تونس تنفض غبار "النهضة".. تدقيق شامل بالمؤسسات لمواجهة "الأخونة"
أطلقت تونس عملية مراجعة شاملة في مؤسسات الدولة لمواجهة "أخونة" الوظائف الحكومية.
وكانت قوى سياسية تونسية شكت في وقت سابق من انتداب وتوظيف عناصر إخوانية في مؤسسات الدولة بكثافة بناء على الثقة لا الكفاءة وعبر شهادات مزورة.
وسياسة "التمكين" شاعت في الدول التي وصلت فيها جماعة الإخوان إلى سدة الحكم في عدد من الأقطار العربية منذ 2011.
وعلى خلفية تلك المطالبات أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد أمرا نشر في الجريدة الرسمية ليل الخميس بإجراء تدقيق شامل لعمليات الانتداب والإدماج بالوظيفة الحكومية وجميع المؤسسات الحكومية المنجزة من 14 يناير/كانون الثاني 2011 (تاريخ سقوط نظام زين العابدين بن علي وصعود الإخوان) إلى 25 يوليو/تموز 2021 تاريخ نهاية حكم الإخوان.
وكان سعيد قد بدأ مواجهته لجماعة الإخوان ممثلة في حركة النهضة وحلفائها في يوليو/تموز من العام قبل الماضي، حينما علق عمل البرلمان الذي هيمنت عليه الجماعة، قبل حله في وقت لاحق.
وعدل سعيد عبر استفتاء شعبي الدستور الذي صاغته الجماعة المصنفة إرهابية في عدد من الأقطار العربية، كما أجرت البلاد انتخابات برلمانية فيما تنتظر انتخابات رئاسية العام المقبل.
وسبق أن دعا سعيد في مناسبات عدة رئيس الحكومة أحمد الحشاني إلى إجراء حملة تطهير داخل الإدارات ضد من يعرقلون إنجاز المشاريع التنموية بالبلاد، من خلال المراجعة الدقيقة للانتدابات التي جرت بعد عام 2011.
وتحاكم السلطات القضائية في تونس عددا من قادة حركة النهضة وعلى رأسهم زعيمها راشد الغنوشي في اتهامات بالفساد والإرهاب.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشفت التحقيقات في قضية الوظائف والتعيينات المشبوهة عن تشغيل 47 ألف موظف بالاستناد إلى شهادات علمية مزورة خلال فترة حكم حركة النهضة.
خطوة مهمة
ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أن البلاد تشهد محطة جديدة للإصلاح لإنهاء إرهاب الإدارة ولإنهاء كل نفس إخواني في البلاد يعمل لأجل مصالح التنظيم.
وقال حسن التميمي، الناشط الحقوقي والمحلل السياسي التونسي، إن حركة النهضة تتحمل كامل المسؤولية للاختراقات التي حصلت في صلب الإدارات والمؤسسات الحكومية التونسية، حيث قامت بتعيين أعضائها ممن كانوا مسجونين في قضايا إرهابية في أماكن هامة داخل الدولة، إثر تزوير شهادات علمية ما أدى ذلك إلى تراجع مستوى خدمات الإدارة.
كما أكد، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن الأشخاص الذين تم تعيينهم زمن حكم الإخوان لم يكتفوا بالرواتب الشهرية فقط بل تحصلوا على تعويضات مالية هامة على سنوات السجن.
وأشاد التميمي بالقانون الجديد الذي سيفتح ملفات فساد الإخوان، مؤكدا أن الرئيس التونسي بالرغم من بطئه في الإجراءات إلا أنه يمشي في الطريق الصحيحة.
وأشار إلى أن حادثة جربة (جنوب شرقي تونس) الأخيرة التي تمت في شهر مايو/أيار الماضي خلال تظاهرة زيارة الغريبة (تظاهرة للحج اليهودي) أثبتت اختراق النهضة للمؤسسة الأمنية من جماعة الإخوان.
