مقري و"خوانجيته".. طبخة مسمومة لابتلاع انتخابات الرئاسة بالجزائر
المواقف المتناقضة لإخوان الجزائر دفعتهم، بحسب مراقبين، إلى التأرجح بين المعارضة والسلطة في محاولة للسطو عليها مستقبلا.
يقول العارفون بالمعارضة الجزائرية إن الأحزاب الإخوانية كانت من أكثر التشكيلات السياسية التي حاولت استثمار ما يسمى "الربيع العربي" لصالحها، واللعب على وتر "الضامن الوحيد لمصلحة الشعب"، وعندما فشل المخطط في دخول هذا البلد انكشفت موافقهم المتناقضة للاستمرار في المشهد السياسي تحت شعار "لا حياء في المصالح".
- بوتفليقة يعلن رسميا ترشحه للانتخابات الرئاسية في الجزائر
- المعارضة الجزائرية تتجه لاختيار مرشح موحد.. ومحللون: مساعٍ إخوانية فاشلة
المواقف المتناقضة لإخوان الجزائر دفعتهم، بحسب مراقبين، إلى التأرجح بين المعارضة والسلطة في محاولة للسطو عليها مستقبلا.
النظام الجزائري يتقن، بحسب مراقبين، كيفية التعامل مع أعضاء تنظيم الإخوان الذين يسميهم البعض "الخْوانجية"، حيث تركهم يسقطون في "فخ نواياهم".
ولعل عبدالرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم الإخوانية والمرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية القادمة، أكثر الشخصيات السياسية "الخوانجية" في الجزائر التي تحولت إلى "نموذج ناطق" للمواقف المتناقضة، إذ ينتقل في تصريحاته من النقيض إلى النقيض بحرية مطلقة مثل نظرائه في باقي أحزاب التنظيم الأخرى بالبلاد.
ومنذ توليه رئاسة الحركة الإخوانية في مايو/أيار 2013، حطّم عبدالرزاق مقري الرقم القياسي في المواقف السياسية المتناقضة، وكانت سبباً في انقسام الحركة ذاتها، ما دفع بعضهم للقول إنه "لم يعد للحركة أي حليف أو صديق" في الجزائر إلى درجة حاز خلالها مقري لقب "السياسي المنافق" من قبل بعض شركائه في المعارضة، من بينهم سفيان جيلالي رئيس حزب جيل جديد المعارض، وعبدالله جاب الله رئيس حزب العدالة والتنمية الإخواني، رغم أن سجل الأخير لا يخلو أيضا من "الرأي والرأي المناقض".
"هذا التناقض" دفع كثيرين في الجزائر للقول إن الحركة الإخوانية ومن يدور في فلكها أيديولوجياً باتت "مفلسة"، وظلت في المشهد السياسي بصراعاتها الداخلية والثنائية، وتضارب مواقفها.
إخوان الجزائر والرهان على الخارج
عشية الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي جرت في أبريل/نيسان 2014، أعلنت غالبية أحزاب المعارضة تأسيس "تنسيقية الحريات والانتقال والديمقراطي"، وكانت حركة مجتمع السلم الإخوانية من بين مؤسسيها.
قدمت التنسيقية نفسها كـ"بديل عن السلطة الجزائرية"، وكانت حركة مجتمع السلم الإخوانية في مقدمة المعارضين، وأعلنت "عدم اعترافها بشرعية النظام"، مراهنة في ذلك على "العامل الخارجي"، بحسب كثير من المراقبين.
غير أن "انعدام أعراض الربيع العربي" في الجزائر كانت بمثابة الحائط الذي اصطدم به إخوان هناك، كما يقول مراقبون، بل ظهرت تلك الأعراض التي بحث عنها "مقري" في عقر حزبه، عقب حالات الانشقاقات والخلافات التي دبت داخله.
بعد سنوات من المعارضة، صدمت حركة مجتمع السلم الإخوانية الرأي العام، عند إعلانها المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو/أيار 2017، ما جعل كثير من المتابعين يتساءلون كيف "تشارك في انتخابات ترعاها سلطة غير شرعية في نظرها؟"
ولم تجد الحركة الإخوانية حرجاً في تبرير موقفها من المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وخرجت ببيان هزيل، وانتقلت من الطعن في شرعية السلطة الجزائرية إلى مشارك "فعال" في جميع الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في البلاد، رغم أن بعض مسؤوليها ما زالوا "يجترون" مصطلحات "عدم الشرعية" التي يقول منتقدوهم "إنهم كانوا جزءًا منها".
