عقيدة التجسس الإخوانية.. من البنا إلى الشاطر مؤامرة مستمرة
تمتلك جماعة الإخوان تاريخا طويلا في الممارسات اللاأخلاقية، هذه الممارسات ثابتة باعترافاتهم، وتكشف إلى أي مدى انحدرت الجماعة.
تلك الجماعة التي تدّعي زورا أنها جماعة دعوية، فمؤخرا سمع الجميع وشاهدوا نائب مرشد الجماعة خيرت الشاطر وهو يعترف بالتجسس على الفصائل الإسلامية عبر زرع عناصر إخوانية تابعة له وسط تلك الجماعات لتنقل له الأخبار.
ظهر ذلك في المقاطع المصورة التي وردت في مسلسل "الاختيار 3"، فنحن أمام اعتراف واضح لا مجال لتأويله، قبله لم يكن أكثر الرافضين للجماعة يجرؤ على اتهام الإخوان بالتجسس، لكن الحقيقة أبت إلا الظهور.
من تاريخ الجماعة نكتشف أن ما قام به "الشاطر" يتسق تماما مع أفكار وتصرفات مؤسس الجماعة حسن البنا الذي تجسس بالفعل على أتباعه، ثم تجسس على الأحزاب المختلفة، وتجسس على بعض رموز الدولة، وتجسس حتى على حلفائه ومناصريه من أصحاب الفكرة الإسلامية.
تجسس البنا على أتباعه
عندما أسس حسن البنا جماعته في الإسماعيلية عام 1928، وحسب ما جاء في كتابه مذكرات الدعوة والداعية وبعد ثلاث سنوات اشتدت الخلافات بينه وبين الكثير من أهل البلد وصلت إلى الاتهام في ذمته المالية والتشكك في نواياه الحقيقية من أعضاء الجماعة، وقرر الانتقال إلى القاهرة، وظهرت معضلة من يخلفه في قيادة الجماعة والجمعية في الإسماعيلية.
كانت الآراء كلها تسير نحو شيخ أزهري ذي علم ودين شهد له الجميع بحسن أدبه وعلمه، لكن حسن البنا لم يكن يرغب في شيخ يزاحمه المكانة العلمية ولا الثقافة الدينية، أو يتمتع بوجاهة اجتماعية أرقى منه، بل كان يريد رجلاً يسمع له ويطيع ويستضغر نفسه وعلمه ومكانته أمام المرشد، فاختار رجلاً طيبا وخلوقاً لكنه كان ضعيف العلم.
اشتدت معارضة بعض أعضاء الإخوان لحسن البنا، وكان من رأي هؤلاء الأعضاء أنّ الأمر شورى، وأنّهم وحدهم من يختار من يرأسهم، وهم قد اختاروا الأعلم، شعر حسن البنا بالخطر لو أنهم فرضوا عليه الشيخ العالم، فقرر أن يتلصص عليهم ليعلم ماذا يقولون وماذا يدبرون، ولنقرأ ما كتبه حسن البنا بنفسه عن هذه اللحظة في مذكرات "الدعوة والداعية"، يقول: "قد أرِقت ليلة فخرجت لصلاة الفجر بالمسجد العباسي قبل الوقت بنحو ساعة أو أكثر، ومررت في الطريق على بيت أحدهم فإذا هو مضاء ونوافذه مفتحة وهناك أصوات في نقاش استرعت انتباهي، فإذا الشيخ جالس وهم حوله، وهو يرسم لهم طرائق الكيد والخصام".
هذا الذي يحكيه حسن البنا لم يكن نظرة فجائية ولا لمحة عابرة، بل ترقبا وترصدا وتصنتا، فعرف ترتيب أماكن الجلوس ومتابعة الحوار كلمة بكلمة، ودون أن يراه أحد! إلا إذا كان يتخفى ويتجسس عليهم عمداً.
التجسس على الملك
قد تكون تلك الحكاية ملتبسة على البعض، فيبرر التجسس أنه لم يكن مقصوداً في ذاته، لكن إذا ضممنا تلك الواقعة إلى ما أورده محمود عساف رئيس قسم المعلومات الذي أنشأه حسن البنا (أو المخابرات الإخوانية كما يحلو للبعض وصفها) في كتابه "مع الإمام الشهيد حسن البنا" صفحة 18، نرى أنّ البنا كان يتجسس عن عمد وعن خبرة في صناعة الجواسيس ويستخدمهم في أكثر الأماكن حساسية.
يثبت ذلك محمود عساف بقوله " رفع أحد البحارة العاملين على يخت الملك فاروق تقريراً لحسن البنا كتب فيه تقاصيل رحلة الملك، بداية أسماء الموجودين على ظهر اليخت، وأين ذهبوا ومع من تقابلوا، كما تضمن التقرير وصفاً لأجواء المرح التي وصفها عساف بأنها مَساخر".
