السودان في 60 يوما.. ميدان مشتعل وطريق سلام لم يتجاوز الهدن
مع انسداد أفق التفاوض في منبر جدة، باتت الأزمة السودانية تعزف على وتر "العنف المسلح" الذي تسبب في تدمير بنى تحتية، وتشريد الآلاف من منازلهم، دون أن يلوح ضوء في نهاية النفق.
فرغم مرور 60 يومًا على اندلاع الأزمة السودانية بين الجيش السوداني، وقوات "الدعم السريع"، فإن جذوة القتال لم تهدأ، فيما ألسنة اللهب والدخان، لم تنقطع عن سماء العاصمة الخرطوم.
فما أبرز التطورات الميدانية؟
قال شهود عيان إن القتال تجدد اليوم الإثنين، بالأسلحة الثقيلة والخفيفة في مدن الخرطوم وبحري (شمال) وأم درمان (غرب)، مشيرين إلى أن المعارك اندلعت -كذلك- في محيط مصنع "اليرموك" للصناعات العسكرية جنوبي العاصمة الخرطوم.
وبحسب شهود العيان، فإن الطيران العسكري حلق بكثافة في سماء المدينة، مع سماع دوي المدافع وتصاعد ألسنة اللهب والدخان.
ماذا قال الجيش السوداني عن تلك التطورات؟
في بيان صادر عنه اليوم الإثنين، واطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، أدان الجيش السوداني، "استهداف قوات الدعم السريع، المناطق السكنية بالأزهري والسلمة بالقصف المدفعي والصاروخي".
وزعم الجيش السوداني في بيانه، أن قوات الدعم السريع، أطلقت يوم الأحد، عددا من دانات الهاون والراجمة عيار 122 ملم على منطقة الأزهري مربع، مشيرًا إلى أنه بينما سقطت قذيفة على ميدان دون أن تحدث تأثيرًا، أصابت ثانية منزلا، مما أدى إلى وفاة صاحبه، وإصابة 3 أطفال، فيما سقطت ثالثة على منزل غير مأهول.
وادعى الجيش السوداني، أن قوات الدعم السريع استهدفت بالقصف بعض المناطق في الأزهري أثناء تحليق قواته، "لإيهام سكان المنطقة أن قواتنا هي من تقوم بذلك"، على حد قوله، مشيرًا إلى أن قصف هذه المناطق تجدد صباح الإثنين بنفس الأسلوب.
ماذا عن "الدعم السريع"؟
في بيان صادر عنها اليوم الإثنين، واطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، لم تنف قوات الدعم السريع إطلاقها النار أو تؤكده، بل اكتفت بقولها، إنها "اضطرت" للدفاع عن نفسها.
واتهمت قوات الدعم السريع، الجيش السوداني، بـ"استغلال" وقف إطلاق النار الأخير "لتحقيق امتيازات على الأرض، بتجميع قوات من مناطق مختلفة ومهاجمة قواتنا في الساعات الأولى بعد انتهاء الهدنة، مما جعلنا أمام خيار واحد وهو الدفاع عن أنفسنا في جميع المحاور"، على حد قول البيان.
وزعمت قوات الدعم السريع، التزامها بمنبر جدة؛ معربو عن عدم ممانعتها لمشاركة المدنيين في المباحثات والعمل معاً لصناعة مستقبل السودان، في "موقف راسخ ظللنا ننادي به وندعمه".
خارطة طريق
تطورات تؤكد إصرار الطرفين على الحل العسكري للأزمة، مما دفع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية اللتين توسطتا أكثر من مرة في هدن، إلى إدانة عودة الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" إلى أعمال العنف فور انتهاء وقف إطلاق النار، مؤكدين أن "الحل العسكري للصراع غير مقبول".
وفي بيان مشترك صادر مساء الأحد، قالت الرياض وواشنطن: "يعلن الميسران أن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع أظهرتا قيادة وسيطرة فعالة على قواتهما خلال فترة وقف إطلاق النار الذي جرى بتاريخ 10 يونيو/حزيران 2023، مما أدى إلى تراجع حدة القتال وانحساره في جميع أنحاء السودان ومكّن من إيصال المساعدات الإنسانية الحيوية وتحقيق بعض تدابير بناء الثقة".
وأكد البلدان، أنهما "على استعداد لاستئناف المباحثات، فور إظهار طرفي الصراع تقيدهما بما اتفقا عليه في إعلان جدة".
ومع استمرار حالة العنف المسلح وانسداد أفق التفاوض في منبر جدة، يقول الكاتب والمحلل السياسي، أمير بابكر، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إنه "في ظل مجريات الأحداث على الأرض، اتضح أنه لا حل عسكري للأزمة السودانية طالما أن جوهرها سياسي."
وأضاف بابكر أن "الطرفين ومنذ أول أسبوع من اندلاع المعارك وافقا على الجلوس على طاولة التفاوض، فيما نجحت الجهود الدولية والإقليمية في إقامة منبر جدة كمدخل لحل الأزمة"، مشيرًا إلى أنه مهما طال أمد الأزمة السودانية، ستنتهي بالتفاوض.
وتابع: "يبقى السؤال المهم، هل ستجيب أجندة التفاوض على أسئلة الاستقرار المستدام في السودان أم أنها ستترك نيرانها تحت الرماد لتشتعل مرة أخرى؟"
وأكد ضرورة وضع خارطة طريق واضحة المعالم لمشروع وطني متفق عليه من كل الأطراف السياسية يكون قادرا على استيعاب التعدد والتنوع في بلد كالسودان، يتضمن بناء جيش وطني واحد مهمته الدفاع عن هذا المشروع الوطني، وإنهاء أسباب تعدد الجيوش والمليشيات.
الحل السلمي
بدوره، قال المحلل السياسي، عبد اللطيف أبو بكر، إنه "مع استمرار المعارك تأكد عدم قدرة أي من القوات المتصارعة على الحسم العسكري على الأرض، ما يؤكد على ضرورة اللجوء للحل السلمي لتجنيب البلاد مخاطر الحرب الأهلية."
وأوضح أبو بكر في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "استمرار الحرب يعني تفكك الدولة السودانية، وتوسعها لتشمل دول الإقليم، وعلى المجتمع الدولي ممارسة الضغط لإنجاح التفاوض في منبر جدة لوقف الخراب والدمار في البلاد."
ويتبادل الطرفان السودانيان اتهامات ببدء القتال أولا وارتكاب خروقات خلال سلسلة هدنات لم تفلح في وضع نهاية للاشتباكات المستمرة منذ 15 أبريل/ نيسان الماضي، والتي خلَّفت مئات القتلى وآلاف الجرحى بين المدنيين، إضافة إلى موجة جديدة من النزوح واللجوء في إحدى أفقر دول العالم.
aXA6IDMuMTQ5LjIzLjEyNCA= جزيرة ام اند امز