كيف اختبأ التنظيم السري لإخوان مصر خلف "الحرية والعدالة"؟.. شهادة من الداخل تروي الأسرار
في الذكرى التاسعة لحل الحزب الذراع السياسية للجماعة
لم يعترفوا يوماً بالحزبية لكنهم نسجوا من خيوط تفصيلات سياسية وهْما يسدلونه ستاراً يتخفون وراءه لدرء ملامحهم البشعة.
هكذا هم إخوان مصر، الجماعة التي تلونت تحت جميع العناوين، ظاهرة ومتخفية، لكنها فشلت مع ذلك في جميع الاختبارات لتقف اليوم على أطلال الأمس تنوء تحت ثقل تاريخها.
أوراق لا تزال تتساقط وشهادات من الداخل تستكمل آخر حلقات الحقيقة في مسار التنظيم واعترافات من عقر الدار تستعرض في كل مرة كواليس جديدة.
ففي مثل هذا اليوم، التاسع من أغسطس/آب 2014، قضت المحكمة الإدارية بمصر، بحل حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسية لتنظيم الإخوان الإرهابي.
قرارٌ جاء بعد قرابة عام من الإطاحة بالإخوان في ثورة شعبية اندلعت يوم 30 يونيو/حزيران 2013، وقادت إلى عزل الرئيس السابق محمد مرسي.
ومنذ ثورة الثلاثين من يونيو/حزيران وحتى اليوم، نجحت الدولة المصرية تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في كسر شوكة الإرهابيين، ودحر الجماعات المتطرفة عبر بناء استراتيجية متكاملة لمكافحة الإرهاب.
"الحرية والعدالة".."خيال مآتة"
يقول أحمد المسيري القيادي السابق في جماعة الإخوان، إنه عندما أُسس الحزب "وضعنا لائحة له، لكن الجماعة وضعت أخرى سرية عبر مجلس الشورى، لتتحكم في عمله".
وأوضح المسيري في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن لائحة الحزب كانت تنص على أنه "لكل المصريين دون تمييز"، فيما أصر مجلس الشورى أن يكون 80% من أعضاء الحزب من الجماعة.
وحول ما تبقى من الحرية والعدالة، يرى المسيري أنه لا وجود للحزب حتى قبل حله، فلا أحد يتذكره، مشيرًا إلى أن "الوجود الحقيقي كان للجماعة والتنظيم السري المتطرف الذي يقودها ويسوق أفرادها لممارسة العنف، أو التوقف عنه مرحليًا، أو العودة لمرحلة الكمون والتخفي كما يحدث الآن".
وأضاف أن "قرار حل الحزب وحيثياته ينزع ورقة التوت عن الجماعة الإرهابية؛ فالحكم القضائي أثبت بالدليل أكذوبة خلط الدين بالسياسة، ودحض فكرة أن الإخوان فصيل سياسي معارض، أو أن تجربتهم تصلح للاستنساخ".
وكانت المحكمة الإدارية العليا في مصر، أصدرت في 9 أغسطس/آب 2014، حكما بحل حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان، بعد تقرير لهيئة مفوضي الدولة أوصت فيه بحل الحزب، وإلغاء وبطلان قرار صدوره.
وفي حيثيات حكمها، قالت المحكمة -آنذاك- إنه ثبت لها أن الحزب خرج عن المبادئ والأهداف التي يجب أن يلتزم بها، كتنظيم وطني شعبي ديمقراطي، بأن أتى بالنيل من الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الديمقراطي، وهدد الأمن القومي المصري.
واعتبرت المحكمة أن الجماعة ما هي إلا جزء من التنظيم العالمي للإخوان وأن المرشد العام في مصر هو المرشد العام لهذا التنظيم.
وقبل قرار الحزب، وتحديدا في ديسمبر/كانون الأول 2013 صنّفت الحكومة المصرية جماعة الإخوان "تنظيما إرهابيا"، وصولا إلى حكم صادر عن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة يقضي بحل "جمعية" الإخوان المسلمين وحظر نشاطها ومصادرة ممتلكاتها.
ستار وهمي
وأشار إلى أن ما وقع من أفراد الجماعة بمَن فيهم أعضاء الحزب من ممارسة للعنف، أكد أن الحزب مجرد (خيال مآتة) وأن حله كان ضرورة قانونية حتمية، فلا يعقل أن تصنف الجماعة إرهابية ويظل حزبها مستمرًا قانونًا، كما أنه ليس من الحكمة أن يكون فكر الجماعة المسيطرة على الأفراد يدعو للإرهاب ويستمر الحزب كباب خلفي للعنف والتطرف.
وأشار إلى أن "الإخوان جماعة غير وطنية، وهي جزء من التنظيم العالمي"، مؤكدًا أنه "لا يصح أن توافق أي دولة على تأسيس حزب لا يعمل وفق الجماعة الوطنية، كما لا يجب السماح بتكرار تأسيس أحزاب تعمل كذراع سياسية لجماعات أيديولوجية، لأنه يتحول من مشارك في صناعة الحياة السياسية إلى مخرب لها، لصالح أفكار جماعته المتطرفة".
وعن تجربته، يروي المسيري: "تجربتي داخل الجماعة والحزب، واحتكاكي بالقيادات تؤكد لي أنهم لا يؤمنون بفكرة الحزب ولا بالعمل السياسي، بل بالعنف والاستيلاء على الحكم بالقوة، أو بالدعاية المضللة"، مضيفًا: "إذا وصلوا للحكم بأي وسيلة فلن يتركوه إلا على جثة الوطن والمواطنين".
واستدل المسيري على رؤيته بمقولة للمؤسس حسن البنا، عندما قال لأتباعه: إنهم يخوضون الانتخابات فإن فازوا فخيرًا، وإن لم فلهم أهدافهم في الجماعة، ولن يسمحوا لأحد أن يمنعهم ولو بالقوة.
شهادة حية
القيادي السابق في الإخوان روى شهادته حول الجماعة التي "لا تؤمن بالعمل الحزبي"، من واقع عمله داخل أروقة الحزب الإخواني، قائلاً: "في الاجتماع الأول لأمناء الحزب بمحافظة البحيرة، وبصفتي أمين الشباب كنت مدعوا لمناقشة جملة من القرارات المصيرية التي سيتخذها الحزب، وبعد وصولنا واكتمالنا فوجئنا بعدم السماح لنا بدخول قاعة الاجتماعات، وأن الاجتماع سيقتصر على القيادي أسامة سليمان أمين الحزب بالبحيرة، ورئيس المكتب الإداري بالبحيرة فقط".
وتابع "الجماعة هي التي كانت تدير الحزب، فعندما نظمنا اجتماعًا مع رئيس الحزب سعد الكتاتني، لم يسمح لنا قادة الجماعة بالتواجد معه بصفتنا الحزبية، بل بصفتنا الإخوانية، ولم يسمح لأحد من قيادات الحزب أن يطلب الكلمة أو السؤال أو حتى يرفع يده إلا لمن يسمح لهم رئيس المكتب الإداري محمد سويدان".
وأكد القيادي السابق "أن أي ادعاء بأن ثمة فصلا بين الحزب والجماعة هو حديث مضلل، فلا وجود للحياة الحزبية أو الحرية أو الديمقراطية التي يروج لها الإخوان"، مستطردا "ما شهدنا إلا غطرسة وتسلطا وسيطرة كلية من الجماعة على الحزب وتحديدًا من التنظيم السري المسيطر على الجماعة وعلى رأسه خيرت الشاطر".
رفضٌ شعبي للإخوان لم يسجله الحاضر فقط، بل اختبرت الجماعة الإرهابية المد والجزر في مسيرتها، بمصر، قبل 69 عاما، بإصدار مجلس قيادة الثورة المصرية بقيادة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، قرار بحل جمعية الإخوان.
تجربة خطيرة
في السياق نفسه، قال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية هشام النجار في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن تجربة حزب الحرية والعدالة تؤكد خطورة تكوين أحزاب على أساس ديني أو ذات مرجعية دينية.
وأوضح هشام النجار، أن الواقع أثبت أن مختلف الجماعات التي استغلت السيولة السياسية بعد يناير/كانون الثاني 2011، وكونت أحزابًا أضرّت بالحياة السياسية المصرية، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية.
وأشار إلى أن "خطورة تلك الأحزاب تكمن في أنها ذراع لجماعات عابرة للحدود تخطط للهيمنة المطلقة الأبدية على السلطة، لكن هذه المرة تخفت خلف ستار أحزاب سياسية تزعم كذبا أنها محلية وطنية وديمقراطية".
ولفت الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، إلى أن "قدرة هذه الجماعات على حشد أتباعها جعلت البعض يظن أن الأحزاب سيكون لها رصيد في الشارع المصري، لكن الواقع كان مخالفًا؛ فالممارسة الحزبية للأحزاب الدينية قائمة على الاستقطاب الحاد والتهييج ونشر الغضب والكراهية".
وأضاف: "لقد شاهدنا كيف هدد خطباؤهم الأحزاب الديمقراطية الأخرى باسم الدين وجر المجتمعات لحرب طائفية مع دول الجوار والمحيط الإقليمي".
واعتبر أن "قرار الحل جنّب مصر الكثير من الكوارث؛ أولها الفشل والشلل الإداري والسياسي، وأزاح عنها ستار الإضراب وعدم الاستقرار الأمني، وشيوع وانتشار الأفكار المتطرفة التكفيرية وتوالد المليشيات واختراق القوى الخارجية للدولة وأراضيها عبر هذه المليشيات المؤدلجة التي اعتبرتها تلك الأحزاب سندا وداعما لها".
وما بين الماضي والحاضر، وجدت جماعة الإخوان نفسها أمام طوفان شعبي لفظها فأنقذ مصر من قبضة تنظيم إرهابي.