ومما ورد في بيانهم: "إن الحركة سبق أن شاركت في الاستحقاقات السابقة بنفس الشروط واستطاعت أن تحافظ على الحد الأدنى من التنافسية والحضور في كل البرلمانات رغم مصداقيتها المنقوصة، واستطاعت أن تقترح وتبادر وتعارض القرارات التي لا تخدم تطلعات المجتمع.. إن سبيل التغيير والإصلاح والتدافع مع منظومة الحكم مستمر ويتطلب نفساً طويلاً وإن مقاربتنا السياسية الجديدة تحتاج إلى أدوات لإسنادها وعناصر قوة لدعمها، ومنها نواب البرلمان وحصانتهم والمنتخبون المحليون وارتباطهم بالجماهير.. وإن أهم موقع للمعارضة في كل العالم هو البرلمان حيث تناقش القوانين والتشريعات".
شرعية رئيس البرلمان الجزائري
استمر تنظيم الإخوان بالجزائر في ممارسة سياسته باتخاذ مواقف غير واضحة، فبعد الإقالة التي أثارت الجدل لرئيس البرلمان السابق السعيد بوحجة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خرج الإخواني مقري بتصريح عبر صفحته الخاصة على موقع "فيسبوك" قائلا إن "معاذ بوشارب رئيس غير شرعي للمجلس الشعبي الوطني لكن الأمر الواقع يُحتم التعامل معه"، وفق تعبيره.
هذا الموقف أثار دهشة المتابعين، وتحول إلى مادة دسمة للجزائريين عبر منصات التواصل الاجتماعي للسخرية، لا سيما مع حديث مقري الدائم عن "انعدام الشرعية" وعن الوصفة السريعة التي يقدمها بـ"التعامل معها كأمر واقع".
موقع الجيش في المعادلة السياسية
كان الإخواني عبدالرزاق مقري من أكثر السياسيين في الجزائر الذين انتقدوا ما سماه "تدخل الجيش في العملية السياسية" خاصة منذ التسعينيات، حتى بعد إقالة اللواء محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق رئيس جهاز المخابرات في 2015.
وذكر في تصريحات صحفية "أن تغيير الأشخاص لا يعني بالضرورة تمدين النظام السياسي"، وأن "التمدين يتطلب عدم تدخل الجهات الأمنية والعسكرية في الموازين السياسية والحزبية" على حد تعبيره.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الجزائر، دعا رئيس حركة "حمس" الإخوانية، شهر يوليو 2018، الجيش الجزائري إلى "التدخل لإنقاذ البلاد"، مبرراً ذلك بـ"حالة الغموض التي تعرفها الجزائر في الآونة الأخيرة"، في إشارة إلى رفض الحركة الإخوانية ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.
دعوة الإخواني لم تمر دون أن تثير جدلاً واسعاً في الجزائر، قبل أن يخرج الفريق أحمد قايد صالح قائد أركان الجيش الجزائري بخطاب شديد اللهجة ضد الحركة، ودعاها إلى "إبعاد المؤسسة العسكرية عن حساباتهم السياسية وعدم إقحام الجيش في صراعات سياسية غير بريئة".
المشاركة في الانتخابات الرئاسية
في يوليو 2018، أدلى مقري بتصريح صحفي، ذكر فيه أنه "لا توجد أي مؤشرات توحي بأن الجزائر تعيش عملية تحضير لانتخابات مهمة بهذا الشكل، ما يدل على أن الأمور ليست بخير، وأننا نعيش في بلد مغلق"، على حد زعمه.
- انتخابات الرئاسة بالجزائر.. صفعة تخلط أوراق الإخوان وتقسم صفوفهم
- انتخابات الجزائر تعمق الصراعات داخل صفوف الإخوان
ومن إسطنبول التركية، اختار مقري طرح مبادرة "التوافق الوطني"، شهر آب/أغسطس 2018، وهي المبادرة التي اقترح من خلالها "تأجيل الانتخابات" لعام أو عامين، واقترح أيضا إجراء إصلاحات سياسية خلالها.
هذه المبادرة أكدت وسائل إعلام محلية أن أحمد أويحيى رئيس الوزراء الجزائري هو الذي أجهضها، وكانت واحدة من المواقف التي ناقضت الحركة الإخوانية نفسها، إذ طرح الكثير من المتابعين تساؤلات عن حديث "حمس" الدائم عن "عدم شرعية السلطة" في وقت تطرح مبادرة تدفع البلاد إلى حالة التناقض مع مبادئ الدستور الجزائري، من خلال تأجيل غير دستوري لأهم انتخابات والدعوة لفترة انتقالية.
واستمر تخبط حركة مجتمع السلم الإخوانية في مواقفها، إذ كانت أول الأحزاب الجزائرية التي أعلنت دخولها المعترك الرئاسي القادم مباشرة بعد إعلان بوتفليقة تاريخ إجرائها.
ولم يكتفِ رئيسها بذلك فقط، بل أعلن أن حركته ستنسحب في حال ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، قبل أن يتراجع عن تلك التصريحات بعد بضعة أيام، ويعلن مشاركته في الرئاسيات حتى لو ترشح الرئيس الجزائري الحالي.