وفي شهر مايو/أيار الماضي، قُتل 3 من عناصر الشرطة ومدني تونسي من الديانة اليهودية والآخر فرنسي تونسي، برصاص المهاجم (أمني تونسي) قبل أن يرديه عناصر الأمن.
كما دعا إلى مراجعة كل التعيينات في الجهاز الأمني التي تمت خلال السنوات العشر التي حكمت فيها الحركة البلاد عبر انتدابات وتعيينات مشبوهة وتكوين ما يعرف بالجهاز السري للإخوان.
من جهتها، أكدت وفاء الشاذلي، المحامية التونسية والناشطة السياسية، أن عملية تطهير المؤسسات الحكومية تتطلب الكثير من الوقت خاصة أنها مخترقة من قبل حركة النهضة.
وقالت إن تونس بدأت تتخلص من حكم الإخوان منذ 25 يوليو/تموز 2021 (تاريخ القرارات الرئاسية الاستثنائية) وكانت تلك المرحلة مهمة في تاريخ البلاد".
وأضافت أن "الإخوان حكموا تونس طيلة 12 عاما وارتكزت فترة حكمهم على نشر رجالهم من الصف الأول والثاني، وتغلغلوا بمفاصل الدولة ووزاراتها من بينها الداخلية وجهاز المخابرات، وما زالوا إلى حد الآن موجودين".
وتابعت أن "عملية التطهير تتطلب إرادة سياسية تتجاوز الخطابات لتصل إلى التنفيذ"، مشيرة إلى أن "رجال النهضة لا يزالون في مناصبهم العليا بالدولة وبينهم من تمت ترقيتهم".
ووفق الشاذلي، فإن "عملية التطهير تتطلب إرادة سياسية تتجاوز الخطابات لتصل إلى التنفيذ.
ودعت إلى "تعويض أعضاء جماعة الإخوان المتغلغلين داخل الدولة بأشخاص أكفاء بعيدا عن عقلية الموالاة والمحاباة"، موضحة أن "النهضة حكمت التونسيين بالأيديولوجيا وعينت جماعتها وفق الانتماء العقائدي للحركة وليس حسب كفاءاتهم".
تفاصيل القانون
وينص الأمر الرئاسي في فصله الأول على أنه يجرى تدقيق شامل لمختلف الانتدابات وعمليات الإدماج التي تمت منذ 14 يناير/كانون الثاني 2011 في رئاسة الحكومة والهياكل الخاضعة لإشرافها والوزارات والهياكل الخاضعة لإشرافها والبلديات والمؤسسات والمنشآت والهيئات الحكومية والبنك المركزي التونسي والبنوك الحكومية إضافة للبرلمان.
وتتكون لجنة التدقيق التي تشرف عليها رئاسة الحكومة من رئيس الحكومة أو من ينوبه، رئيسا إضافة لرئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية (حكومية)، ورئيس هيئة الرقابة العامة للمصالح الحكومية، ورئيس هيئة الرقابة العامة للمالية ورئيس هيئة الرقابة العامة لأملاك الدولة والشؤون العقارية، وثلاثة قضاة من القضاء العدلي والإداري والمالي.
وتتولّى لجنة القيادة تكليف لجان تدقيق لإنجاز العمليات المشار إليها بالفصل الأول من هذا الأمر.
وتتولى لجنة القيادة تحديد مهمات لجان التدقيق وتيسير أعمالها ومتابعة تقاريرها.
كما تتولى كل لجنة تدقيق التثبت في احترام شروط الانتداب والإدماج ومدى تلاؤمها مع التشريع الجاري به العمل.
وتتولى كل لجنة تدقيق، خاصة، التثبت في صحة الشهادات العلمية.
كما نص الأمر على أن تنهي لجان التدقيق أشغالها في أجل شهرين من تاريخ مباشرتها لمهامها برفع التقارير المنجزة إلى لجنة القيادة.
ويرفع رئيس لجنة القيادة، في أجل شهر واحد من تلقّيه تقارير لجان التدقيق، تقريرا ختاميا في أعمالها إلى رئيس الجمهورية.
وتتولّى الإدارات والهياكل المعنية سحب قرارات الإدماج أو الانتداب التي ثبت في شأنها عدم احترام الشروط والإجراءات المحددة في النصوص التشريعية والترتيبية المنطبقة عليها أو التي ثبت اتخاذها بناء على شهادات علمية مزورة أو غير مطابقة لشروط الإدماج أو الانتداب، وذلك بصرف النّظر عن التتبعات الجزائية في الغرض.
مخطط ممنهج
وإثر سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011، وبعد وصول الإخوان للسلطة ووضع أيديهم على جميع مفاصل الدولة، تم إصدار مرسوم عرف بـ"العفو التشريعي العام" في 19 فبراير/شباط من العام نفسه تم بمقتضاه انتداب نحو 7 آلاف موظف أغلبهم من الإخوان وأنصارهم، بالمؤسسات الحكومية.
وبعد 2011، استثمر الإخوان، بمن فيهم من شارك في عملية إرهابية عام 2007، قانون "العفو التشريعي العام" والتحق أعضاء التنظيم للعمل في الجهاز الحكومي.
ومنح الإخوان أعضاء التنظيم وأنصاره تعويضات مالية كبيرة، واستحدثوا صندوقاً وحساباً خاصاً في الخزينة العامة، منتهكين بذلك الإجراءات القانونية، باسم "حساب جبر الضرر لضحايا الاستبداد المتمتعين بالعفو العام".
ومكنت أسر الإخوان في المؤسسات العامة، عبر تعيين فردين أو ثلاثة أو أكثر، إلى حدّ 11 فرداً من عائلة واحدة موالية لهم، بدلاً من توزيع هذه الوظائف على الأسر الفقيرة للمساهمة في تحسين أوضاعهم.
وفي تصريحات سابقة، أكد وزير الوظيفة العمومية التونسي الأسبق عبيد البريكي أن عدد الأشخاص الذين شملهم العفو التشريعي العام منذ 2011، بلغ نحو 7 آلاف شخص.
وأوضح البريكي حينها أن قيمة التعويضات التي تمتّع بها الّذين شملهم العفو التشريعي العام بلغت نحو 143 مليون دينار (نحو 50 مليون دولار) كان إلياس الفخفاخ وقع على وثيقتها عندما كان وزيرا للمالية، بالإضافة إلى تمتعهم بالترقيات.
كما أشار إلى أن الانتدابات الجديدة بالوظيفة الحكومية بعد 2011 كانت جلها لأعضاء أو أنصار حركة النهضة الإخوانية.
وتغلغل إخوان تونس في وزارات عدة على رأسها الداخلية، وقد سبق أن أعلنت النيابة التونسية في 2019 فتح تحقيق في معلومات تفيد بامتلاك حركة النهضة جهازا أمنيا سريا موازيا للدولة، واتهم هذا الجهاز بضلوعه في اغتيالات سياسية.
واعترف وزير الداخلية التونسي الأسبق لطفي بن جدو بأن حركة النهضة الإخوانية "تمتلك أجهزة تنصت تفوق قدرات الجيش والأمن في البلاد، وهي تجهيزات في شكل حقائب قادرة على التقاط 4 آلاف مكالمة في الوقت ذاته، وعادة ما تنقل على متن سيارات مغلقة".
وعمدت حركة النهضة الإخوانية منذ 2012 إلى تعيين أتباعها والمنتفعين بالعفو التشريعي العام في مفاصل الدولة حسب الولاءات وليس على أساس الكفاءة والتجربة، خصوصا في وزارات التربية والداخلية والأسرة والمرأة.
aXA6IDE4LjIyNi4xMDQuMzAg جزيرة ام اند امز