد أوكرانيا باعتباره تهديدا للجميع يفرض عليهم التضامن. لكن مع استمرار القتال ستظهر الخلافات بشأن سبل إنهاء الحرب. كما أن العقوبات المفروضة على روسيا ستسبب خسائر جانبية متزايدة لأوروبا، وستكون بعض الدول أشد تضررا من البعض الآخر، وهو ما سيمثل اختبارا للنظامين السياسي والاقتصادي للاتحاد الأوروبي اللذان مازالا في مرحلة البناء.
التضخم في أوروبا
ورغم أن معدل التضخم لمنطقة اليورو ككل خلال الشهر الماضي كان مذهلا، فإن الأرقام الخاصة بالدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لم تكن أقل قوة. فقد بلغ المعدل في فرنسا 5.8% وفي ألمانيا 8.7% في حين كان أقل معدل من نصيب مالطا وسجلت 5.6% والأعلى من نصيب إستونيا وسجلت 20.1%.
هذا التباين الواسع بين معدلات التضخم للدول الأعضاء يشير إلى أن تحقيق التكامل الاقتصادي عبر الاتحاد الأوروبي مازال بعيد المنال وبخاصة عندما يتعلق الأمر بإمدادات الطاقة. كما أن هذا التباين يثير المشكلات عند بحث القضايا السياسية والسياسة الاقتصادية على مستوى الاتحاد.
وتختلف الحساسية لمعدل التضخم من مكان إلى آخر. وفي حين يعتبر معدل التضخم 8.7% مرتفعا في أي مكان في أوروبا فإنه يعتبر مرعبا بالنسبة لألمانيا التي ظلت مشغولة على مدى سنوات بضمان استقرار الأسعار. هذا التفاوت الكبير في النظر إلى التضخم، إلى جانب الاختلاف الواضح في القوى التضخمية والأحوال الاقتصادية الوطنية، يجعل مهمة مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي تبدو سهلة للغاية مقارنة بمهمة البنك المركزي الأوروبي، الذي يواجه استحالة وضع سياسة نقدية تلائم ظروف كل دول منطقة اليورو التي تضم 19 دولة من دول الاتحاد الأوروبي.
وبعيدا عن الملف الاقتصادي والتباينات الواضحة بين دول الاتحاد الأوروبي، يأتي خطر استمرار انتشار الشعبوية المشككة في الوحدة الأوروبية، حيث تبدو بعض الدول وبخاصة المجر وبولندا مصرة على تحدي الحكمة السائدة بشأن الهدف من الوحدة الأوروبية. وقد تشهد المناقشات المستقبلية بين دول الاتحاد الأوروبي شروط انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد رغم أنها دولة فقيرة، حتى قبل الحرب الروسية ضدها والتي ألحقت بها دمارا شاملا تقريبا.
معنى هذا أن تداعيات الحرب في أوكرانيا، تدفع بقوة في اتجاهات متعارضة. فأوروبا تدرك الآن أنه على حدودها الشرقية يوجد ليس صديق محتمل وإنما عدو لا يرحم. هذا أمر واضح. ولا أحد ينكر حاجة الاتحاد إلى تطوير نظام أمني جديد ويزيد الإنفاق على جعل هذا النظام أكثر كفاءة وفاعلية. لكن أي تقدم يمكن تحقيقه في هذا الاتجاه سيرافقه تعميق للشعور بالهوية الأوروبية.
في المقابل فإن هذا المشروع سيصطدم بالضغوط الاقتصادية المتزايدة، والاقتصادات الأوروبية التي مازالت أبعد ما يكون عن التكامل الكامل، والترتيبات المالية المختلة، و الدستور الناقص، وتباين القيم السياسية وعدم اقتناع الكثيرين من المواطنين الأوروبيين بفكرة الوحدة الأوروبية.
ويختتم كليفر كروك تحليله بالقول إن الاتحاد الأوروبي مر باختبارات من هذا النوع من قبل. والحقيقة أن منظري مشروع الوحدة الأوروبية يرون غالبا أن مزيدا من الوحدة عند مواجهة أي أزمة هو أفضل طريقة لتحقيق تقدم، ويمكن القول أن النجاح ليس كذلك دائما.