الإخوان تعترف بـ"إصابات بالغة" وتستلهم خطاب داعش
على طريقة أدبيات داعش والقاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية في ربط أحداث اليوم بالأحداث التاريخية، للزعم أن الجماعة تسير على خطى المسلمين الأوائل في طريق الابتلاء والصبر عند المحن، وفي ادعاءات جديدة بأنهم يخوضون ساحة نضال ديني للدفاع عن الإسلام والأمة.
ناور تنظيم الإخوان (جبهة إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد العام) في بيان مطول لصفوف التنظيم بمناسبة الذكرى الـ94 لتأسيس الجماعة، في محاولة للملمة شتاتها بعد أن انشطرت لجماعتين، وترتيب أوراقها أيضا، وتلافي تأثير الضربات التي تتعرض لها على نفسية ومعنويات أعضائها.
وفي ذكرى تأسيس تنظيم الإخوان قبل 94 عاما، اعترف إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد العام، والمقيم في لندن، بما يتعرض له التنظيم من أزمات، ووجه حديثه لصف الجماعة، قائلا: "في هذه المناسبة أريد مصارحتكم كما علمنا الإمام البنا.. نعم أصابتنا في السنوات الأخيرة إصاباتٌ بالغة، لن تكسرنا، ما دمنا بدعوتنا مستمسكين؛ ولا تشغلوا أنفسكم بانتصار الإسلام فهو منصور بكم أو بغيركم ولكن اهتموا بثباتكم أنتم عليه".
كما دعا منير إلى "اقتفاء هدي النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في الأوقات العصيبة كما في غزوة حنين، لتأكيد اعتزازنا بالانتماء لدعوة الإخوان خاصة في هذه الأيام".
وزاد في رسالته التي جاءت بعنوان: (اعتزاز بالمنهج وتجديد للعهد)،: "إن كثيرين من الذين طال بهم أمد البلاء، وتسلط عليهم الأعداء، يتحولون شيئا فشيئا لفقد ثقتهم بأنفسهم والكفر بطريقهم؛ بسبب الإخفاقات، أو تعاظم التضحيات، أو صدمات في بعض القيادات".
كما خاطب منتقدي الجماعة من داخلها، في محاولة لتحييدهم، أو جذبهم لصف جبهته، قائلا: "أرجو أن يتقبل مني الناقدون المكثرون في نقدهم من أبناء الدعوة هذا العتاب: كيف يحمل الجيل الجديد النقي دعوة لا يفتخرون بها ولم تنجح في شيء كما يُصوَّر لهم؛ بسبب كثرة ما يوجه إليها من نقد بحق وبغير حق؟".
ويتابع: "لا تطلقوا الرصاص على أقدامكم ولا السهام على دعوتكم.. فيجب أن ننأى عن جلد الذات وأن نتبرأ كذلك من تورم الذات، فكلاهما مذموم".
وتزامنا مع الانشطار غير المسبوق الذي يضرب التنظيم الإرهابي، وانقسامه بين جبهتين، خرج "كيان ثالث" من التنظيم يهاجم محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة (إسطنبول)، وإبراهيم منير، ويدعو شباب الجماعة إلى طريق ثالث، بعيدا عمن وصفهم بـ"الفاسدين والخائنين".
ويضرب رأس تنظيم الإخوان منذ أشهر عديدة انشطارا حادا بين جبهة إبراهيم منير وجبهة محمود حسين، كلتا الجبهتين المتناحرتين على المال والسلطة والنفوذ.
مناورة لاستعادة الثقة
وقال مراقبون إن طريقة صياغة بيان إبراهيم منير تظهر حرصه على إظهار جماعة الإخوان كونها جماعة تدافع عن الإسلام في وجه خصومه وأعدائه بخلاف ما هو واقع فعليا، بأنها مجرد جماعة إرهابية وظيفية تخوض صراعات وحروبا بالوكالة عن قوى خارجية طامعة ولا تمت للإسلام ومبادئه السمحة بصلة".
كما أن البيان وأسلوب صياغته -وفقا للمراقبين- الذي يستخدم المناورة اللغوية والبيانية والإسقاطات الدينية والتاريخية يظهر حاجة قيادة الإخوان لاستعادة ثقة الأعضاء بتنظيمهم وقيادتهم وحثهم على العودة بقوة للعمل التنظيمي وفق إرشادات لكيفية التعامل مع واقع الهزيمة والأزمة ومع منتقدي الجماعة".
وفي تعليقه على رسالة القائم بأعمال مرشد التنظيم المطولة، أكد هشام النجار المحلل السياسي والخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن منير وقادة التنظيم الدولي حريصون على محاولة إعادة ترتيب أوراق الجماعة، ولملمة شتاتها، وبث الثقة بنفوس المحيطين واليائسين داخلها نتيجة الفشل والانقسامات والصراعات والسجون والهروب".
كما أشار إلى أن البيان يحاول التخفيف من وقع الأزمة التي تعيشها الجماعة، وتلافي تأثيراتها الكبيرة على نفسية ومعنويات أعضائها وعلى قناعاتهم ومدى ارتباطهم بالجماعة فكرة وتنظيما".
استلهام خطاب المتطرفين
وفي قراءته لفحوى البيان وتوقيته، قال النجار في حديث خاص لـ"العين الإخبارية": إن منير ينتهج طريقة داعش، وأدبيات تنظيم القاعدة والجماعة الإسلامية لربط أحداث اليوم بالأحداث التاريخية، لتبدو كما لو أن أزمة ومحنة التنظيم اليوم حلقة من حلقات الابتلاءات والمحن التي تعرض لها المسلمون قديما في مواجهة مؤامرات الكفار".
وأبرز النجار: البيان يحمل مناورات وخدعا معتادة من قادة الجماعات المتطرفة والإرهابية، حيث يلجأون لتلك الأساليب الماكرة الخبيثة لمواصلة خداع إتباعهم، بعد توريطهم في صراعات ومواجهات مع دولهم وحكوماتهم".
وبتابع: "يعمد القادة بعد ذلك للتنصل من المسؤولية، ولمعاودة الكرة من أجل حماية مراكزهم القيادية للادعاء بأنهم يخوضون ساحة نضال ديني للدفاع عن الإسلام والأمة الإسلامية، وأنهم في مرحلة ابتلاء وأن النصر آت لا محالة".
كما أشار إلى أن "العبارات التي استخدمها القائم بأعمال المرشد تحمل إسقاطات على أزمة الجماعة الحالية، من خلال استعادة أدبيات حسن البنا، وبعض عباراته بهدف التأثير في الشباب، وجعلهم ينسون واقعهم الحالي وما سببه قادته لأفرادها وعائلاتهم.
ورأى "الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أن منير يخاطب أعضاء الجماعة بخطاب ديني، بعيدا عن تفاصيل السياسة، وأسباب الفشل والأزمة الحقيقية، وبعيدا أيضا عن التعرض لأخطاء القيادات".
"يطالب القائم بأعمال المرشد الأعضاء بتجاوز هذه الصدمات وعدم جلد الذات، وتجاوز مرحلة الانكسار والهزائم بزعم أن الجماعة تسير على خطى الأقدمين في طريق الابتلاء والصبر عند المحن"، وفقا للنجار، الذي ذهب إلى أن البيان يمكن اعتباره "برنامج عمل يتضمن العديد من الأهداف الخاصة بالمرحلة الحالية الحرجة التي يمر بها التنظيم".
واشتعل الصراع بين "جبهة لندن" بقيادة إبراهيم منير، وجبهة إسطنبول في المقابل التي يتزعمها محمود حسين، عقب إعلان الأخير مؤخرا تشكيل "لجنة للقيام بأعمال المرشد" واختيار القيادي مصطفى طلبة ممثلا عنها بمنصب مرشد الجماعة لمدة 6 أشهر.
وفي رده، أصدر تنظيم الإخوان (جبهة منير) بيانا تحت عنوان "ليسوا منا ولسنا منهم"، أعلن خلاله فصل مصطفى طلبة، إضافة إلى فصل قيادات جبهة الأمين العام السابق، وبينهم مدحت الحداد، ومحمد عبدالوهاب، وهمام علي يوسف، ورجب البنا، وممدوح مبروك.
وقال بيان لجبهة منير، نشره موقع "إخوان سايت" التابع للجبهة مؤخرا: "ليس منا ولسنا منه، كل من خرج عن الصف، وكل من ساهم في شق الجماعة، وترديد الافتراءات الكاذبة".
وبتشكيل جبهة إسطنبول لـ"لجنة للقيام بأعمال المرشد" تكون الجماعة كتبت الفصل الأخير من نهايتها، حيث يتم تدشين تنظيمين رسميين داخلها لأول مرة، ولكل منهما متحدث رسمي، ومكتب شورى الأول في لندن والآخر في إسطنبول.