أزمات التنظيم تصل ذروتها.. الإخوان بين متاهة منير وسرداب حسين
أزمات الإخوان بلغت ذروتها وسط تصاعد حدة الصراعات والتناحر بين أجنحة التنظيم الإرهابي، ما اعتبره محللون يعكس طبيعة التحولات التي تعايشها الجماعة العجوز وأنها لم تعد تملك قرارها وتلتزم بما يُملى عليها من الخارج.
صراع قمة هرم الإخوان بين جبهتي الإخوان في تركيا بقيادة الأمين العام السابق للتنظيم محمود حسين، وبريطانيا بزعامة إبراهيم منير، دخل مرحلة حاسمة عقب إعلان معسكر إسطنبول طرد الأخير و13 قياديا من أتباعه.
سلسلة القرارات الصادرة من كلا الجانبين بفصل عناصر محسوبة على كليهما وارتفاع حدة الاتهامات، وفق محللين، يكتب فصلا جديداً من فصول الصراع بين الجبهتين، وبمثابة هروب إلى الأمام، ومحاولة لتعقيد المشهد لوقف مسيرة تمكين جبهة لندن من قيادة الجماعة ما قد يعجل بأفول التنظيم ككل.
وعن قرارات الفصل الأخيرة ودوافعها وتداعياتها على التنظيم ومكاتبه الإدارية وعلى تحول التنظيم المتوقع محليا وإقليميا، استطلعت "العين الإخبارية" آراء خبراء وباحثين في الإسلام السياسي وأعضاء سابقين في التنظيم.
علنية الخلافات وحقيقتها
وحول أسباب علنية الخلاف الذي لا يتماشى مع "قواعد السمع والطاعة للقيادة"، قال سامح عيد، الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية والإخواني السابق: "في البداية هذا الخلاف هو الأكبر والأضخم على مر تاريخ الجماعة، حتى إنه أكبر مما تعرض له حسن البنا في مسيرته أثناء تأسيس التنظيم، ويعود لضخامة الجماعة ذاتها، فهي باتت متشعبة في أكثر من دولة، وأصبح لها علاقات بأجهزة مخابرات مختلفة ومتعددة".
وأضاف عيد لـ"العين الإخبارية" أن تمويلهم أيضا لم يعد قاصرا على أموال يتحصل عليها البنا، كل هذا جعل الصراع ضخما وعلنيا لا يمكن إخفاؤه.
بدوره، قال عمرو عبد المنعم، الكاتب والباحث في الشؤون الإسلامية، إن علنية الخلاف بدأت من جبهة إبراهيم منير (لندن) لأن الأدوات الإعلامية وقنوات التواصل كانت بيد جبهة حسين، فاستخدم منير الإعلام المرئي وقنوات اليوتيوب لإجبار جبهة حسين (إسطنبول) على التراجع وليكسب خطوة للأمام.
بينما اعتبر مصطفى زهران، الباحث والكاتب في الإسلام السياسي، أن سبب الخلافات وعلانيتها يعود إلى فراغ في القيادة الإخوانية بالأساس، فالخلافات تفجرت عقب إلقاء القبض على محمود عزت، ولم تجد الجماعة من يشغل مكانه.
وأيّد هذا الرأي الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية، أحمد سلطان، مؤكدا أن "سياسات الجماعة التنظيمية السابقة، قامت على إقصاء كل من تظهر عليه علامات القيادة وفصله من التنظيم، ما أدى إلى فراغ وضعف شخصيات من يقودون الجماعة، مع سقوط هيبة القيادة بعد كمية الهزائم التي تلقتها الجماعة مؤخراً".
فيما رأى طارق البشبيشي، القيادي السابق في تنظيم الإخوان، أن ضخامة الصراع يعود بالأساس إلى ضخامة الأموال التي تحت أيدي كل فريق، فكل جبهة لديها تمويلها المستقل.
وأضاف لـ"العين الإخبارية"، أن "الإخوان تسمع وتطيع لمن يملك التمويل لا من يملك الشرعية، لهذا حرص كل فريق على أن يستحوذ على الفريق الآخر من هنا كان الصدام قويا ومدوياً.
