سياسة
من تنظيم إلى تيار فكري.. هروب إخواني يائس للأمام
هل تنسلخ جماعة الإخوان من جلدها التنظيمي هربا من تناقضاتها وصراعاتها لتصبح تيارا فكريا بمثابة حاضنة تؤمن له التأييد دون التقيد بالعضوية؟
طرح تتباين حوله آراء خبراء مختصين بشؤون الجماعات المتطرفة، حيث يحذر البعض من سيناريو خطير يرون أنه يهدف لضم المؤيدين للإخوان دون التقيد بعضوية الجماعة.
واستبعد آخرون ما يعتبرون أنه تصور خاطئ لحالة الكمون الاستراتيجي التي تمر بها الجماعة الإرهابية لاستيعاب تناقضاتها وصراعاتها الداخلية.
وتضرب الانشقاقات صفوف الإخوان بشكل غير مسبوق؛ إذ انقسمت لأكثر من جبهة، مع بقاء الصراع الأكبر على القيادة بين رأسي التنظيم، وهما جبهتا محمود حسين (الأمين العام السابق للجماعة) في إسطنبول، وإبراهيم منير (القائم بأعمال مرشد الإخوان) بلندن.
خطر
"عدم بقاء التنظيم في صورته الحالية لا يعني عدم بقاء الفكرة الأساسية للإخوان"، هكذا عبر طارق أبوالسعد، الكاتب والباحث المتخصص في الحركات المتطرفة، عن رؤيته المبدئية لطرح تحول تنظيم الإخوان إلى تيار فكري.
ويقول أبوالسعد، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "الاتجاه الحالي للإخوان هو التحول إلى تيار فكري دون التقيد بالتنظيم، والاكتفاء بالمؤيدين للإخوان، وهذه مسألة خطيرة".
ورسم المختص ملامح هذه الخطورة بقوله: "للأسف هذه الحالة مرشحة للانتشار، لأنها لا تتطلب من الفرد المنتمي أن يكون إخوانيا ولا تنظيميا، بل يكفي أن يكون معبأ بالغضب والكراهية ومروجا للشائعات".
ويضيف: "هذا يُصعِّب من المحاسبة القانونية والأمنية ضده، إضافة لصعوبة مواجهته باتباعه فكرا إخوانيا، كما هو الحال مع المنتمين للتنظيم الإرهابي".
أصل التيار الفكري
عدة أسباب تحول بين الإخوان وبين بقائها بصورة التنظيم، يفندها طارق أبوالسعد، مشيرا إلى أن "الجماعة لم تعد قادرة على الاستمرار تنظيميا بسبب تعدد الانشقاقات والخلافات والاتهامات المتبادلة".
ويرى أن دوافع أخرى تشمل ما تقدم، منها الضغط الأمني والخسائر في البناء التنظيمي وعدم القدرة على قيام مؤسسات الجماعة بأدوارها، واختفاء الصوت الإخواني.
ويستطرد: "الإخوان ظنوا أن أزماتهم إلى زوال لكنها طالت وابتعد العديد من عناصرهم، هنا شعرت مجموعة لندن بخطورة التمسك بالأشكال التقليدية القديمة والتي ستجعل الجماعة فعلا من الماضي ومعرضة للانتهاء".
ولا يعتبر توجه الجماعة لأن تصبح تيارا فكريا وليد اليوم، وإن كانت هناك عوامل زادت من دعم هذا الاتجاه تعود إلى عام ٢٠٢٠.
مجموعة من الملامح الرئيسية يحملها هذا التيار الفكري وفق مخطط الإخوان، يسردها أبوالسعد بالقول: "أولا ادعاء أن الإخوان فصيل معارض له أخطاء وله إيجابيات، وأن الإسلام هو الحل ويجب أن نؤسلم حياتنا، وأن الأزمة مع الدولة ومؤسساتها الرئاسية والجيش والشرطة، وأخيرا نشر حالة من الغضب وكراهية للوضع الحالي ورفض التعايش مع أي إنجاز مجتمعي والتركيز على السلبيات ونشر الشائعات".
وأضاف: "ولإدارة هذه الحالة، حاول الإخوان الارتباط بأشكال جديدة في التنظيم مثل بعض القنوات الفضائية أو صفحات الفيسبوك ولقاءات على برنامج التليجرام وبعض التطبيقات الخاصة".
فرص التحول
ردا على السؤال الأصعب: هل سينجح الإخوان في هذا التحول؟، يجيب أبوالسعد: "هناك عقبات كثيرة منها أن الإخوان أنفسهم الذين خضعوا للتربية الإخوانية التقليدية لا يعترفون بأي شكل غير الشكل التنظيمي".
والعقبة الثانية، يوضح، أن هذا التحول سيحتاج إلى زمن طويل لتحويل الرأي العام لصالحهم، فوفق تقدير الخبير "سيستغرق الإخوان عاما أو اثنين لإقرار الشكل النهائي لفكرة التيار والتي بدأت بالفعل ولكنها لم تأخذ الزخم الكافي نظرا لاعتراضات مؤيدي محمود حسين وممانعة إسطنبول".
وقدر الباحث السياسي المدة لوصول الإخوان لغايتهم بأنها ليست أقل من عشر سنوات للانتشار والتأييد، بعد استقرار الأمر لمنير ولجبهة لندن.
من جانبه، يرى منير أديب، الباحث المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن "تنظيم الإخوان يمر بمرحلة شيخوخة وغير قادر على تجديد أفكاره أو إنتاج أفكار جديدة بل ربما نشهد تفكك هذه الأفكار".
ودلل أديب على حديثه لـ"العين الإخبارية"، بقوله إن "تفكيك أفكار التنظيم وسقوطه داخليا ظهرت جلية في الصراع الأخير، وانقسام التنظيم إلى عدة جبهات، أبرزها جبهتا لندن وجبهة إسطنبول، إلى جانب جبهة تنتمي لها الحركات المسلحة، فضلا عن مجموعات أخرى للإخوان ربما جمدت عضويتها أو تركت التنظيم دون رجعة".
ويتبنى أديب وجهة النظر بأنه "لم يصبح للتنظيم قدرة على تجنيد أفراد جدد، أو الدعاية لفكرته كما كان يحدث في السابق"، وهذه الرؤية يعتبرها المختص مؤشرا كبيرا لتحول التنظيم لتيار فكري.
ويتفق أديب مع أبوالسعد في خطورة هذا التحول، محذرا من أن "خطر الإخوان سيكون أكبر في حال حدوث هذا التحول، لأن الخطورة تتمثل في الأفكار، حيث نستطيع مواجهة التنظيم ككيان أمني وعسكري إنما الأفكار تستهدف العقول، وهذا سيتطلب جهودا مجتمعية واسعة لتفكيكها".
وتابع: "سيتنهي التنظيم إلى تيار فكري نسعى لمواجهة أفكاره وتفكيكه، وهذا دورنا جميعا كمختصين وإعلاميين ومواجهته الآن يجعلنا على الطريق الصحيح".
مستبعد
في الجهة المقابلة، يستبعد سامح إسماعيل، الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، فكرة تحويل الإخوان لتيار فكري.
ويقول إسماعيل لـ"العين الإخبارية"، إن "البنية العضوية للجماعة والتي تقوم على فكرة البناء التحتي الحامل للبنية السياسية لا تستقيم في ظني وفكرة تحولها لتيار فكري".
سبب آخر، يضيفه إسماعيل، وهو أن "وجود الأذرع السياسية المختلفة للتنظيم في عدة دول يمنح الجماعة قوة دفع سياسية، فهي تشارك في الحكم في الجزائر عبر حركة مجتمع السلم، وعضو فاعل في النظام السياسي بماليزيا، وتشارك في إندونيسيا وغير ذلك".
وختم: "صحيح أن رأس التنظيم يمر بمنحنى شديد الصعوبة في مصر، لكن الجسد السياسي ما زال فاعلا وعليه يجب ألا نركن لمثل هذه التصورات"، معتبرا أن "الجماعة في مرحلة كمون استراتيجي فقط بانتظار أن تستوعب تناقضاتها وصراعاتها الداخلية".