على رضا أكبري.. الجاسوس الخارق الذي خدع إيران 15 عاما وكشفته روسيا
على مدار 15 سنة، قام نائب وزير الدفاع الإيراني الأسبق، علي رضا أكبري، بخداع طهران ونقل أسرار حساسة عن البرنامج النووي للدول الغربية.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مسؤولين بريطانيين، أن أكبري، عمل جاسوسا لصالح بريطانيا، لكن إعدامه في يناير/ كانون الثاني الماضي بتهمة التجسس أدى إلى الكشف عن شيء كان مخفيا لمدة 15 عامًا.
وقال مسؤولون غربيون، اشترطوا عدم ذكر أسمائهم لأنهم غير مخولين بالحديث عن القضية، إن المملكة المتحدة أطلعت إسرائيل والدول الصديقة الأخرى على معلومات حساسة عن البرنامج النووي الإيراني حصلت عليها من أكبري.
وكانت أبرز هذه المعلومات التي قدمها أكبري عام 2008 تتعلق بمنشأة "فوردو" تحت الأرض وعلاقتها بجهود طهران لتطوير أسلحة نووية، وهي معلومات لم يكن الغرب يعرفها في ذلك الوقت.
ووفقا للصحيفة فقد كان أكبري بالنسبة للإيرانيين، أحد الصقور المتشددين في السياسة الإيرانية، وقائدًا عسكريًا بارزًا في الحرس الثوري ونائب وزير الدفاع الذي انتقل لاحقًا إلى لندن وتوجه إلى العمل في القطاع الخاص لكنه لم يفقد ثقة القادة الإيرانيين أبدًا. لكنه بدأ في عام 2004، وفقًا للمسؤولين، في تسريب أسرار إيران النووية للمخابرات البريطانية.
وتمكن على مدار الـ15 التالية من العمل بنجاح إلى أن جاء عام 2019، عندما اكتشفت إيران بمساعدة مسؤولي المخابرات الروسية أنه كشف عن وجود برنامج نووي إيراني سري في أعماق الجبال القريبة من طهران، بحسب مصدرين إيرانيين على صلة بالحرس الثوري الإيراني.
بالإضافة إلى اتهام أكبري بالكشف عن أسرارها النووية والعسكرية، قالت إيران أيضًا إنه كشف هوية وأنشطة أكثر من 100 مسؤول، أبرزهم محسن فخري زاده، كبير العلماء النوويين الذي اغتالته إسرائيل عام 2020.
لم تعترف بريطانيا مطلقا بأن أكبري، الذي أصبح مواطنًا بريطانيًا عام 2012، هو جاسوسها، لكن متحدثا باسم وزارة الخارجية البريطانية، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، قال إن سياسة عدم التعليق على "الأمور المتعلقة بالاستخبارات سياسة معروفة لدى الخارجية.
الصعود السريع في دهاليز النظام
قال شقيق أكبري، الذي ولد لعائلة محافظة من الطبقة الوسطى في مدينة شيراز: "كان مراهقًا عندما أطاحت الثورة الإيرانية عام 1979 بالنظام الملكي، وتبعتها الحرب مع العراق. بعد أن ازداد شغفه بالثورة، التحق هو وأخوه الأكبر بالجيش، وعقب انتهاء الحرب بعد ست سنوات تقريبًا، كان قائدًا ونال عدة أوسمة في الحرس الثوري".
وعقب عودته إلى الحياة المدنية، ارتقى أكبري إلى الرتب، وترقى إلى منصب نائب وزير الدفاع وتقلد مناصب استشارية في المجلس الأعلى للأمن القومي والهيئات الحكومية الأخرى. وأقام علاقات وثيقة مع رجلين قويين في إيران، محسن فخري زاده، العالم النووي الذي اغتيل عام 2020، وعلي شمخاني، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي.
ووفقا لدبلوماسي إيراني رفيع المستوى، واصل مسؤولو وزارة الخارجية طلب المشورة من أكبري وأبلغوه بالاجتماعات المغلقة حول السياسات والمفاوضات النووية حتى بعد إيقافه عام 2008.
وقال فؤاد إزادي، المحلل المقرب من الحكومة والحرس الثوري: "لقد كان (أكبري) طموحا للغاية ومحللا ممتازا يتمتع بمهارات فائقة في الكتابة والتحدث وكان الناس يثقون به".
وأضاف: "كان لديه وصول للكثير من المعلومات الحساسة والسرية حول البرامج النووية والعسكرية".
وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن أكبري سافر ما بين لندن وطهران في 3 مرات على الأقل بين عامي 2010 و2019، وهو العام الذي عاد فيه للبلاد للمرة الأخيرة بعد أن أخبره شمخاني أن إيران بحاجة إليه في مسألة نووية ودفاعية عاجلة، على حد قول شقيقه.
وفي عام 2004، وسط شكوك متزايدة في إسرائيل والغرب بأن إيران تسعى سراً لإنشاء برنامج أسلحة نووية، كان أكبري مسؤولاً عن إقناع السفارات الرئيسية في طهران بأنها لم تفعل ذلك، حيث كان يجتمع بانتظام مع سفراء بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا.
قصة التجنيد والتجسس
في ثمانية مقاطع فيديو قصيرة بثها التلفزيون الإيراني بعد إعدامه، قدم أكبري، تفاصيل عن أنشطته التجسسية وتجنيده من قبل بريطانيا في إحدى المناسبات في السفارة البريطانية في طهران. لكن شقيقه أكد في رسالة صوته بثتها بي بي سي فارسي – أن هذه الاعترافات انتزعت بالإكراه.
وقال أكبرى في مقاطع الفيديو، إن المخابرات البريطانية جندته عام 2004 وأغرته بحصوله هو وعائلته على تأشيرات دخول إلى بريطانيا، مشيرا إلى أنه سافر في العام التالي إلى بريطانيا والتقى بمسؤول MI6 (جهاز الاستخبارات البريطاني).
وخلال السنوات القليلة التالية، قال أكبري إنه أنشأ شركات واجهة في النمسا وإسبانيا وبريطانيا لتوفير غطاء لعقد الاجتماعات مع الضباط البريطانيين المسؤولين عنه. وقالت إيران إن MI6 دفعت لأكبري حوالي 2.4 مليون دولار.
تقاعد أكبري من مناصبه الرسمية عام 2008، على حد قول شقيقه، لكنه استمر في العمل كمستشار لشمخاني وغيره من كبار المسؤولين.
في وقت لاحق من ذلك العام، اعتقل أكبري واحتجز لمدة أربعة أشهر بتهمة التجسس لصالح بريطانيا، ووفقًا لشقيقه واثنين من أصدقائه قالوا إن الاستجواب لم تسفر عن اعتراف، وكفله العديد من أصدقائه الأقوياء وأطلق سراحه بكفالة. وأغلقت القضية وسمح له بالسفر بحرية.
اكتشاف بمساعدة روسية
ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز اكتشفت إيران عمالة أكبري بمساعدة مسؤولي المخابرات الروسية عام 2019، وأنه هو من سرب المعلومات بشأن منشأة "فوردو" النووية، بحسب مصدرين إيرانيين على صلة بالحرس الثوري.
وقال المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، نورمان رول، إن "اكتشاف فوردو غيّر بشكل جذري موقف المجتمع الدولي تجاه إيران".
وأضاف أن ذلك الاكتشاف ساعد في إقناع الصين وروسيا بأن إيران لم تكن شفافة بشأن برنامجها النووي ودفع باتجاه المزيد من العقوبات ضد طهران.
وخلال قمة مجموعة السبعة التي عقدت في بيتسبرغ عام 2009، كشف الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، إلى جانب زعماء بريطانيا وفرنسا، أن "فوردو" كان مصنعا لتخصيب اليورانيوم.
كانت وكالات الاستخبارات الغربية تدرك منذ فترة طويلة من خلال صور الأقمار الصناعية أن إيران كانت تبني منشأة في عمق الجبال بفوردو، لكنهم اعتقدوا أن الموقع كان منشأة تخزين عسكرية ولم يكونوا على دراية بتحويله إلى موقع سري للتخصيب النووي.
وتنفي عائلته أنه كان جاسوسا وقالت إن العديد من الاعترافات في مقاطع الفيديو التي نشرتها وسائل الإعلام الرسمية ملفقة من قبل الحكومة. لكنهم قالوا إن العديد من التواريخ والأحداث التي وردت في هذه المقاطع كانت صحيحة.