أما علنية الخلاف فحسب "البشبيشي " هذا ليس جديدا فأول من أعلن الخلافات الداخلية وصدرها للعلن كان محمود حسين، عندما رفض نتائج الانتخابات التي أقصته من منصبه وكان محمد كمال يدير الجماعة بالداخل .
الدوافع الحقيقية
وحول الدوافع التي تقف وراء قرارات الفصل الأخيرة، قال عيد إن هذه الخطوة لجأ إليها "حسين" كمحاولة للهروب إلى الأمام مستنداً إلى تأييد المكاتب الإدارية في الداخل المصري له، إضافة إلى امتلاكه أسرار التمويل.
وأضاف: "أراد وضع منير (جبهة لندن) في حالة ضغط ليحصل تعادل بين الجبهتين".
بينما اعتبر عبد المنعم أن السبب يعود لرغبة حسين وجبهة "إسطنبول" قطع الطريق على مجموعة "لندن" حتى لا تنفرد بالقيادة بعد تأييد التنظيم الدولي لهم.
فيما قال "زهران" إن فشل الوساطة بين الفريقين هو الذي دفع حسين إلى هذه الخطوة، مؤكداً أن هذه الخلافات وتلك الصراعات كانت أمراً حتمياً عكست طبيعة التحولات التي تعايشها الجماعة العجوز في أنها لم تعد تملك قرارها والتزمت بما يملى عليها من الخارج، مما يصعب من أمر الوصول إلى نقاط التقاء مع خصومهم.
من جانبه، أرجع "سلطان" الدافع وراء قرارات الفصل الأخيرة إلى محاولة وقف تمدد منير، وأن يتحول حسين لفعل بعد أن ظل رد فعل فترة طويلة وليعطي أتباعه مادة للحديث للتشكيك في شرعية تولية إبراهيم منير من الأساس.
وأوضح أن "هذا ما قام به رجب البنا القيادي المحسوب على جبهة حسين على شاشة قناة وطن".
بدوره، ذهب"البشبيشي" إلى أن القرارات الأخيرة هي محاولة لتعقيد الأزمة أكثر، حتى لا يخرج بسهولة وصمت، فالمنهزم الصامت سيدفع فاتورة هزائم الإخوان بداية من 30 يونيو/حزيران 2013 والتي كشفتهم وفضحت عمالتهم حتى الآن، وتمسك كل طرف بما لديه حتى لا يصبح كبش فداء.
أفق الحل المظلم
وحول كيفية انتهاء الصراع، أكد سامح عيد أن هذا الصراع لن ينتهي قريبا، فكلتا القوتين تقريبا متكافئة، فلكل منهما أوراق ضغط وقوى مساندة لهما، إضافة إلى مؤيدين وتابعين من التنظيم، وأن حل النزاع القائم سيحمل معه خسائر شديدة للمنتصر.
بينما اعتبر عمرو عبد المنعم أن ثمة احتمالا لعودة الوساطة ثانية برعاية أجهزة دولية توقف الصراع الذي طال وأصاب الجماعة بخسائر على كافة الأصعدة الفكرية والتنظيمية والمالية وحتى في الكوادر القيادية، فالجماعة أصبحت تنقسم داخلياً حتى داخل الجبهة الواحدة، مما ينذر بحالة تشظٍ تنظيمي وربما هذا لا يلائم من يوظفون الجماعة بالخارج.
من جانبه، رأى مصطفى زهران أن الأزمة مرشحة للاستمرار، فقادة الجماعة غير مدركين لطبيعة ما يحدث في العالم وأن ثمة تغييرات إقليمية ودولية، والجماعة المتكلسة لم تبرح مكانها بفكرها التقليدي العتيق، مؤكداً أن عدم الإدراك وفقدان الوعي عند قيادة الإخوان هو سبب الأزمة في الأساس.
وتوقع المحلل السياسي أنه لا أفق للحل، بل ستستمر وستزيد الانشقاقات، وستتوالى البيانات المضادة من كل فريق.
