"مرسي للديمقراطية".. واجهة جديدة لفضح فساد إخوان مصر
خلال السنوات القليلة الماضية تراكمت على وسائل التواصل الاجتماعي اتهامات متبادلة بين جناحين في جماعة الإخوان.
وتجاوزت هذه الاتهامات حدود الخلاف السياسي إلى التشكك في النزاهة والذمة المالية في ضوء عشرات الإحالات لوقائع فساد في مؤسسات تابعة للإخوان، سواء كانت كيانات عريقة في أوروبا أو تأسست على عجل مع فرار قادة التنظيم إلى الخارج مع بدء ملاحقاتهم أمنيا في مصر.
وفي أعقاب ثورة 30 يونيو/حزيران 2013 في مصر تصدعت صورة الجماعة التي سعت لتكريسها على مدار عقود، وقد تجاوز هذا الصدع الصورة الذهنية عن الإخوان وامتد إلى الجسم التنظيمي نفسه ليشطره إلى جناحين رئيسيين الأول بقيادة النائب السابق للمرشد إبراهيم منير الذي توفي في وقت سابق من العام الماضي في لندن، في مقابل جبهة محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة.
وعلى مدار عامين من خروج الخلافات الداخلية إلى العلن، تبادل قادة الجبهتين الاتهامات وكان أكثرها خطورة ما يتعلق بالتكسب من الأموال التي تدفقت على التنظيم الإرهابي.
وفي هذا السياق طفا أخيرا على سطح شبكات التواصل الاجتماعي اتهامات جديدة ضد جبهة محمود حسين، حيث عمد حساب باسم "أحمد ناصر"، للكشف عما قال إنه وقائع فساد في مؤسسة تابعة للإخوان تحمل اسم "مؤسسة مرسي للديموقراطية".
الكيان الذي تأسس في 17 يونيو/حزيران 2020، كمؤسسة غير ربحية تحمل هدفا غائما كالحفاظ على "نهج الرئيس المصري السابق محمد مرسي" الذي توفي في السجن بعد أن أدين في جرائم تراوحت بين الإرهاب والتخابر، كان حلقة جديدة في صراع أقطاب الإخوان بعد الكشف عن اختلاسات واستيلاء على تبرعات موجهة له.
وتشير الاتهامات إلى استيلاء محمود حسين، الذي نصب نفسه أخيرا نائبا للمرشد على رأس التنظيم، على أموال المؤسسة ما يوحي أن جبهة منير التي يتصدرها حاليا القيادي الإخواني محيي الدين الزايط الذي أعلن عن توليه الشؤون الإدارية في الجماعة، تقف خلف كشف هذه الأسرار لوضع الضغط على جبهة حسين.
وتعتمد جماعة الإخوان على هيراركية صارمة مؤسسة على مبدأ السمع والطاعة، وهو قسم يؤديه أعضاؤها عن الالتحاق بالتنظيم، ما يجعل الصراع على قيادة الجماعة خطرا وجوديا على بنيتها فضلا عن التشكيك في نزاهة تلك القيادة.
وحول مدى تأثير كشف الأسرار وفضح الفساد المالي والإداري بمؤسسات الإخوان على مستقبل الجماعة يرى منير أديب الكاتب والباحث في الإسلام السياسي والإرهاب الدولي أن التطورات الأخيرة بين الإخوان المنشقين تؤكد صعوبة، بل استحالة المصالحة بين الفريقين، وأن الجماعة في طريقها لمزيد من الضعف التنظيمي بعد فضح كل طرف لفساد الطرف الآخر.
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية" يوضح أديب أن "جماعة الإخوان اعتمدت خلال الفترة التي تلت هزيمتهم في 30 يونيو/حزيران 2013 إلى إنشاء العديد من المنظمات والهيئات والمؤسسات المختلفة، لتكون ستارًا لتحركاتهم في العديد من دول العالم، و"مؤسسة مرسي للديمقراطية" هي واحدة منها.
وأضاف عندما تم الإعلان عن إنشاء هذه المؤسسة في عام 2020 أي بعد عام من وفاة المعزول كان ذلك قبل حدوث الانشقاق الكبير بين حسين ومنير، وكان المعلن أن تكون مؤسسة غير ربحية، ولكن الحقيقة أنها تلقت أموالًا وتبرعات وهبات وصلت في بعض الأحيان إلى عشرات ملايين الدولارات، وذلك نيابة عن التنظيم.
فساد بنيوي
ويشير أديب إلى أن هذه المؤسسة آلت ملكيتها لجبهة حسين الذي بدأ يستخدمها كورقة في صراعه على زعامة الجماعة.
ويؤكد أديب أن "انشقاق الجماعة إلى أكثر من تنظيم هو أمر كان متوقعا بعد هزيمتهم، وظهور أكثر من رأي لحل أزمتهم، لكن أن يتبادل الجميع الاتهامات الأخلاقية بهذه البساطة، فهذا يعني أننا أمام جماعة لصوص لا أخلاق لهم يتسترون بالدين للوصول إلى أغراضهم، فضلًا عن كونهم جماعة إرهابية مارست العنف والقتل وأيديهم ملوثة بدماء الأبرياء".
ويشدد الباحث المصري على أن "الكثير من مؤسسات الإخوان سواء في جبهة منير أو حسين يسودها الفساد المالي والإداري، نظرًا لعدم اعتماد الجماعة من الأساس لأي نظام رقابي وإداري لأموال الجماعة، كما أن اعتماد الجماعة لمبدأ السرية جعل العديد من أعضائها لا يعرفون أي شيء عن أسرار التمويل ولا المشروعات المالية ولا حجم الإنفاق، وبالتالي تفشى الفساد المالي والسرقات".
ويلفت إلى أن "كشف فساد جبهة حسين لا يعني أن جبهة لندن نظيفة اليد، بل على العكس هم أيضًا فاسدون ولا يتورعون عن استخدام المال في شراء ولاءات.
إرهاب وفساد
ومن جانبه يرى طارق البشبيشي الكاتب والباحث السياسي أن تلك الفضائح التي كشفها خلاف الإخوان الداخلي، تؤكد أن تلك الجماعة لا تستحق أن يسمح لها ولا لأعضائها بالعمل في أي مكان في العالم الحر.
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية" رأى البشبيشي أن "التسريبات التي ينقلها كل طرف عن الآخر تؤكد أنهم لا يتورعون عن سرقة أموال الناس والنصب على البسطاء باسم الدين، فتلك المؤسسة أقامت العديد من المشاريع الوهمية في أفريقيا لجمع تبرعات وجهت في نهاية المطاف من أجل تمويل عمليات إرهابية".
ويؤكد البشبيشي أن "مؤسسة مرسي للديمقراطية كذبة إخوانية أخرى بالنظر إلى أن الجماعة لا تؤمن أولا بالمؤسسية كما لا تؤمن بالديمقراطية، وعندما تأسست تلك الهيئة لم تجد من يقبل بوجودها القانوني سوى لندن، ومعروف أن العاصمة البريطانية هي عاصمة الإخوان الأولى والأخيرة".
وأشار الباحث إلى أن "جماعة الإخوان لا تستهدف إلا التخريب والفوضى والقتل، ودورها معروف في نشر الأخبار الكاذبة والشائعات، كما أن أدبيات الجماعة التي سطرها قادتها سواء حسن البنا في رسائله أو سيد قطب في كتبه، تكفر بالديمقراطية، ولا تمارس داخل هياكل الجماعة، التي تقصي كل من يخالفها ولعل ما يحدث بينهم من تراشق وتبادل الاتهامات يؤكد أنهم أبعد ما يكون عن الديمقراطية".
وحول تسريبات الفساد المالي في تلك المؤسسة أوضح البشبيشي أن تلك الأخبار لم يعلنها الإخوان من أجل تطهير المؤسسة، بل تخرج في إطار الصراع بين جبهتيها، وهي موجهة ضد جناح لتشويهه وكشف زيفه، لكن الحقيقة أن كلا الطرفين قاتل وإرهابي.
ولاءات للبيع
من جانبه يرى أحمد سلطان الكاتب والباحث في الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة أن التلاسن بين جبهات الإخوان أصبح سمة أساسية لتصفية الخلافات مما يعني أن الجماعة لا تمر بأزمة تنظيمية فحسب بل بأزمة أخلاقية كذلك.
وأضاف في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن "خلافات الإخوان الأخيرة تحسم بشكل أكيد فشل وهزيمة الإخوان، وعلى وجه الخصوص ما صاحب هذه الخلافات من تسريب لفساد مالي وإداري".
وأكد أن مؤسسة مرسي المفترض أنها غير ربحية ونطاق عملها في الكثير من الدول، وتضم العديد من القيادات والرموز الإخوانية، وأن تأسيسها جاء من أجل إخفاء حركة التمويل السرية وغير القانونية التي تقوم بها الجماعة، لافتا إلى أن "المؤسسة قامت الفترة السابقة بتمويل بعض مشاريع الإخوان الإرهابية، وبعد سيطرة محمود حسين عليها قامت بتمويل قناة الشعوب".
وأوضح سلطان أن "حسين يستخدم المؤسسة في تدعيم سلطاته وطرح نفسه كقائم بالأعمال للمرشد، وبأموال المؤسسة يشتري ولاء بعض القيادات والمكاتب الإدارية في الداخل المصري".
وحول تسريب جبهة لندن لملفات الفساد في تلك المؤسسة يرى سلطان "أن ملفات الفساد أكبر بكثير من مؤسسة مرسي والتسريبات التي خرجت لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة فهناك العديد من الممارسات المالية الفاسدة التي تتم في مؤسسات الجماعة ككل.