شبح جديد بالسودان.. الموت جوعا والدفن في فناء المنازل
لم يعد الموت برصاص الاشتباكات الدائرة هو الهاجس الوحيد الذي يقلق السودانيين، بل إن الموت جوعا وعطشا بات شبحا يخشاه الجميع.
شقيقتان سودانيتان كانتا أحدث ضحايا الموت جوعا في العاصمة السودانية الخرطوم، التي تعاني أوضاعا إنسانية صعبة جراء الاشتباكات المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل/نيسان الماضي.
"زبرفينت وزفيار يقفيان" شقيقتان تعيشان بمفردهما في منزلهما في شارع "51"، بحي "الخرطوم 2" أحد أرقى أحياء الخرطوم تم العثور على جثتيهما داخل منزلهما بعد أن فارقتا الحياة بسبب الجوع والعطش.
وكانت زبرفينت يقفيان، وهي سودانية من أصول أرمينية تعمل في السفارة الأمريكية، وترعى شقيقتها زفيار التي تعاني من مرض عضال، إلا أن منزلهما وقع تحت حصار قوات الدعم السريع منذ بداية الاشتباكات التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان الماضي.
وتعيش أغلبية الأسر في العاصمة الخرطوم وأطرافها أوضاعا إنسانية قاسية ومأساوية بسبب استمرار الاشتباكات الدائرة بين الطرفين المتصارعين، والتي تسببت في انقطاع الكهرباء والمياه والاتصالات والأدوية.
ومع طول أمد الاقتتال بين الجيش والدعم السريع، يظل الكثير من المواطنين محتجزين داخل منازلهم في أحياء الصفا والمطار والخرطوم (1 و2 و3) وكافوري والرياض، في ظروف قاسية وسط تناقص للطعام والشراب.
وبحسب رواية أحد سكان حي "الخرطوم 2" الراقي بالعاصمة الخرطوم، فإن "زبرفينت"، تركت وظيفتها وتفرغت لرعاية شقيقتها "زفيار"، إلا أنه تم العثور على جثتيهما داخل منزلهما، بعد أن حاصرتهما الاشتباكات داخل المنزل، وواجهتها مشقة كبيرة في الخرطوم بعد نفاد مياه الشرب والمواد الغذائية ما أدى إلى وفاتهن بطريقة كارثية.
وأشار إلى انبعاث روائح كريهة من داخل المنزل، وبعد كسر الأبواب تبين أن الشقيقتين ماتتا جوعا، ما أثار الخوف والهلع وسط الجيران.
وما زالت مناطق واسعة وسط العاصمة الخرطوم، تعيش أوضاعا إنسانية بالغة التعقيد، جراء الاشتباكات المسلحة المستمرة خاصة في محيط القيادة العامة للجيش، ومطار الخرطوم الدولي، والمواقع الاستراتيجية الأخرى.
وخلال الشهر الماضي، تم اكتشاف الطبيبة "ماجدولين"، داخل شقتها بحي "العمارات" وسط العاصمة الخرطوم وهي إحدى أشهر طبيبات التخدير بالسودان، والتي ظلت لأكثر من 3 أيام تحت الأنقاض إثر تعرض منزلها للقصف.
وفي شارع "البلدية" وسط الخرطوم، أفاد شهود عيان "العين الإخبارية"، بأن أسرة ناشدت المنظمات الطوعية بضرورة الحضور إلى المنزل لمساعدتها في دفن جثة أحد أفرادها التي بدأت بالتحلل.
بحسب شهود عيان، فإن عملية الدفن تمت داخل حديقة الأسرة، بسبب صعوبة الخروج بالجثة إلى المقابر بسبب القتال العنيف في الشوارع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وفي مطلع يونيو/حزيران الجاري، توفي أطفال في "دار الطفل اليتيم" في العاصمة الخرطوم نتيجة المعارك، وسقوط قذيفة في مبنى مجاور، وبسبب سوء التغذية، بعد استحالة وصول غالبية الموظفين إلى الدار.
ودفن الموتى داخل المنازل السكنية في العاصمة الخرطوم، أصبح أمرا عاديا، لصعوبة الحركة إلى المقابر العامة، في ظل انتشار الجثث المتحللة في الشوارع والأرصفة وتعرض الأشلاء للنهش من قبل الكلاب الضالة.
وفي مايو/أيار الماضي، أصيب مواطن سوداني يحمل الجنسية البريطانية، يدعى عبد الله شلقامي، برصاص قناصة في السودان، ثم توفيت زوجته علوية رشوان من شدة الجوع، رغم أن منزلهما يبعد أمتارا قليلة من مقر البعثة الدبلوماسية البريطانية بالخرطوم.
وفي مواجهة نقص الغذاء وشح الماء، اضطر شلقامي (85 عاما) لترك زوجته من أجل الحصول على المساعدة، وأثناء خروجه، أصيب برصاص قناصة، وفي ظل عدم وجود مستشفيات تعمل في مكان وجوده، وتم نقله إلى أحد أفراد أسرته في منطقة أخرى من الخرطوم.
لكن زوجته تُركت تتدبر أمورها بنفسها، وكان من المستحيل على أي شخص الوصول إليها في منطقة محاطة بالقناصة.
وواصلت الأسرة الاتصال بالخط الساخن لوزارة الخارجية البريطانية لمساعدة الزوجة علوية، لكنها كانت عالقة في المنزل دون أي مساعدة إلى أن عثر عليها متوفية بعد بضعة أيام.
وتعمل جهات رسمية أبرزها الصليب الأحمر والهلال الأحمر السودانيان على تقليل ظاهرة دفن الموتى داخل المنازل، وتعملان على نقل جثامين القتلى من الشوارع ودفنها بصورة لائقة في المقابر العامة في الخرطوم.
وسبق أن حذر برنامج الأغذية العالمي من تعرض حوالي 2.5 مليون سوداني للجوع خلال الأشهر المقبلة نتيجة للاشتباكات.
وقد يواجه 19 مليون شخص، أي نحو 41% من سكان السودان، صعوبة في الحصول على وجبة في اليوم، مقارنة بـ 15 مليون شخص العام الماضي، وفقا لبرنامج الغذاء العالمي.
aXA6IDMuMTQ3LjEwNC4xOCA= جزيرة ام اند امز