التجسس على الأحزاب
لم يقف نشاط التجسس عند حسن البنا على أتباعه أو الملك، بل وصل إلى الحزب الشيوعي، يقول عساف في كتابه السابق أيضاً "عندما اشتدت الشيوعية في مصر دَفَعنا هذا إلى زرع أحد الإخوان المتعاطفين (وهو الآن أستاذ جامعي) وكان يتقاضى خمسة جنيهات شهرياً مقابل إمداد الإخوان بأخبار الشيوعيين وذلك عام 1946.
هذه الأخبار منها ما كان يعرض في مجلة الكشكول الإخوانية، ومنها ما كان يعرض على حسن البنا ليأخذ بها علماً، ومنها ما كانوا يخطرون به مدير الأمن العام وكيل الداخلية المرحوم أحمد مرتضى المراغي".
الأمر لا يحتاج إلى تفسير أكثر من هذا عن الجهة التي كانوا يتجسسون لصالحها، ولا يزعم أحد أنّ هذا كان عملاً وطنياً، ولا يدّعي أحد أنّ الإبلاغ عن الشيوعيين كان من أجل معتقداتهم، بل كان دورا وظيفيا مطلوبا منهم.
ومن المتواتر عند الإخوان حكايات الحاج "فرج النجار" الذي زرعه حسن البنا في الحزب الشيوعي، إلى أن وصل إلى منصب مهم في فرع الحزب بالغربية، وأنّه كان ينقل لهم أخبار الحزب، وقراراته ومواقفه السياسية من الحكومة ومواعيد المظاهرات، كما يتحدث الإخوان عن حكايات فرج النجار كأنها أساطير، وكيف أبطل مؤامرتهم في إفشال مؤتمر الإخوان في الغربية، وكيف غرّر بشباب الحزب الشيوعي لينالوا "علقة" ساخنة على أيدي شباب الإخوان.
التجسس على أحمد حسين ومصر الفتاة
لم يتوقف حدود التجسس عند الاخوان على الملك وعلى الأحزاب الأخرى، بل وصلت إلى رفقائهم الإسلاميين في نفس كتاب محمود عساف يذكر ذلك تفصيلياً، يعترف عساف بأن أحمد حسين كان وطنيا فيقول "كان أحمد حسين رئيس جمعية مصر الفتاة رجلاً وطنياً ينفجر حماساً وحبّاً لمصر، ولهذا كان تأثيره بالغاً على أتباعه".
وكان كثيرا ما يفضح علاقة الإخوان بالإنجليز، فكتب مقالا في مجلة مصر الفتاة يقول فيها محرره: حانت خاتمة الدجل والشعوذة، الإخوان يتعاونون مع كل الأحزاب بلا مبدأ ويتحالفون مع الكل حتى الإنجليز الذين يسخرونهم لمحاربة الشيوعية والوطنية، ويفتحون لهم الشُعب في السودان وفلسطين وغيرها".
ثم يبرر عساف تجسسهم على أحمد حسين بأنّها ضرورة؛ فالإخوان يجب أن يتعرفوا على ما يدور في أدمغة قادة مصر الفتاة، فقرروا زرع أحدهم في صفوفه عام 1945 فيقول "فكلفنا أحد الإخوان بالانخراط في الجمعية وهو المرحوم" أسعد السيد أحمد" الذي انضم إليهم وبرز فيهم سريعاً لنشاطه الملحوظ"، وعندما اكتُشف أمره في عام 1948 وعلم أعضاء مصر الفتاة اعتدوا عليه بالضرب.
أسماء مخبري القلم السياسي؟
من الواضح أنّ علاقة حسن البنا بالسلطة ورجال الأمن كانت قوية، لدرجة أنّ عساف يقول إنّ حسن البنا كان يكتشف الجواسيس الذين يرسلهم الملك أو الذين يعملون في القلم السياسي إلى دار الإخوان، فقد كانت له مصادره الخاصة! وهذا اعتراف آخر له ما بعده، فمصادر البنا لم يكن يعرفها رجل المعلومات الأول في الجماعة.
المثير أنّ حسن البنا استخدم سياسة توظيف الجواسيس، في نقل ما يريد إلى القلم السياسي مقابل مال يدفعه الإخوان لهم، وهذه الأخبار كان يكتبها ويقدمها محمود عساف مرتين في الأسبوع للجواسيس المكتشفين تتضمن أخباراً عامة ودون الدخول في التفاصيل التي كان يبحث عنها القلم السياسي وقتها.
لا يمكن اعتبار التجسس الذي قام به حسن البنا سلوكا دعويا تمارسه الجماعة لصالح الإسلام، كما لا يمكن اعتباره فعلا عارضا أو تصرفا فرديا، فتكرار التجسس والإصرار عليه يكشف أنه سلوك متجذر في حسن البنا، ومنه إلى الجماعة وصولا إلى خيرت الشاطر.
aXA6IDE4LjExNi44MS4yNTUg جزيرة ام اند امز