عندما تتوالى المآسي، لا يعود تذكّر النكات المفزعة أمرا سهلا في لبنان.
أزمة الكهرباء ما تزال قائمة. ولكن، دون سفينتي "المهزلة"، التي رافقت نقل كمية محدودة من الديزل إلى لبنان، فإن الضجيج توقف، والسفن التالية لم تأت.
الذين آثروا عدم التعرض للسفينتين في أغسطس الماضي كانوا يعرفون نهاية "المهزلة" التي قادها "حزب الحرس الثوري الإيراني في لبنان". فتركوها تصل.
حسن نصر الله أطلق تهديدات بأن من يتعرض لسفينتي البنزين والمازوت الإيرانيتين سوف يتلقى ردا حاسما، معتبرا أنهما "أرض لبنانية".
كان يتمنى في قرارة نفسه أن يجري وقفهما أو إجبارهما على العودة أو تعطيلهما، لكي يعمل منها قصة، ويتخذها ذريعة للنحيب والمزيد من التهديدات.
إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل. السفينتان أُفرغت شحناتهما وتبددت، وانقطع من بعدهما المدد. النكتة توقفت عن إثارة الضحك. والكهرباء بقيت تنقطع.
وانتصارات الأهازيج ظلت ترقص، إنما على جثة لبنان.
بطريقة أو أخرى، أظهرت الولايات المتحدة، التي تراقب تطبيق العقوبات ضد إيران، قبولا ضمنيا بأن ترسل إيران سفن بنزين أو مازوت جديدة، إلا أنها لم تفعل.
لأنه لم تعد هناك فوائد مسرحية من الاستمرار في تقديم التبرعات.
إيران، التي تفاخر بأنها تحكم لبنان عن طريق "حزب حسن نصر الله"، كان يمكن أن تواصل الإمدادات لتأكيد نفوذها، أو لإسعاف حزبها فتوفر له بضاعة ضجيج متواصلة. لكنها لم تفعل. لأنها هي نفسها بحاجة إلى بنزين ومازوت مهرب.
اليوم يقف اللبنانيون أمام وجه آخر للمأساة، وهو أن الأمن العام اللبناني توقف عن إصدار جوازات السفر لأنه لم يعد لديه المال الكافي لتسديد فواتيرها للشركة التي تقوم بطباعة الجوازات.
حسن نصر الله، ربما يقترح تزويد اللبنانيين بجوازات سفر إيرانية، مكتوب عليها: "حكومة الولي الفقيه في لبنان ترجو تقديم الخدمات لحامل هذه الوثيقة".
الأزمة، التي أدت إلى أن يصبح العيش في لبنان "إقامة إجبارية" لمواطنيه، وأفقرت 90% من اللبنانيين، وجعلت الحياة جحيما متواصلا من العوز لكل شيء، تنتظر من اللبنانيين الذهاب إلى صناديق الاقتراع لكي ينتخبوا نوَّابهم.
ولئن كانت تجارة المخدرات وأعمال التهريب قد وفرت لـ"حزب الحرس الثوري الإيراني" مصدر دخل يساعد في شراء الضمائر، ممن يفضلون حمل الجواز الإيراني على هويتهم اللبنانية، فإنه ما يزال يتعين عليه -أي الحزب- أن يقدم لهم سجلا لإنجازات حكومته. سواء ما ظهر منها على هيئة "العهد القوي"، أو ما بطن على هيئة السلطة الموازية التي تحمل السلاح وتتاجر في المخدرات وتبيع الشعارات وتحقق انتصارات دائمة.
أحد أهم ما يمكن ذكره هو تلك السفينتين، باعتبارهما نموذجا لانتصار إرادة التهريب على سلطة القانون.
إيران نفسها سوف تضع هذا الانتصار في سجلاتها على أنه انتصار ضد العقوبات المفروضة عليها.
ولكن سوف يظل يتعين على اللبنانيين أن يتذكروا باقي مآسيهم. سوف يتعين عليهم أيضا أن يلاحظوا أن تجارة المخدرات لا تقتصر على شحنات يتم تهريبها إلى الخارج، أو شحنات تأتي من الخارج على سفن تهريب إيرانية، ولكنها تشمل مخدرات من نوع آخر، هو التمنيات بالحصول على مليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي.
وعلى اعتبار أن المليارات الثلاثة الموعودة سوف تحل مشكلة لبنان، التي لم تحلها في السابق عشرات المليارات، التي تم تبديدها بأعمال الفساد، فإن الأمل في المليارات الثلاثة يتم تقديمه الآن على أنه أبو الحلول كلها. وهي جرعة تخدير لا يعرف المرء أي ثقب يمكنها أن تسد من ثقوب الموازنة المفلسة: أعلى الكهرباء التي ظلت تنقطع؟ أم رغيف الخبز الذي لا تجده مطاحنه احتياطات كافية؟ أم الودائع التي لا يعرف اللبنانيون كم سيبقى منها؟ أم جوازات السفر التي لن يمكن الحصول عليها حتى لأجل الهرب من البلد؟
أنواع أخرى من المخدرات تتفشى بالقول إن هناك إصلاحات سوف تتم، وأن الانتعاش الاقتصادي قادم، وأن عهدا "قويا" لحلفاء إيران سوف يكسب الأغلبية في الانتخابات ويظل باقيا في السلطة.
يعرف اللبنانيون، بمحض الخبرة والتجربة، أن "حزب الحرس الثوري الإيراني" وحلفاءه يمكن أن يحققوا نصرا انتخابيا، هو امتداد لانتصارهم على لبنان. لأنه يملك قاعدة عريضة للخداع، ولأن دولته الموازية وفرت مادة من عائدات الفساد والتهريب السابقة تكفي لشراء الضمائر في مسرحها الطائفي على الأقل.
مآسي الأزمة، ما بعد الانتخابات النيابية سوف تكون أشد. فلا مليارات صندوق النقد ستأتي، ولا الإصلاحات سوف تتحقق. والإفلاس الذي قاد لبنان إلى أنها لم تعد قادرة على إصدار جوازات سفر لمواطنيها، سوف تترك لهم خيارا واحدا من اثنين: إما السفر بجوازات إيرانية، وإما ركوب قوارب تهريب في بحر يلتهم الجثث.
"حزب حسن نصر الله" ما يزال لديه الكثير مما يقدمه للبنان. القصة لم تنتهِ على سفينتَي بنزين ومازوت حَملتا إلى لبنان نكتة مفزعة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة