"العدالة والتنمية" بالمغرب.. زلزال يغلق قوس "الإسلام السياسي"
زلزال سياسي حاد يضرب حزب العدالة والتنمية المغربي، ويبدو أن رجته الارتدادية ستدك مشروع الإسلام السياسي بالمنطقة.
هزيمة تكبدها الحزب في الانتخابات الأخيرة، بعد 10 سنوات قضاها في رئاسة الحكومة، لتكتمل سلسلة الهزائم التي لحقت بنظرائه من فروع التنظيم الدولي للإخوان بالمنطقة العربية.
ومني الحزب بخسارة ساحقة كشفت عن حجم شعبيته الحقيقي، حيث خسر ما يقرب من 90% من مقاعده في مجلس النواب المغربي، ليحصد 13 مقعداً فقط.
ويرى مراقبون أن هزيمة الحزب الإسلامي لها أسباب داخلية، تتشابه مع تلك التي لفظت من أجلها المجتمعات العربية فروع التنظيم الدولي بعدد من البلدان العربية، لا سيما في تجربة الحكم لأول مرة، معتبرين أن الخسارة الأخيرة بمثابة ضربة قاسمة لمشروع الإسلام السياسي، لا سيما في دول شمال أفريقيا.
وحل حزب التجمع الوطني للأحرار بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المقامة مؤخرا بالمغرب بـحصوله على 102 مقعد، بينما جاء حزب العدالة والتنمية المغربي في ذيل الترتيب.
خسارة الفرصة الكاملة
سامح إسماعيل، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، يرى أن خسارة العدالة والتنمية لم تكن مفاجئة لأي متابع للمشهد السياسي في المغرب منذ فترة، إذ أن حظوظ الحزب كانت تتضاءل بمرور الوقت.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، أعاد إسماعيل للأذهان كيف حصل الحزب على "فرصته كاملة بعدما وصل للحكم في أعقاب تظاهرات فبراير/شباط 2011، واستغل التعديلات الدستورية للوصول للحكم في المرة الأولى، ثم الثانية".
وأوضح أن "العشرية التي حكم فيها الحزب في المغرب كانت فرصة كاملة قدم من خلالها الحزب وعودا انتخابية ومشروعا نهضويا ادعى أنه بصدد نقل البلاد من حالة إلى أخرى".
ومعددا محطات فشل الحزب، قال إسماعيل: "ارتفعت حدة الخطاب الأيديولوجي للحزب في كل مرة يقع فيها تحت ضغط سياسي، الحزب مارس عدة أدوار مختلفة مع القوى السياسية الموجودة بدءا من الصراع مع حزب الأصالة والمعاصرة وصولا لما يمكن أن نطلق عليه نوعا من التحالف أو الارتباط الضمني
وخلص الخبير السياسي إلى "أن حزب العدالة والتنمية أضاع فرصة تاريخية أثبتت عدم قدرة الأذرع الإخوانية في المنطقة على الحكم وعدم قدرتها على مواجهة التحديات".
وبحسب الخبير، توجد 4 زلات مدوية وراء خسارة الحزب في الانتخابات الأخيرة وتراجع شعبيته؛ الأولى السقوط في فخ التناقضات العنيفة، ما بين الخطاب الشعبوي المغلف برداء الدين وما بين ممارساته وهو في السلطة، حيث لم يستطع أن يقدم تبريرات مقنعة لممارسات قام بها على عكس الأيدولوجية التي رفعها.
الثانية، وفق الخبير السياسي، هي الهوة الأخلاقية التي طالت عددا كبيرا من قيادات الحزب وقواعده من خلال اتهامهم في قضايا فساد.
أما الهوة الثالثة فهي حالة الانشقاقات التي ضربت الحزب، وتسببت في تصدعات وصراعات داخلية بين جبهتي سعد الدين العثماني وعبدالإله بن كيران، فيما كانت الهوة الرابعة والأخيرة الأعمق حيث لم يقدم العدالة والتنمية أي إصلاحات حقيقية أو مضامين سياسية للإشكاليات التي ضربت المملكة سواء قبل تداعيات جائحة كورونا أو بعدها.
تراجع قياسي
أما إدريس لكريني، المحلل السياسي المغربي والخبير في العلاقات الدولية، فيعتبر أن "المفاجأة لم تكن في عدم فوز حزب العدالة والتنمية، وهو أمر كان منتظرا ومتوقعا بأنه لن يحصل على المقاعد التي تمكنه من قيادة الحكومة"، مشيرا إلى أن المفاجئة كانت حجم التراجع القياسي للحزب".
وحصل حزب العدالة والتنمية على 13 مقعداً فقط في الانتخابات الأخيرة، مقابل 125 مقعداً في انتخابات 2016، كما خسر بلديات مدن كبرى. ووصل تراجعه لدرجة أن رئيس الحكومة نفسه، وهو الأمين العام المستقيل للحزب سعد الدين العثماني، فشل في نيل مقعد برلماني.
