"جزار الإخوان" يضع الجماعة بمصر على مذبح التناقضات ويعمق الانقسام
اعتادت جماعة الإخوان في مصر القفز إلى المشهد السياسي في البلاد خلال المواعيد الكبرى، لتمارس ما يقول مراقبون إنه إنكار لواقع أزمتهم.
واستبقت الجماعة موعد الانتخابات الرئاسية نهاية العام الجاري بحسب ما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في مصر اليوم الإثنين، لمواصلة عادتها بالتعليق على الحدث كما لو أنها تملك القدرة على التأثير في مساره.
وأطل القيادي الإخواني حلمي الجزار المحسوب على "جبهة لندن" خلال لقاء تلفزيوني على شاشة قناة الشرق التابعة للجماعة لطرح رؤية التنظيم المصنف إرهابيا في مصر وعدد من الأقطار العربية.
ويرى مراقبون أن قادة الجماعة تحت تأثير "الإنكار" يظنون أن التنظيم لا يزال يملك ثقلا في الواقع المصري كما كان الحال خلال السنوات التي سبقت الثورة المصرية في 30 يونيو/حزيران 2013.
وظلت الجماعة رقما في المعادلة السياسية المصرية حتى دفعت بمرشح في الانتخابات الرئاسية التي أعقبت أحداث 25 يناير/كانون الثاني 2011، وانتخب مرشحها محمد مرسي رئيسا لتنكشف شعارات الجماعة الجوفاء وتسقط في فخ فرز الواقع على ما يقول طيف واسع من المراقبين.
وقدم الجزار رئيس المكتب السياسي بجبهة صلاح عبد الحق، القائم بأعمال مرشد الإخوان، رؤيته للواقع وألمح فيه إلى أن المصالحة هي حل لمشاكل مصر، وأن الوطن يسع الجميع، مع تأكيده أن عدم الصراع على السلطة هو جزء أصيل في رؤية الإخوان وليس مناورة سياسية مؤقتة، وأن الجماعة ليس لها مرشح في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وتحت تأثير الملاحقات الأمنية على خلفية العمليات الإرهابية التي قامت بها الجماعة ورفض المصريون لاستمرارهم في المشهد السياسي انقسمت الجماعة إلى جبهتين الأولى في لندن ويقودها صلاح عبدالحق الذي انتخب قائما بأعمال المرشد، وجبهة إسطنبول بقيادة الأمين العام السابق للجماعة محمود حسين.
وتنكر كل جبهة الأخرى ولا تعترف بشرعيتها في تمثيل الجماعة في أعمق صدع يصيب الإخوان على مدار تاريخهم العامر بالانقسامات.
وأثار هذا اللقاء الكثير من الأسئلة داخل الجماعة ما بين قبول ورفض ووصل ببعضهم إنكار وجود مثل هذا اللقاء أصلا، وزعم آخر أن هذه التصريحات ملفقة، ما يعكس حالة اللايقين التي يعيشها الصف الإخوان وضبابية مواقف التنظيم وسوء التواصل بين قيادات الخارج وإخوان الداخل.
ومع تباين ردود أفعال الإخوان خرجت جبهة محمود حسين في بيان اليوم الإثنين، ترفض فيه ما جاء في تصريحات الجزار والتي وصفها البيان" بأنها لا تعبر إلا عن رؤية صاحبها".
الانشقاق أكبر من إنكاره
حول دلالات بيان جبهة حسين والتنصل من رؤية الجزار، يرى منير أديب الكاتب والباحث في الإرهاب الدولي، أن خروج بيانين متناقضين يزعم كلاهما أنه هو المتحدث باسم جماعة الإخوان، يؤكد أن الخلاف والانشقاق متجذر في التنظيم الإرهابي إلى أبعد مدى وأكبر من إنكاره أو التغافل عنه.
وفي تصريحات لـ"العين الإخبارية" أشار إلى "أنه من الواضح أن جبهة محمود حسين أرادت قطع الطريق على جبهة صلاح عبد الحق بامتلاك الفضاء الإعلامي الإخواني، وتثبت وجودها ببيان لم يضف جديدًا سوى تكذيب حلمي الجزار فيما ادعاه سواء باستعداد الإخوان للمصالحة المجتمعية أو بادعائه أن خلافات الإخوان بسيطة وإدارية وستحل قريبًا".
كلاهما خطر
وأوضح أديب أن "اختلاف رؤية الجبهتين للتعامل مع الواقع المصري يعود بالأساس لطبيعة المكون الإخواني لكل جبهة، فالمكون الرئيسي لجبهة صلاح عبد الحق الذي خلف إبراهيم منير (النائب السابق للمرشد القائم بأعماله والذي توفي في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي)، يغلب عليهم الانتماء للتنظيم الدولي، ويميلون إلى المناورة والادعاء بأنهم سلميون ومنفتحون على القوى السياسية ويسعون للمصالحة.
وعلى العكس منه، كما يرى أديب، يغلب على جبهة محمود حسين العناصر المصرية التي صنعت الأزمة وصعدتها، والتي تحظى بموافقة الداخل المصري، لذا كان بيان جبهته يغازل الصف الإخواني في الداخل، بما أسماه دماء الشهداء وحقوقهم التي لا تسقط بالتقادم".
وأكد أديب " أن كلتا الجبهتين خطر على العالم العربي والإسلامي وليس على مصر فقط، وأن كلاهما يحمل الشر وكلاهما قتلة وإرهابيون، وعلى الشعب المصري والعربي الاصطفاف ضد الجماعة فكرًا وتنظيمًا"
الصراع للقفز على المشهد
من جانبه، يرى هشام النجار الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، أن التنافس بين الجبهتين على قيادة الجماعة والقفز على المشهد السياسي هو الدافع الأول والأخير لإصدار البيان الأخير وقبله تصريحات الجزار.
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية" يقول النجار إنه"من المؤكد أن جبهتي الإخوان المتصارعتين على قيادة التنظيم، تحاول كل واحدة منها القفز على المشهد السياسي، واقتناص أي مكسب سياسي يخرج الجماعة من أزمتها ويعيدها للمشهد ومن ثم الحصول على بيعة باقي التنظيم، فجهة صلاح عبد الحق أو جبهة لندن طرحت فكرة التحالف مع أحد المرشحين المحتملين للرئاسة، وهذا المسعى من الممكن أن يقوي موقف الجبهة على حساب الأخرى".
ويضيف النجار "ونظرًا لأن جبهة محمود حسين لا تملك المرونة الكافية لطرح مبادرات لحلحلة الأزمة فإنها تتمسك بالموقف المتشدد الذي عبرت عنه في البيان الأخير لتحصل على أصوات الداخل ولتظهر بمظهر المتمسك بثوابت الجماعة".
ويتوقع النجار أن أي جبهة ستتمكن من الحصول على مكسب سياسي واضح ستجبر الأخرى على الانضمام إليها حيث إن الحاجة الرئيسية والملحة الآن للجماعة هو العودة بأية صيغة للمشهد لامتلاك بعض أوراق الضغط والمساومة لحل إشكالات عديدة على رأسها ملف المحبوسين والهاربين."
انقسام عمودي وعرضي
من جهته، يرى عمرو عبد المنعم الكاتب والباحث في الإسلام السياسي أن الخلافات بين الإخوان عميقة وشديدةـ، وأن ما جرى خلال الأيام الأخيرة داخل الإخوان في مصر وفي تركيا يشير إلى أن الجماعة تعاني من انشقاقات من القمة حتى إلى القاع.
وقال في تصريح لـ"العين الإخبارية" "البيان الصادر من جبهة محمود حسين، هو خطوة لرفض ما قدمه حلمي الجزار، لإعادة شن الهجوم على جبهة لندن التي يقودها الآن عبدالحق، فلايزال محمود حسين يرى أنه هو القائم بالأعمال وأن على الجميع السمع والطاعة له، وأن باقي المخالفين له في جبهة لندن مفصولون من الجماعة".
ويشير عبد المنعم إلى أن الخلافات تطال حاليا جبهة لندن "فمن الواضح أنهم غير متفقين على ما جاء على لسان حلمي الجزار، فتأخر نشر تصريحاته عبر المنصات الإخوانية التابعة للجبهة يعني أن ثمة خلافات بينهم على رؤيته".
لا عهد لهم
وشدد عبد المنعم على أن كل ما ظهر من مواقف الإخوان سواء جبهة صلاح عبد الحق أو جبهة محمود حسين، يمتلئ بالخدع والتلاعب بالألفاظ، فالجزار يقول إن الجماعة لن تتصارع على السلطة وهو تعبير غائم، يمكنهم التنصل منه إذا أتيحت لهم الفرصة للتنافس في انتخابات قادمة، بزعم أنه تنافس انتخابي وليس صراعا،
أما محمود حسين فيزعم أنهم منفتحون مع القوى السياسية، دون توضيح لمفهوم هذا الانفتاح، فهم أول من شكك في وطنية المعارضين لهم، ويمكنه التنصل من وعوده بكل سهولة واتهام المعارضة والقوى السياسية بالخيانة والعمالة كعادة الإخوان دائما".
ويرى عبد المنعم أن من يعتقد أنه يمكن أن يلزم الإخوان بتصريحاتهم يحتاج لمراجعة الماضي القريب ليرى بنفسه قدرة الجماعة على التلون وإيجاد مبررات للتنصل مما أعلنت الالتزام به.
aXA6IDE4LjIyNS4yNTQuODEg جزيرة ام اند امز