الإخوان في شرق أوروبا.. خطر "داهم" وإجراءات غائبة
هربًا من الملاحقات والحصار الأمني المفروض عليها داخل ملاذاتها التقليدية في الشرق الأوسط، ولت جماعة الإخوان المسلمين، وجهها شطر دول شرق أوروبا.
وجهة وجدت فيها "الإخوان"، بيئة خصبة لاحتضان قيادات الجماعة وممارسة نشاطها بحرية بعيداً عن الرقابة المشددة، متكئة في ذلك على الوجود الإخواني القائم لدى دول الغرب، من خلال شبكة من الجمعيات والمؤسسات التابعة لها.
ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين سجلت وجودها في شرق القارة العجوز منذ سنوات، فإن الأعوام الأخيرة، شهدت خطوات متسارعة للتنظيم المصنف إرهابيًا في عدد من دول الشرق الأوسط، لتكثيف وجوده داخل مناطق معينة؛ مثل: البوسنة والهرسك، على طريق تخطيطها لتوفير ملاذات آمنة لعناصرها وأنشطتها داخل دول شرق أوروبا.
وتضم دول أوروبا الشرقية كلا من: أوكرانيا، بولندا، رومانيا، جمهورية التشيك، سلوفاكيا، المجر، كرواتيا، سلوفينيا، البوسنة والهرسك، الجبل الأسود، ألبانيا، اليونان، أرمينيا، أذربيجان، بيلاروسيا، بلغاريا، جورجيا، صربيا، مقدونيا، مولودفا.
فما طبيعة الوجود الإخواني في شرق أوروبا؟
يقول المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، في دراسة، إن غالبية التقديرات تشير إلى تسلل عناصر التنظيم داخل تلك مجتمعات شرق أوروبا، سراً في انتظار ممارسة النشاط بشكل موسع، كما هو الحال في دول أوروبا الغربية.
وتعود جذور الوجود الإخواني في شرق القارة العجوز إلى بعض الطلاب المنتمين للجماعة والذين وفدوا إلى تلك البلدان في شبكات بدأت صغيرة ثم باتت مترامية الأطراف في الوقت الراهن، وتعمل كأذرع قوية للتنظيم.
ويقول مركز توثيق الإسلام السياسي (حكومي) في النمسا، إن مجموعات طلابية صغيرة أسست خلايا تابعة للتنظيم؛ تعمل حالياً في دول مثل: التشيك، وسلوفاكيا، والمجر، وسلوفينيا، وكرواتيا، ورومانيا، ضمن منظمات، بينها: اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، والاتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية الشبابية "فيمسو".
البوسنة والهرسك
منذ أوائل التسعينات، وشقت جماعة الإخوان طريقها إلى البوسنة والهرسك، وهي مناطق ذات أغلبية مسلمة، بحسب مركز توثيق الإسلام السياسي الذي قال إنه رغم أن معظم الإخوان الذين نشطوا في البوسنة والمناطق المجاورة لها، خلال صراع البوسنة، تركوا البلاد، إلا أن التنظيم العالمي للإخوان وجد حلفاء في شخصيات محلية بارزة في البوسنة، مثل الرئيس السابق إيشا إزتبريغوفيتش والمفتى السابق والحالي للبلاد مصطفى سيريتش وحوسين كافازوفيتش على الترتيب.
ويقول مركز "جلوبسيك، في تقرير صادر عنه، في ديسمبر/كانون الأول عام 2020، إن شخصيات بارزة داخل البوسنة، ارتبطت بجماعة الإخوان بشكل مباشر، في مقدمتها الدكتور مصطفى سيريتش مفتي البوسنة السابق.
ويشير التقرير إلى أن سيريتش كان عضواً في المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب القيادي الإخواني الراحل يوسف القرضاوي، وشخصيات بارزة في جماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن كونه عضواً داخل منظمة "المنهج الوسطي الراديكالي"، التي تتخذ من العاصمة البريطانية مقرًا، وعملت منذ سنوات على تنسيق التعاون بين الجماعة وقيادات بارزة داخل أوروبا.
مقدونيا الشمالية
يقول تقرير صادر عن مشروع مشترك بين مركز جلوبسيك ومشروع مكافحة التطرف، في ديسمبر/كانون الأول 2020، إن منتدى منظمات الشباب والطلاب المسلمين الأوروبية والذي يعرف باسم (FEMYSO)، يعد من أبرز المنظمات البارزة في شمال مقدونيا والمرتبطة بجماعة الإخوان، مشيرًا إلى منظمة منتدى الشباب الإسلامي (FRI) باعتبارها الأكثر اتساقاً مع تنظيم الإخوان، وتقع في مدينة تيتوفو بمقدونيا.
ويقول المركز الأوروبي، إن التركيبة السكانية في مقدونيا الشمالية، يغلب عليها تركيبة إسلامية متنوعة بين مجموعة من الأعراق، مثل الألبانية، التركية والسلافية.
أوكرانيا
مع بداية الأزمة الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، تحدثت تقارير عديدة عن طبيعة التواجد الإخواني داخل أوكرانيا كذلك الأدوار التي لعبها التنظيم تزامناً مع الأزمة أو قبلها.
ذلك الدور، بدا واضحًا، في بيان أصدرته جبهة لندن الإخوانية، في مارس/آذار 2022، طالبت فيه بضرورة وقف الحرب، وتدخل الأطراف الدولية الفاعلة من أجل إقرار السلام.
ورغم ذلك، إلا أن فرع التنظيم الإخواني في أوكرانيا ممثلاً في "مجلس مسلمي أوكرانيا" والمعروف باسم "الرائد"، التزم بمساندة بلاده وأدان الحرب.
فماذا نعرف عن فرع الإخوان في أوكرانيا؟
وفقًا للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فإن مؤسسة الرائد، التي تأسست في عام 1997، تمثل الكيان الأقوى التابع للإخوان المسلمين داخل أوكرانيا ويرأسها سيران عريفوف، الأوكراني الأصل.
تحت مظلة "الرائد"، تعمل (9) من المنظمات والمراكز الإسلامية في العاصمة الأوكرانية كييف، وبعض المدن الأخرى، تنشط بشكل ظاهري في مجالات الخدمة العامة، خاصة للجاليات المسلمة، لكن مهمتها الأساسية هي التعريف بجماعة الإخوان وتجنيد الشباب الجدد من مختلف الجنسيات.
وتقيم مؤسسة الرائد مخيمات صيفية وتدريبية في يونيو/حزيران من كل عام تتنوع فيها الأنشطة الترفيهية بالممارسات الدعوية والسياسية.
إلا أن السلطات الأوكرانية وضعت منذ العام 2018، مؤسسة "الرائد" تحت الرقابة الأمنية، بعد تقارير أمنية أثبتت تلقيها دعماً مالياً كبيراً من إحدى الدول الداعمة للإرهاب، كما أسفرت مداهمة للمنظمة عن العثور على منشورات تحرض على العنف والكراهية وتؤسس للخطاب المتطرف.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، ألقت السلطات الأوكرانية القبض على 80 متهماً بالعنف، معظمهم من دول آسيا، بعد مداهمة لمقر "الرائد"، وبعدها بأشهر ضبطت أحد عناصر تنظيم الإخوان المطلوبين لدى العاصمة المصرية القاهرة.
بولندا
في دراسة تحت عنوان "هياكل الإخوان في أوروبا"، قال الباحث الأمريكي لورينزو فيدينوفي، إن أن بولندا بها نسبة كبيرة جداً من عناصر تنظيم الإخوان بين دول أوروبا الشرقية، مشيرًا إلى أنها الأكثر نشاطاً.
فـ"الرابطة الإسلامية المركزية"، التي تأسست في عام 2004، هي المنظمة المركزية للإخوان داخل بولندا، ويرتبط بها العديد من المنظمات الأخرى مثل "فيمسو"، فضلاً عن الرابطة الدينية الإسلامية التي تأسست عام 1925، بحسب الباحث الأمريكي، الذي قال إنها تعمل بالتنسيق مع عدد من قيادات الجماعة داخل بولندا وخارجها.
كيف كافحت أوروبا الشرقية الإخوان؟
على النقيض من دول الغرب الأوروبي، التي أدركت مؤخراً مدى الخطر الذي يمثله التنظيم، وبدأت بتطبيق استراتيجيات أمنية وفكرية واسعة النطاق للتعامل مع هذه المخاطر، تنظر غالبية الدول في شرق أوروبا إلى التواجد الإخواني باعتباره محدودًا للغاية وغير مؤثر.
وباستثناء الإجراءات الأوكرانية في عامي 2018 و2020، لا توجد إجراءات أمنية تذكر لتحجيم نفذ جماعة الإخوان داخل دول أوروبا الشرقية.
ورغم ذلك، إلا أنه من المتوقع أن تراجع تلك الدول سياستها في القريب العاجل في ضوء تنامي الإجراءات الأوربية ضد التنظيم، وكثافة التقارير الأمنية والاستخباراتية التي تحذر من نشاطاته، بحسب المركز الأوروبي.
وأشار إلى أن الحرب الأوكرانية ستدفع العديد من الدول إلى مراجعة سياستها فيما يتعلق بالتنظيمات المؤدلجة وتيارات التطرف، مما قد يقيد مساحة الإخوان في التمدد وتعزيز مكانته ونفوذه داخل تلك الدول.
aXA6IDMuMTQ1LjcuMjUzIA== جزيرة ام اند امز