ومفسرا الأسباب الداخلية للتراجع، قال لكريني، لـ"العين الإخبارية"، إن الحزب رفع خلال الولايتين السابقتين مجموعة من الشعارات وطرح مجموعة من البرامج الوردية التي تتحدث عن مكافحة الفساد ودعم الطبقات الفقيرة وإصلاح التعليم وجلب الاستثمارات، لكن في المقابل حصيلته كانت دون المستوى حتى أنه كانت هناك قرارات غير شعبية للحزب أثارت انزعاجا بالمجتمع المغربي.
ولفت إلى أن "عوامل أخرى مرتبطة بوجود مشاكل داخلية واجهها الحزب خصوصا تلك المتعلقة بانسحاب عدد من أعضائه ممن فضلوا التقدم للانتخابات تحت إشراف أحزاب أخرى".
عامل ثالث، بحسب لكريني، وهو عدم قدرة الحزب على إرساء تحالفات قوية أو التعامل مع المقتضيات الدستورية بصورة بناءة، "بل مع الأسف سقط في تفريغ الكثير من هذه المبادئ من مدلولها وقوتها، إضافة إلى وجود عامل رابع وهو عدم القدرة على التموقع بشكل موضوعي داخل الحكومة".
وعلى مدار ولايتين قاد خلالها الحزب الحكومة، لم تخل خطاباته من مسحة معارضة، وهو ما يعلق عليه المحلل السياسي المغربي بقوله إن "هذا الأمر أثار نوعا من الارتباك والتساؤل لدى الرأي العام: هل هذا الحزب يقود العمل الحكومي ولكن كيف وهو في المقابل يرفع شعارات وخطابات معارضة لمن يعتبرهم يعرقلون أداءه؟".
أيضا هناك اعتبارات إقليمية لا يمكن تجاهلها أشار إليها لكريني بالقول إنها "اعتبارات مرتبطة بتوالي الانتكاسات التي تعيشها التيارات الإسلامية سواء في مصر أو تونس أو الجزائر أو ليبيا والتي تبين معها أن هذه الأحزاب والتيارات تعيش على إيقاع مجموعة من المشاكل".
وكعادة الإسلاميين مع حالة الإنكار التي تنتابهم مع أي رفض شعبي لهم، يوضح لكريني كيف ظل العدالة والتنمية المغربي يسوق لثقة مبالغ فيها بالنفس وكأنه ما زال الرقم الحزبي الأول، مشيرا إلى أن الكثير من القيادات الإسلامية لم تستوعب بعد أن الحياة السياسية دائما فيها مد وجزر وتداول على السلطة.
ارتدادات
ويرى الأكاديمي والخبير السياسي المغربي محمد بودن أن "تقديم الأمانة العامة للحزب استقالتها يعد إقرارا بالفشل سيودي بالحزب إلى نفق أزمة".
ويتوقع بودن، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن تتواصل الارتدادات وتراجع شعبية العدالة والتنمية في المستقبل، بحيث سيكون من الصعب على الحزب أن يحصل على حضور كبير في الولاية التشريعية الحادية عشر في تاريخ المغرب لأنه لن يستطيع تشكيل فريق برلماني.
أما عن الأسباب، فلم يختلف رأي الخبير السياسي المغربي بودن عن لكيرني، قائلا إنها ترجع إلى أن "الحزب ظل دائما يكرس نفسه كحزب قوي في المشهد السياسي"، لافتا إلى أن صناديق الانتخابات لم تكن محملة بأصوات الناخبين فحسب ولكن بالرسائل السياسية العقابية لحصيلة العدالة والتنمية ولقيادات الحزب خلال الولايتين الماضيتين.
وأضاف أن "هذه الحصيلة لا ترتكز على أي انجاز كبير كان يمكن أن يقنع الناخبين بالتصويت لهم مرة أخرى، بل إن وضعه الداخلي مرتبك بفعل صراعات بين عدة أطراف وخاصة سعد الدين العثماني وعبدالإله بن كيران حتى أن الأمر وصل للقطيعة بينهما، ورغم محاولة إخفاء الأزمة والتحكم فيها داخليا إلا أنها أثرت بشكل واضح على مواقف الحزب".
ويضاف إلى ما تقدم التناقضات التي وقع فيها الحزب أكثر من مرة واستعماله لخطاب المعارضة مع أنه في الحكم، وفق بودن.
عامل أخير لكنه برأي الخبير السياسي المغربي ثانوي، وهو السياق الإقليمي المرتبط بإغلاق قوس الإسلام السياسي في المنطقة.
وعاد مستطردا: "لكن في الوقت نفسه، يمثل المغرب امتدادا لمحيطه الإقليمي، ورغم أن التجربة المغربية تستوعب كل الحساسيات الحزبية لكن العدالة والتنمية سيحتاج الكثير من الوقت لبناء مستقبله من جديد وهو أمر بات صعبا بعد انهيار شعبيته، فهو لم يحسن التعامل مع السلطة".