ويوافقه الرأي، أحمد سلطان، إذ يؤكد أن انتهاء الأزمة غير متوقع في القريب العاجل، فكل جبهة تمتلك الأدوات التي تجعلها صامدة، من منابر إعلامية أو مصادر تمويل سرية أو أتباع في المكاتب الإدارية.
فيما اعتبر "البشبيشي" أن هذا الصراع سيحسم إذا حُسم داخل السجون، فمن الواضح أن قيادات الإخوان المسجونة لم تحسم أمرها بتأييد جبهة بعينها.
سرداب التنظيم السري
وحول فرص نجاح جبهة حسين في فرض أنفسهم قادة للجماعة والتنظيم، قال "عيد" إنها ليست كبيرة، لكن لو تمكن فسيدخل الإخوان إلى سرداب التنظيم السري بقواعده وأفكاره ومبادئه وأدواته التقيليدية، ولديه المال الذي يمكنه أن ينفق على التنظيم عشرات السنين.
في حين، اعتبر عبد المنعم أن فرصة "حسين" كبيرة نظرا لتأييد المكاتب الإدارية له، وهي التي يمكن أن تصنع الفارق لصالحه، وفي حال تمكنه من قيادة الجماعة سيلتزم بسياسة "الانتظار حتى الانتصار"، وهي سياسة اتبعها الإخوان في السابق لكنه سيواجه بعقبات شديدة أهمها أن عدداً كبيراً من شباب الإخوان ومن حضر الأزمة لن يكون قادرا على التعامل مع محمود حسين لغلظته وما لحق سمعته من أضرار.
بينما لا يرى" زهران" أن هناك تغييراً يذكر، في حال انتصرت أي من الجبهتين فكلاهما ينطلق من ذات الأفكار ويستهدف تحقيق ذات الأهداف.
فيما قال سلطان إنه في حالة فوز محمود حسين سيضعف دور التنظيم الدولي وستلجأ الجماعة إلى بناء قدراتها التنظيمية المحلية وسيحاول حسين استكمال الفراغات في التنظيم مع تكثيف اللقاءات التربوية.
البشبيشي أكد على أن فرص محمود حسين كبيرة رغم كل شيء فهو التنظيم وهو النموذج المجرب، والإخوان سيخضعون له في النهاية، مؤكداَ أن الجماعة ستشهد تغيرات كثيرة ليس لها علاقة بأطراف الصراع، بل لها علاقة بالواقع ومتطلباته ودور الجماعة الوظيفي القادم.
متاهة منير
وفي المقابل، قال "عيد" إن ثمة تغيرات جذرية ستشهدها الجماعة حال تمكنت جبهة منير من القيادة، فستعمل على تخفيف القيود التنظيمية قليلا وتمكين الشباب وسيتغير موقفها من الدولة المصرية، وسيعيدون محاولاتهم للتصالح على أمل السماح لهم بالتواجد المشروط بالتوقف عن المنافسة السياسية.
أما "عبد المنعم" فيذهب إلى أن تمكين "منير" وجبهته من القيادة يعني انتصارا للتنظيم الدولي، مما يعني أن تتخلص من وسائلها التقليدية القديمة وسيفرض التنظيم الدولي رؤيته على التنظيم المصري، وعلى رأس هذه التغيرات أساليب التربية والخطاب العام الإخواني، ومحاولة التموضع في الحياة السياسية المصرية، إضافة إلى تدويل منصب المرشد.
وأشار إلى أن هذه القضية مثارة قديماً وربما يسهل تنفيذها مستقبلاً، بأن القائم بالأعمال في جبهة (لندن) إبراهيم منير هو بريطاني الجنسية والقائم بالأعمال في جبهة (إسطنبول) مصطفى طلبة هو بريطاني الجنسية كذلك.
بينما اعتبر "البشبيشي" أنه في حالة تمكن إبراهيم منير من قيادة الجماعة فإنه سيدخلها متاهة ودوامة التنظيم الدولي.
aXA6IDMuMTQ1LjU4LjkwIA== جزيرة ام اند امز