تاريخ من العنف والدماء.. "حادث المنشية" شاهد على سجل الإخوان الإجرامي
تاريخ من العنف سطره "الإخوان" على مدار سنوات جثم فيها على أفئدة المصريين، حتى إن القاهرة تخلصت من براثن الاحتلال ولم تنفك من أسره.
فالبلد الأفريقي الذي خرج مواطنوه بالملايين في يونيو/حزيران 2013 إلى الشوارع لاقتلاع جذور "الإخوان" من جذوره، كان هدفهم الأوحد كتابة شهادة وفاة التنظيم الإرهابي، بعد سنوات شهدت محطات من العنف والتغلغل في مفاصل الدولة، حصد "مكاسبها" في العام 2012، باعتلاء أحد عناصره السلطة.
- "هنا لندنستان" مقر إعلام الإخوان.. خريطة إدمان الفشل
- السيسي عن الإخوان: لم يعترفوا بالفشل واستعدوا الدولة ويطلبون المصالحة
إلا أن عامًا واحدًا كان كفيلا بإزاحة هذا التنظيم "الإرهابي" من على سدة حكم البلد الأفريقي، ليستعيد المصريون ذكريات أعوام من العنف، خطط لها "الإخوان" بدقة وبمكر معًا في آن واحد.
إحدى تلك الحوادث "الإرهابية"، ما ارتكبه تنظيم الإخوان الإرهابي في مثل هذا اليوم 26 أكتوبر/تشرين الأول، لكن قبل 68 عامًا من الآن، بتخطيطهم لاغتيال الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر في المنشية، فيما بات يعرف بـ"حادث المنشية".
فماذا نعرف عن حادث المنشية؟
تحت عناوين: "محاولة أثيمة لاغتيال الرئيس عبد الناصر"، و"عامل من الإخوان يطلق عليه 8 رصاصات في ميدان المنشية"، و"الرئيس ينجو من الاعتداء ويقول إنه يهب دمه وروحه في سبيل عزة الوطن وحريته"، كانت عناوين الصحف المصرية التي خرجت في أعقاب الحادث.
وكانت عناصر إخوانية أطلقت 8 رصاصات على الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بميدان المنشية في الإسكندرية، أثناء إلقاء خطاب إعلان توقيع معاهدة الجلاء البريطاني عن مصر.
ويمثل الحادث أشهر الوقائع في السجل الإجرامي لجماعة الإخوان الإرهابية، والذي جاء بعد تصعيد متبادل بين الرئيس الراحل عبد الناصر ومرشد جماعة الإخوان وقتها حسن الهضيبي تارة بسبب قانون الإصلاح الزراعي، وتارة أخرى بسبب هيئة التحرير التي دشنها عبد الناصر.
لكن مع قرار قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان تفاقمت الأزمات بين الطرفين؛ فلجأت الأخيرة إلى التخطيط لاغتيال جمال عبدالناصر الذي سحب البساط من تحت أقدامهم.
وفي نهار الـ26 من أكتوبر/تشرين الأول عام 1954، نفذت الجماعة خطتها لاغتيال الزعيم جمال عبد الناصر، أثناء إلقاء خطاب في ميدان المنشية بالإسكندرية، بمناسبة اتفاقية الجلاء، والتي اشتهرت عقب ذلك بـ"حادث المنشية".
وعن الحادث، قال المؤرخ المصري ووزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازي: "كانت الأمور بين مجلس قيادة الثورة والإخوان تسير من سيئ لأسوأ، إلى أن كانت القطيعة النهائية مع حادث المنشية يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1954".
وأضاف المؤرخ المصري: "كان عبد الناصر يخطب في ميدان المنشية في احتفال شعبي بتوقيع اتفاقية الجلاء، وأثناء إلقائه خطابه أطلق عليه شاب 8 رصاصات (..) تصور الحضور أن عبد الناصر أصيب، وحاول الحرس الخاص إخراجه من موقع الحدث".
صمود رغم الحادث
لكنه رفض وواصل إلقاء خطابه، قائلا: "أيها الرجال فليبق كلٌ في مكانه، حياتي فداء لمصر، دمي فداء لمصر، أيها الرجال، أيها الأحرار، أتكلم إليكم بعون الله بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا عليّ".
وتابع: إن حياة جمال عبد الناصر ملك لكم، عشت لكم وسأعيش حتى أموت عاملا من أجلكم ومكافحا فى سبيلكم، سيروا على بركة الله، والله معكم ولن يخذلكم، فلن تكون حياة مصر معلقة بحياة جمال عبد الناصر، إنها معلقة بكم أنتم وبشجاعتكم وكفاحكم، إن مصر اليوم قد حصلت على عزتها وعلى كرامتها وحريتها، سيروا على بركة الله نحو المجد نحو العزة نحو الكرامة".
"وما إن انتهى من خطابه، حتى ألقي القبض على الشاب الذي أطلق الرصاص وكان اسمه محمود عبد اللطيف، الذي كان يعمل فني سيارات في إمبابة وينتمي للإخوان المسلمين" حسب الرواية الرسمية، التي وافقت رواية المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه (ثورة 23 يوليو/تموز 1952)، مشيرًا إلى أن محاولة اغتيال عبد الناصر رفعت من رصيده شعبيا وساعدت فى التفاف الجماهير حوله.
وقال أبوغازي في سلسلة مقالات عبر مدونته الشخصية على الإنترنت، وبعضها نشرته صحف محلية: التحقيقات قالت إن محمود عبد اللطيف كان عضوا فى جماعة الإخوان، وإن المحرض عليه المحامي هنداوي دوير عضو الجماعة"، مشيرًا إلى أن "محاولة اغتيال عبدالناصر كانت جزءا من مؤامرة كبرى لاغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة، وحوالي 160 من ضباط الجيش".
وأضاف: "تضمنت الاتهامات التي تم توجيهها للجماعة، تخطيطها للاستيلاء على الحكم، وتخزينهم كميات كبيرة من الأسلحة والمفرقعات ليستخدمها الجهاز السري".
وأشارت التحقيقات إلى أن "هناك عدة خطط أخرى لاغتيال جمال عبدالناصر، بينها نسفه بحزام ناسف، أو نسف الطائرة التى تقله في إحدى رحلاته"، فيما وجه الاتهام لاثنين من الضباط هربا خارج البلاد هما البكباشى أبو المكارم عبدالحي، والبكباشى عبد المنعم عبد الرؤوف (كان من الضباط الأحرار).
محكمة الشعب
وفيما أكدت التحقيقات أن مرشد الجماعة المستشار حسن الهضيبي كان على علم بالخطة ومباركا لها، أصدر مجلس قيادة الثورة أمرا بتأليف محكمة خصيصا باسم (محكمة الشعب) برئاسة قائد الجناح جمال سالم وعضوية القائم مقام أنور السادات، والبكباشى حسين الشافعي، لمحاكمة كل من يتهم بأفعال تُعد خيانة للوطن، أو ضد سلامته في الداخل أو الخارج، وكل ما يعتبر موجها ضد نظام الحكم والأسس التي قامت عليها الثورة.
محكمة الشعب شكلت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، بعد تأليفها ثلاث دوائر فرعية أحيلت لها عدة قضايا، بينها قضايا جماعة الإخوان المسلمين التى بلغ عدد المتهمين فيها عدة مئات.
وعقدت المحاكمات في مبنى الكلية الحربية بشارع الخليفة المأمون، فيما صدرت الأحكام التى تضمنت الحكم بالإعدام على سبعة من أعضاء الجماعة بمن فيهم المرشد العام المستشار حسن الهضيبي، لكن الحكم عليه خفف إلى الأشغال الشاقة المؤبدة ثم أفرج عنه لأسباب صحية، بينما نفذ الحكم في ستة آخرين أبرزهم عبد القادر عودة.
مسلسل طويل
ووفقا للإحصائية التي أوردها عبد الرحمن الرافعي في كتابه عن ثورة يوليو، فإن عدد من حكمت عليهم محاكم الشعب كان 867، وعدد الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية 254.
وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، جاءت عناوين الصفحة الأولى من صحيفة "الأهرام": "عامل يعثر على المسدس الذي أطلق منه النار على الرئيس" و"محاكمة خاصة برئاسة جمال سالم وأنور السادات والشافعي تنظر في الأفعال التي تعتبرها خيانة للوطن أو ضد سلامته في الداخل والخارج وكل ما يعتبر موجها ضد نظالم الحكم" و"المحاكمة علنية وأحكام المحكمة نهائية لاتقبل الطعن" و"التنظيم السري يأتمر بأمر المرشد ولايمكن لأي عضو أن يقوم بعمل بدون تكليف منه".
ويمثل حادث المنشية حلقة من مسلسل طويل ضم العشرات من عمليات العنف والإرهاب والاغتيال، تورطت فيها الجماعة الأم، زادت وتيرتها بعد الإطاحة بها من الحكم في 2013، كان أبرزها اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات في 29 يونيو/حزيران 2015، وغيرها من استهداف مسؤولين وضباط، فيما تخوض مصر معركة ضارية ضد الإرهاب الذي تصاعدت وتيرته عقب الإطاحة بحكم الإخوان، في محاولة بائسة لضرب الاستقرار والأمن.
aXA6IDE4LjExNi40MC4xNTEg
جزيرة ام اند امز