وبصورة عامة، جميع أفكار سيد قطب لها من الردود الفقهية والمنطقية ما هو كافٍ لوئدها.
جميع المنتمين إلى الجماعات الإرهابية-الملقبة بالجهادية- لديهم تقدير كبير لشخص سيد قطب وفكره وإرثه، خاصةً ما جاء في كتابه "معالم في الطريق" الذي يعد حجر الأساس للفكر المتطرف الذي نعاني منه في وقتنا الحاضر.
ما لم يعدم مع سيد قطب وأمثاله هو استمرار تلك التناقضات، واستمرارها، هذا مرتبط باستمرار الخلط بين مجموعة من المفاهيم التي بمعرفتها يمكننا التفرقة بين الشخص بوصفه رجل دين- عالِما أو علاَّمة أو داعية أو شيخاً- أو بوصفه إرهابيا "مشرّعا للفكر المتطرف"
وذلك لكون سيد قطب اعتبر في كتابه "معالم في الطريق" كل المجتمعات البشرية تعيش حالة من الجاهلية كتلك التي عاشتها بدايات الإسلام أو أخطر، هكذا يزعم "قطب"، تتفشى تلك الجاهلية في مختلف جوانب حياة الناس، وعليه ذهب إلى تكفير المجتمعات كافة وليس الحكام فقط، وعليه أيضاً جاء تكفير الحكام في الدول الإسلامية، وإن نصّت دساتير تلك الدول على أنها دولة إسلامية، فهي إسلامية بالتصريح فقط لا بالتطبيق حسب زعمه، وتكفير الموالين للأحزاب غير الإسلامية التي لا تسعى لتطبيق شرع الله وإعلاء كلمته، تكفير القوانين الوضعية والدساتير لعدم بنائها من رحم الشريعة الإسلامية والتعاليم الدينية.
وللخلاص من تلك الجاهلية التي يزعمها، أشار قطب إلى أنها تبدأ بالاستعلاء على هذا المجتمع الجاهلي، وعدم تعديل القيم الخاصة به شيئاً ما لتتلاءم معه؛ أي لابد من الثورة عليه بصورة كاملة، وإنشاء المجتمع المسلم وإقامة الدولة الإسلامية، مشيراً إلى أن الجهاد هو الوسيلة المنوط بها تحقيق الدولة الإسلامية والمجتمع المسلم، مقسماً إياه إلى قسمين جهاد بيان وجهاد سيف، أي يرتبط بنشر عقيدة الألوهية، محاربة كل من يقف ضد تطبيق ألوهية الله "الحاكمية"، وقد عدّ هؤلاء في ثلاث: أهل الصلح والهدنة، وأهل حرب جهاد، وأهل الذمة، وأن استمرار الجهاد عنده يأتي بهدف تطبيق المنهج القرآني "الحاكمية" في كل زمان ومكان، وكل من يقف أمام هذا يتوجب الجهاد ضده.
وفي محاولة لوضع مبرر للأفعال الإجرامية التي تترتب على مثل هذه الأفكار؛ أشار قطب إلى أن الجهاد في سبيل الله ليس بهدف إكراه الناس على دخول الإسلام، وإنما محاولة لتحريرهم من القيود المحيطة بحرية اختيارهم، وذلك لكون الفرد لا يتعاطى التشريع من البشر بل من الله.
الأزمة الكبرى في فكر سيد قطب، والتي بُني عليها جميع مشكلات عصرنا، تتمثل في حدود الحاكمية، ففي كتابه يقول إنها ثورة شاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها والتمرد الكامل عليها، مشيراً إلى أن الحكم المُردّ فيه الأمر إلى البشر هو تدخل في سلطات الله وتأليه للبشر، ومن ثم لابد من رده إلى الله، والكارثة في ذلك اعتماد قطب في فكره هذا على آيات مثل قوله تعالى " وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ"، "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ"، وهذه الآيات ترتبط بصورة أساسية بالحكم الكوني وليس الحكم التشريعي، واللبس والخلط فيما بينهما هو من جاء بمثل هذه الأفكار التي تبناها الخوارج من قبل في رفضهم لأي حاكمية بشرية، ولعل مُنظّر الإرهاب أيضاً "القرضاوي" له في تلك النقطة رأي مخالف لسيد قطب ومن اتبع مثل هذا الفكر، فيقول: "وإن كان (الحكم) في الآيات الأخيرة قد يُراد به (الحكم الكوني)، أي التصرُّف المطلق في الكون، بحيث إذا قضى أمراً قال له: كن. فيكون. لا (الحكم الأمري) التشريعي"، وهذه التفرقة بين الحكم الكوني والحكم التشريعي هي عماد الحكم على أتباع الجماعات المتطرفة الحالية بأنهم خوارج من قبل علماء الدين في عصورنا.
وبصورة عامة، جميع أفكار سيد قطب لها من الردود الفقهية والمنطقية ما هو كافٍ لوئدها، ولكن السؤال الواجب طرحه: لماذا التناقضات حول قطب وغيره من مروجي الأفكار المتطرفة؟
ما لم يعدم مع سيد قطب وأمثاله هو استمرار تلك التناقضات، واستمرارها هذا مرتبط باستمرار الخلط بين مجموعة من المفاهيم التي بمعرفتها يمكننا التفرقة بين الشخص بوصفه رجل دين- عالِما أو علاَّمة أو داعية أو شيخاً- أو بوصفه إرهابيا "مشرّعا للفكر المتطرف"، ونقاط الخلط بين هذا وذاك عدة، أهمها السياق المفاهيمي والسياق السياسي والاجتماعي والأهواء والميول والثقافة الدينية، ونقاط التفرقة بينهما أيضاً عدة، منها نظرة كل منهما للمسلم المقصر وموقفه من الحكام، وكذلك نظرته لغير المسلمين وتعامله مع الحاضر والواقع، وهي نقاط يمكننا مناقشتها في مقال مقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة