قانون جديد لتنظيم الجمعيات بتونس.. تجفيف منابع الإخوان
تعديل جديد لقانون الجمعيات لن يكون بردا وسلاما على الإخوان في تونس، حيث لا تمويل بعد اليوم في الظلام للإرهاب، ولا موارد غير شرعية لانتخابات التنظيم.
وتتجه تونس إلى تعديل قانون الجمعيات في البلاد لمنع نشاطات الجمعيات الداعمة للإرهاب، والمتنكرة بعباءة العمل الخيري ونشر الثقافة الدينية.
هذا ما أكده رئيس البرلمان التونسي إبراهيم بودربالة، حيث قال إن عددا من النواب سيقدمون في قادم الأيام مقترح قانون بعد أن ثبت أن إقرار التمويل الأجنبي للجمعيات في المرسوم السابق، أدى في بعض الحالات إلى تمويل الإرهاب أو الحملات الانتخابية.
التمويل الأجنبي
وسبق أن هاجم الرئيس التونسي قيس سعيد هذه الجمعيات أثناء اجتماع له مع الفريق الحكومي بشدة، حيث قال إنه "لا بدّ من اتخاذ نص يمنع تمويل الجمعيات من الخارج، لأنهم في الظاهر جمعيات، لكنهم امتداد لقوى خارجية، ولن نسمح بأن تأتي هذه الأموال للجمعيات للعبث بالدولة التونسية أو للقيام بالحملات الانتخابية تحت غطاء تمويلات أجنبية".
ومنذ وصولهم للحكم، سارع الإخوان إلى وضع مرسوم منظم للجمعيات من أجل تسهيل أعمالهم وتدفق الأموال إليهم؛ حيث عادوا من سجونهم ومنافيهم محملين بأجندة تخريبية مسمومة لأدلجة المجتمع وزرع بذور التطرف والإرهاب، وتحقيق ثروات طائلة.
وبتمويلات أجنبية دخلت عن طريق جمعيات متطرفة، تمكنوا من تنفيذ مخططاتهم الإجرامية على مدى أكثر من عقد، ففخخوا مفاصل الدولة التي تسللوا إليها، وعاثوا فيها فسادا، ظنا منهم أنهم فوق المحاسبة.
وكثيرا ما أثار الإنفاق الضخم لحركة النهضة الإخوانية، سواء في الحملات الانتخابية أو الاجتماعات بهدف اختراق الشارع واستمالته، التساؤل عن مصدر تلك الأموال.
ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أن تعديل قانون الجمعيات مسألة مهمة خاصة في هذه المرحلة التي تعمل خلالها السلطات التونسية لتطهير البلاد من براثن الإخوان.
ويرى زياد القاسمي أستاذ القانون والمحلل السياسي التونسي في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن المرسوم 88 لسنة 2011 كان جيدا في البداية حيث ساهم في توسيع مجال الجمعيات، في البلاد، لكن تم استغلاله من قبل الإخوان حيث كان سببا في ظهور جمعيات تخدم الفكر الظلامي والمتطرف.
"المرسوم 88"
وأكد أنه منذ وصولهم للحكم، وضع إخوان تونس "المرسوم 88" في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2011، والمتعلق بتنظيم الجمعيات، والذي ساهم في إنشاء أكثر من 14 ألف جمعية جديدة تنشط في جميع المجالات منها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أن عددا منهم يدعون أنهم جمعيات خيرية لكن أنشطتهم الحقيقية إرهابية.
وأوضح أنه في سنة 2014 ومع تنامي الأعمال الإرهابية في البلاد، قامت الحكومة التونسية برئاسة مهدي جمعة، بتجميد نشاط 157 جمعية تدعم الإرهاب.
وأشار إلى أن جمعيات إرهابية تخفت وراء عمل الجمعيات وعمل المجتمع المدني من أجل تحقيق مصالح التنظيم العالمي للإخوان خدمة لحزب النهضة وإيديولوجياته مقابل مبالغ مالية ضخمة.
مشددا على أنه لا بد من تعديل هذا المرسوم المتعلق بالجمعيات خاصة في البنود المتعلقة بالرقابة على التمويلات والهبات، وذلك لقطع التمويلات على الأحزاب السياسية.
القاسمي رأى أن "حركة النهضة طيلة فترة حكمها وفرت الحماية لجمعيات خارجة عن القانون ومتمردة على الدولة وتسهم في تمرير رؤى وبرامج قوى إقليمية ودولية نافذة".
شبهات تمويل الإرهاب
وبداية شهر مارس/آذار 2022، أحالت اللجنة التونسية للتحاليل المالية بالبنك المركزي ملفات 36 جمعية على القضاء بشبهة تمويل الإرهاب وفساد مالي والاستيلاء على أموال جمعية من المُسيرين.وأكدت اللجنة أت قيمة الأموال المجمدة من العملات التونسية والأجنبية في شبهات غسل الأموال بلغت نصف مليار دينار (ما يعادل 170 مليون دولار)، بعضها وُجّه لتنفيذ عمليات إرهابية في تونس.
وكشفت تقارير سابقة للجنة، أن جمعيات تنشط تحت غطاء خيري أسهمت في تمويل ونقل نحو 6000 من الشباب التونسي إلى بؤر التوتر في العراق وسوريا والتحاقهم بتنظيم "داعش".
خلفيات القانون
كشفت هيئة الدفاع عن السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين تم اغتيالهما في 2013، أدلة لا تزال قيد البحث والتحقيق، على أن لإخوان تونس جهازا ماليا سريا نفذوا بواسطته جرائمهم.
وبحسب تقارير متطابقة، يحصل التنظيم الإرهابي على التمويلات عن طريق "جمعيات خيرية" وهي "نماء" و"مرحمة".
وسبق أن قال رضا الرداوي، المحامي التونسي وعضو هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي أن "الكثير من الأموال وصلت إلى الإخوان في السنوات العشر الماضية، وكانت تدخل تونس نقدا وتحديدا حين كان الإخواني علي العريض يسيطر على قاعة التشريفات بمطار تونس قرطاج باعتباره وزير الداخلية في تلك الفترة".
وبالنسبة للرداوي، فإن "جمعية (مرحمة) تأسست أيضا سنة 2013، وحصلت على تدفقات مالية بأكثر من 16 مليون دينار (ما يعادل نحو 5.5 مليون دولار) من جمعيات مشبوهة متهمة بالإرهاب وهذا ثابت في محاضر".
وتابع أنه "في عام 2018 فقط، حصلت الجمعية على 11 مليونا و200 ألف دينار (نحو 4 ملايين دولار)، وهكذا خاضوا انتخابات 2019، وكانت الأموال تدخل تونس“.
وأشار إلى أن "الإخواني عبدالكريم سليمان (تم سجنه مؤخرا في قضية "نماء")، له أيضا علاقات بوكالات سفر، وتحديدا بوكالة سفر معينة قامت بعمليات التسفير، وهناك معاملات مالية قال إنها قيمة أرباحه، وهي مقابل بيع شباب تونس لبؤر التوتر".
وفي 11 يناير/كانون الثاني الماضي، جرى اعتقال سليمان على خلفية اتهامه بتبييض الأموال، حيث يشتبه بتورطه في الحصول على تدفقات مالية مشبوهة من الخارج بعد 2011.
منذ إلغاء قانون الجمعيات القديم وسنّ مرسوم جديد بتاريخ سبتمبر/ أيلول 2011، ارتفع عدد الجمعيات في تونس بشكل ملفت نظرا لأن المرسوم الجديد وضع شروطا تتعلق فقط ببعض الإجراءات القانونية وإعداد الوثائق وتحديد أهداف الجمعية؛ مما دفع بالمئات إلى بعث جمعيات ذات أهداف مختلفة ومتنوّعة.
وقد تعالت حينها أصوات ناشطين حقوقيين وسياسيين نادت خلال حكم الإخوان بضرورة الحد من المنح العشوائي لتراخيص الجمعيات وتسليط الرقابة على مصادر تمويلها، لكن هذه التحذيرات لم تؤخذ مأخذ الجدّ وتواصل منح التأشيرات مما أفرز مئات الجمعيات ذات المرجعيات الدينية والدعوية التي تحوّلت فيما بعد إلى مصدر تهديد وإزعاج.
لمحة عن القانون الجديد
ينص مشروع القانون الجديد المنظم للجمعيات الذي تحصلت "العين الإخبارية" على لمحة عنه على أنه لا يمكن للجمعيات تلقي المساعدات والتبرعات والهبات من دول أجنبية لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية، كما أن هذه الجمعيات مدعوة للحصول على ترخيص من لجنة التحاليل المالية قبل تلقي أي تمويل أجنبي”.
كما ينص المشروع على صيغة جديدة لحل الجمعيات وهي الحل الآلي بقرار صادر عن الإدارة المكلفة بالجمعيات برئاسة الحكومة، وهي صيغة تضاف إلى صيغة إصدار حكم قضائي لحلها.
ويمنع بموجبه أيضا من قبول مساعدات أو تبرعات أو هبات أجنبية غير مرخص لها من اللجنة التونسية للتحاليل المالية، كما تم اشتراط وجود مصلحة لدى الجمعية للتمتع بحق النفاذ إلى المعلومة.
وحسب آخر إحصائية نشرها مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات، التابع لرئاسة الحكومة، فإن ولاية تونس تحتضن أكبر عدد من هذه الجمعيات بـ 4938 جمعية تليها ولاية صفاقس بـ 1836 جمعية فولاية نابل بـ 1446 جمعية ثم ولاية أريانة بـ 1261 وولاية سوسة بـ 1224 ثم ولاية مدنين بـ 1065جمعية فبن عروس بـ 1054 جمعية وبنزرت بـ 1014 جمعية