عرضت الشاشات العربية خلال شهر رمضان المبارك مسلسلات درامية.. بعضها جدير بالوقوف أمامه لمزيد من الفهم.
في مقدمة هذه المسلسلات يأتي "الاختيار"، فالحديث فيه يتعدى الدراما إلى الوقوف أمام مرحلة تاريخية هامة شهدتها مصر، بل ومعها العالم العربي بأكمله.
المسلسل المصري، الذي ذكّرنا بالمسلسل الإماراتي "خيانة وطن"، الذي عُرض في عام 2016، أثبت أهميته كعمل وطني رائع، درامي ووثائقي في آنٍ، تصدّر من أولى حلقاته السباق الدرامي الرمضاني وحقق شعبية وشهرة كبيرة تفاعلت معها العديد من المواقع، وحاز أعلى نسب المشاهدة على مستوى الوطن العربي بما قدمه من شهادات واعترافات من قيادات جماعة الإخوان الإرهابية، كشفت عن تخطيطهم لتدمير الدولة الوطنية خلال فترة حكمهم القصيرة لمصر.
المسلسل كعمل سياسي وثائقي لم يتناول شأناً مصرياً فقط، وإنما تصدى لمرحلة تتجاوز أبعادها وتداعياتها الحدود الجغرافية والموضوعية للتفاعلات الداخلية في مصر خلال عامي 2011 و2012، فقضية تسلل تنظيم "الإخوان" الإرهابي إلى مستويات السلطة في مصر وأطماعه المستمرة في السيطرة على الشعوب والدول ليست قضية مصرية فقط، فقد تناولتها الدراما الإماراتية من خلال مجموعة من الممثلين الخليجيين عبر مسلسل "خيانة وطن".
فـ"الجماعة" -كما هو معروف عنها- بتركيبتها وفلسفتها ووفق أدبياتها المكتوبة وخطابها المعلن منذ عقود، ليس هدفها مصر وحدها، بل هي لا تعترف أصلاً بالحدود الوطنية للدول.. وهذا يتسق مع التوجه "الأممي" للجماعة، والأهم أنه مفهوم يتطابق تماماً مع فكرة وجود "التنظيم العالمي"، الذي يمثل العقل المركزي للجماعة ككل.. مع الاحتفاظ بخصوصية وتميز لفرع مصر من بين فروع الجماعة الخاصة بكل دولة.
"الاختيار" إذًا لا يتعلق بحالة مصرية أو بشأن مصري داخلي، بل يتناول قضية عابرة للحدود وتتصل مباشرة بصميم أمن واستقرار دول المنطقة، وهو استكمال للمسلسل الخليجي-الإماراتي "خيانة وطن"، بل ويعطي شمولية القضية على مستوى دول العالم.
لكن هناك نقطة مهمة كشفتها تفاصيل مسلسل "الاختيار"، وهي مسألة الجمع بين الوجهين الدرامي والتوثيقي.. حيث تمثل التسريبات المسجلة لقيادات الجماعة وثائق دامغة لا تحتاج إلى تحليل لكشفهم على المستويين الشعبي والرسمي، ليس في مصر وحدها وإنما في الدول العربية الأخرى أيضاً.
فلغة الوثائق والشهادات الذاتية هي أقوى الأدلة ضد أصحابها، فهي ببساطة "اعترافات" أبلغ من أي شيء درامي قد يقال عنه إنه "مفبرك" أو "مبالغ فيه".
من الرسائل التي لم يعلنها "الاختيار" صراحة، لكنه وضعها سهلة لمن يريد الفهم، أن أجهزة ومؤسسات الدولة المصرية منظومة متكاملة، لكل منها مجال ومهام خاصة به.. لكنها جميعاً تعمل بتنسيق وتناغم في إطار واحد وتحت عنوان واحد هو الدولة المصرية.
والمقصود هنا بـ"الدولة المصرية" هو المؤسسات وليس الأشخاص، خصوصاً حين يكون هؤلاء الأشخاص لا يعبرون عن تلك الدولة ولا يجسدون قيمها ومصالحها، بل ولا يعترفون بها أصلاً، فمنطقياً كيف يمكن افتراض أن شخصاً أو حفنة أشخاص منغلقين على أنفسهم وجماعتهم سيعملون من أجل وطن ودولة وحدود وشعب، وهم غير مؤمنين بكل ذلك من الأساس؟!
وبالعودة مرة ثانية إلى ما كشفه المسلسلان المصري والإماراتي.. نجد أن مؤسسات الدولة في البلدين تقول علناً وبصراحة إنها لن تسمح بأي تلاعب أو محاولة للسيطرة على قرار الدولة من جانب أي جماعة أو طرف لا يعرف شيئاً عن الوطن ولا الوطنية ولا يعترف بقيمة الوطن.
وفي ذلك رسالة تحذير واضحة ومباشرة لا تحتمل أي تأويل أو مغالطة، لكل من تسوّل له نفسه التفكير في خوض هذه مثل هذه المقامرة بمصير الشعوب مرة أخرى.. سواء كان ذلك الطرف هو الجماعة أو غيرها من التنظيمات المشابهة.
أخيراً، فإن أهم ما فعله "الاختيار" و"خيانة وطن" أنهما أكدا لكل من شاهدوهما ضرورة الاختيار بين الحق والباطل، وبين الوطن ومن يصونه وبين خائنيه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة