تعد مسرحية "في انتظار جودو" بحسب استطلاع للرأي أجراه المسرح الوطني الملكي البريطاني عام 1990، المسرحية الأهم في القرن العشرين باللغة الإنجليزية.
والمفارقة هي أن هذه المسرحية قد أنهى كتابتها الأديب الإيرلندي الأشهر صمويل بيكيت باللغة الفرنسية عام 1949، حيث عرضت في باريس عام 1953، وبعدها ترجمت إلى الإنجليزية وعرضت في لندن بعدها بعامين. وتتكون المسرحية من فصلين فقط، وأطلق عليها النقاد والمتخصصون: "ملهاة مأساوية من فصلين"، نظراً لما احتوته من وقائع وأحداث جوهرها الحقيقي هو هذا الوصف.
وتدور أحداث المسرحية حول شخصيتين بائستين هما: فلاديمير واستراجون، اللذان لا يجدان عملاً، ولا مأوى، ولا طعاماً، ولا شراباً، ويعيشان فقراً مدقعاً وحياة شديدة البؤس. ويجلس الرجلان معاً في الطريق ينتظران من يعتقدان أنه الشخص الذي سيخلصهما فور وصوله من كل هذا الفقر والبؤس، والذي يدعى "جودو". وبينما هذان الشخصان في انتظار جودو، لا يقومان بأي فعل سوى قضاء وقت الانتظار بالحديث فيما بينهما، دون أي محاولة ولو بسيطة لتغيير ما هم فيه من حال وواقع.
وحتى هذا الحديث الدائر بينهما، لا يربط بين موضوعاته رابط، بل هو حديث مفكك متعدد الموضوعات، يبدو في معظم الأحوال وكأنه نوع من الهذيان وليس تبادلا للأفكار المنطقية. ويظهر للبطلين في حالتهما هذه طفل صغير يحضر إليهما يومياً، ليخبرهما أن جودو المخلص المنتظر يعتذر عن عدم المجيء لهما اليوم، وسيأتي إليهما في الغد، وهو ما يصدقانه كل يوم سائلين الصبي عن جودو وكيف يعامل أمثالهما، ليمضي اليوم ويأتي الذي بعده ليواصلا الانتظار وسماع اعتذار الصبي نيابة عن جودو، ويسألانه مجدداً عن أحواله.
وقد توافق النقاد والقراء والمشاهدون لهذه المسرحية الهائلة، على أنها تعبر عن فكرة الانتظار العبثي الذي لا طائل منه، وأن بطلي المسرحية شخصيتان عبثيتان أيضاً، يظلان على حالهما دون أي تفكير أو تذكر للماضي، والذي لا يزيد على اليوم السابق ليومهما الحالي. وقد اتفق كل هؤلاء السابق ذكرهم على أن هذه المسرحية تعكس الفكر العبثي الذي يعبر عن حالة غياب الهدف المحدد، وكذلك أي قدرة على إدراك الواقع، والتركيز بما يكاد يصل لحالة المرض على يقين واحد لا يتغير، وهو أن جودو قادم لا محالة.
وفيما عدا هذا، فكل شيء عند بطلي المسرحية مشكوك فيه، فهما غير متأكدين من وقت مجيء جودو، ولا أنهما في المكان الصحيح المفترض أن يأتي إليهما فيه، أو حتى ما إذا كان قد أتى بالفعل ولكنهما لم يرياه. كل شيء عند البطلين مشكوك فيه، ما عدا أن جودو آت إليهما يقيناً ليخلصهما مما هما فيه من بؤس وعدم، ويحقق لهما كل ما يطمحان إليه بدون أن يبذلا هما الاثنان أي جهد لتحقيقه.
لسنا هنا في معرض النقد الأدبي أو الفني لهذه المسرحية العظيمة، "في انتظار جودو"، بل هو في الحقيقة استيحاء لها وإسقاط لجوهرها على حالة جماعة الإخوان والملتحقة بها من مجموعات وأفراد، بعد نحو عشر سنوات من إطاحة الشعب المصري بحكمهم البائس في ثورته العظيمة، في 30 يونيو 2013.
فطوال عقد كامل، والجماعة وكل ملتحقيها ينتظرون "جودو"، أو العودة المظفرة إلى حكم مصر، وبصورة يومية لا يمل إعلامهم ومتحدثوهم عن التبشير بأن "جودو" قادم اليوم، وإن تأخر فسوف يحضر غداً. وتمر الساعات والأيام، والجماعة وملتحقوها جالسون على قارعة الطريق، وعبر شاشاتهم ومنصاتهم وصحفهم، يتبادلون أحاديث عبثية مفككة لا رابط بينها، سوى أن جودو قادم لا محالة خلال ساعات. مر على هذا الانتظار نحو 3650 يوماً، لم يمل الإخوان وملتحقوهم من الانتظار ولا من سماع أحاديث الصبي أو الصبية عن جودو، ولا من سؤالهم لهم عن أحوال هذا الذي لم ولن يأتي أبداً.
وهكذا يؤكد أن مسرحية صمويل بيكيت العظيمة "في انتظار جودو"، ليست فقط أهم مسرحيات القرن العشرين، بل إنها تصلح وبامتياز كواحدة من أدوات التحليل السياسي لجماعة فقدت الذاكرة، وغاب عنها الزمان والمكان، وأصابتها حالة مرضية من العبثية، وبقيت على قارعة طريق التاريخ تنتظر هذا الذي لن يأتي أبداً.
إنها حقاً "ملهاة مأساوية" واقعية من عدة فصول، وليست مسرحية من فصلين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة