حتى الآن يبدو لنا، وخلال فترة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الوضع تغير فهو يسير بثقة نحو تغيير طريقة التعامل مع النظام الإيراني.
اعتاد المراقبون -من الخبرات السابقة- لحالات التجاذب السياسي بين الإدارات الأمريكية ونظام الملالي في إيران خلال الفترة من عام 1979 إلى فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، أن تنتهي بنتيجتين تتكرران في نهاية كل تجاذب بينهما، حتى إن الأغلب كان يجزم في تحليلاته بتلك النتيجة بمجرد بدء التصريحات حتى لو أخذت طابع التشدد والمبالغة.
يبدو أن ترامب لديه رغبة في أن يفعل شيئاً مختلفاً مع النظام الإيراني، ويبدو أن الإيرانيين وكذلك من اعتاد على إيجاد مخارج لهذا النظام، يدركون أن إدارته مختلفة عن غيرها، وأنها ربما تخلق مشاكل مع من يدعون "الحياد السلبي" في مثل هذه الأزمات
النتيجة الأولى: أنه مهما بلغت طبيعة التصريحات والتهديدات المتبادلة بين النظاميين واحتمالات قيام حرب بينهما، فإنها في النهاية لا تصل إليها، حتى لو حركت القوات الأمريكية أساطيلها البحرية تجاه المنطقة وطائراتها العسكرية، فالأمر لا يتعدى مناورة سياسية للوصول إلى غاية أخرى إما في المنطقة أو مناطق أخرى في العالم تشاغب فيه السياسة الإيرانية الأمريكان، وبعدها سريعاً ما تهدأ الأوضاع بينهما وكأن شيئاً لم يكن، هذا المشهد تكرر مع الرئيس بيل كلينتون وبوش الابن.
النتيجة الثانية: أن تركيز الإدارة الأمريكية في حوارها السياسي مع النظام الإيراني كانت تتجاهل "المنافذ" السياسية التي يمكن من خلالها أن تتسرب الوساطات لفك مأزق النظام الإيراني، وأغلب تلك الوساطات كانت تتم في السر على اعتبار أن النظام الإيراني يجيد هذه اللعبة ويفضلها، فهو علنا ضد السياسة الأمريكية وهو الشيطان الأكبر، ولكن في الخفاء تعاون الإيرانيون مع الأمريكان ضد حكم طالبان في أفغانستان، وضد نظام صدام حسين، وحتى ضد تنظيم "داعش".
النتيجتان خدمتا النظام الإيراني طويلاً، فهو يبدو أمام الرأي العام العربي والإيراني ضد السياسة الأمريكية، ولكنه في حقيقة الأمر يستغل سياسة التخفي لخدمة مصالحه السياسية، كانت آخرها تلك الاتفاقية النووية التي وقعت بين الولايات المتحدة وإيران عام 2015، وكانت نتيجتها التمدد الإيراني والتوسع في الدول العربية وتهديد الملاحة العالمية وصعود غطرستها السياسية، في المقابل فإن مصداقية الإدارة الأمريكية لدى حلفائها سواء في المنطقة أو أوروبا الغربية في التصعيد مع النظام، كانت تتعرض للشك عند السياسيين على اعتبار أن سريعاً ما ينتهي إلى تفاهم بينهما، وصار الكلام أن السياسة الأمريكية مع الإيرانيين-الإصلاحيين والمحافظين- هي ما تراها من سلوكيات وليس ما تسمعها في تصريحات السياسيين، وللأسف إنها دائما لصالح إيران خاصة فيما يخص منطقة الخليج العربي.
حتى الآن يبدو لنا وخلال فترة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، أن الوضع تغير فهو يسير بثقة نحو تغيير طريقة التعامل مع النظام الإيراني سواء مع الدول الأوروبية التي أعطاها مؤشراً على جديته في تغيير سلوك النظام الإيراني من خلال بنود الاتفاقية النووية، وقد استوعبت تلك الحكومات جدية الإدارة الأمريكية هذه المرة، كما بانت تلك الجدية في تهدئة الملفات الخلافية للإدارة الأمريكية مع بعض دول العالم مثل روسيا، الحليف الاستراتيجي لإيران، وكذلك كوريا الشمالية، وحسب التسريبات أن التوجه الجديد سيكون نحو بعض الدول العربية التي لها علاقة مع النظام الإيراني مثل العراق ولبنان وسوريا وغيرها؛ لسد "المنافذ" السياسية للوساطات وخنق الرئة الاقتصادية لإيران، وبالتالي زيادة الضغوط الداخلية عليها.
بالنسبة لنا في منطقة الخليج العربي التي كانت كثيراً ما تتضرر من التصعيد السياسي بينهما ثم تنتهي بلا نتيجة، فإن التجربة الجديدة هي بمثابة "بالون اختبار" في تغير الخلافات مع إيران لذلك حتى الآن الجميع يراقب النتيجة النهائية لأن كل الاحتمالات السياسية واردة، خاصة أن هناك عرضا أمريكيا لحوار مع النظام الإيراني، فهل ستكون إدارة ترامب للأزمة مع إيران مختلفة، وأن لديها رغبة حقيقية في تعديل سلوك هذا النظام على غير عادة الإدارات السابقة التي تتراجع في آخر لحظة، أم أن "دبلوماسية السجاد" الإيرانية القائمة على طول النفس ستعيد المشهد الأمريكي المعتاد؟!
يبدو أن ترامب لديه رغبة أن يفعل شيئاً مختلفاً مع النظام الإيراني، ويبدو أن الإيرانيين وكذلك من اعتاد على إيجاد مخارج لهذا النظام، يدركون أن إدارته مختلفة عن غيرها، وأنها ربما تخلق مشاكل مع من يدعون "الحياد السلبي" في مثل هذه الأزمات التي تأتي بخسائر على دول المنطقة، كما أن لغته مختلفة، لهذا فاحتمال حدوث شيء أكبر من التصريحات بين النظاميين وارد. فالمؤشرات تقول ذلك حتى وإن لم يحشد ترامب الأساطيل البحرية، لأنه لأول مرة يتم ملاحظة هذا التصلب الأمريكي تجاه إيران، وتقفيل المنافذ ضدها، وهي سياسة أمريكية تتم عندما يكون هناك قرار سيتخذ ضد النظام، حدث ذلك مع نظام صدام حسين ومع حكومة طالبان وهي استراتيجية إنهاك العدو!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة