الخطايا السبع لإخوان مصر.. أدبيات التأسيس ودموية التسييس
قبل نحو 7 سنوات، وجه مرشد جماعة الإخوان المصنفة إرهابية محمد بديع حديثه لهيئة محكمة مصرية، مدعيا بأنه هو وجماعته ليسوا دعاة إرهاب.
والواقع أنه على مدار أكثر من 9 عقود، هي عمر الجماعة الإرهابية، لم يخل تاريخها في مصر من جرائم وإرهاب، بلغت ذروتها في أعقاب ثورة 30 يونيو/حزيران 2013.
ومنذ ذلك الحين، تخوص مصر معركة ضارية ضد الإرهاب الذي تصاعدت وتيرته عقب الإطاحة بحكم الإخوان، في محاولة بائسة لضرب الاستقرار والأمن.
ويمر بشهر أغسطس/آب الحالي واحدة من كبرى جرائم الإخوان الدموية التي جسدت مجموع هذه الخطايا وهي ذكرى فض اعتصام رابعة المسلح في أغسطس/آب 2013 وما تلاه من أحداث عنف، تصدت لها الدولة المصرية.
ويرى خبراء ومختصون في شؤون الحركات الإرهابية أن جرائم التنظيم الدولي يمكن تكثيفها في سبع خطايا، تنوعت بين الاغتيال والإرهاب والتحريض والاغتراب والمظلومية والتشابك، وأخيرا حالة الغيبوبة التي لم تتخلص منها الجماعة، ممنية نفسها بأحلام العودة إلى المشهد السياسي.
واعتبر المراقبون، في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية" أن هذه الخطايا السبع وحدها كانت كفيلة بالوصول بإخوان مصر إلى الرفض المجتمعي، والمجابهة الأمنية، وأخيرا الفصل القانوني وتطهير كافة مؤسسات الدولة المصرية.
الخطيئة الكبرى.. الاغتيال
وأولى خطايا جماعة الإخوان هي الاغتيال، حيث نفذت الجماعة عمليات اغتيالات واسعة روعت المصريين وهزت الأمن والاستقرار في البلاد، باستهداف رموز وقيادات الدولة المصرية على مدار الأنظمة المتعاقبة.
وتعود وقائع أكبر جرائم الإخوان في فترة الأربعينيات إلى يوم 22 مارس/آذار عام 1948، حينما أسند الإخواني عبد الرحمن السند، رئيس الجهاز السري، لاثنين من الإخوان وهما حسن عبدالحافظ ومحمود زينهم، اغتيال القاضي أحمد الخازندار الذي كان يحكم في عمليات إرهابية وتفجير دور سينما أدينت بها عناصر إخوانية.
وبخلاف كبار المؤرخين الذين يوثقون هذه الجريمة البشعة، يعترف الإخواني أحمد عادل كمال في كتابه (النقط فوق الحروف ..الإخوان المسلمون والنظام الخاص) بتنفيذ جماعته للجريمة قائلا: "وكشاب مشحون بالحماس في الثانية والعشرين من عمري رجعت من المحكمة أطالب برأس الخازندار حماية لنا في عملياتنا المستقبلة، واعتبرت أن الرجل يصدر أحكامه والدفاع لم يتم مرافعته... إنه من وجهة نظرنا رجل صفته كذا وكذا...".
وأضاف في كلمات كاشفة: "لم تكن مفاجأة لي أن أعلم أنه لم يكن رأيي وحدي وأن هناك غيري من تطوع لاغتيال الخازندار".
ووثق مؤرخون عبارات تحريضية قالها مؤسس الجماعة حسن البنا عن الخازندار، مثل "لو حد يخلصنا منه" والتي كانت بمثابة الضوء الأخضر لاغتياله، لاسيما أن أحد المنفذين وهو حسن عبدالحافظ كان "السكرتير الخاص" للمرشد العام.
ولم يكن الخازندار الوحيد الذي أصابته رصاص الإخوان، لكن أيضا رئيس وزراء مصر محمود فهمي النقراشي، حيث تم استهدافه بعد 20 يوما من قراره التاريخي بحل جماعة الإخوان بكل فروعها في البلاد ومصادرة أموالها وممتلكاتها، والقبض على رموز الجماعة في 8 ديسمبر/كانون ثاني 1948، في دلالة واضحة على أن العنف وسيلتهم الوحيدة في مواجهة الخصوم.
ويسطر التاريخ واحدة من أكبر محاولات الاغتيال دويا، رغم فشلها وهي حادث المنشية الذي تعرض له الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر عبر إطلاق الرصاص عليه أثناء إلقائه خطابًا في ميدان المنشية بمحافظة الإسكندرية في 26 أكتوبر/تشرين أول عام 1954.
مسلسل طويل ضم العشرات من عمليات العنف والإرهاب والاغتيال، تورطت فيها الجماعة الأم، زادت وتيرتها بعد الإطاحة بها من الحكم في 2013، كان أبرزها اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات الذي اغتيل في 29 يونيو/حزيران 2015، وغيرها من استهداف مسؤولين وضباط.
كما توجه الاتهامات لجماعة الإخوان بأنها تقف وراء ظهور جماعات إرهابية أخرى انبثقت عنها وتورطت في عمليات اغتيالات واسعة كانت أبرزها عملية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، واغتيال وزير الأوقاف الأسبق الشيخ الذهبي، والكاتب والمفكر فرج فودة، ورئيس مجلس الشعب الأسبق رفعت محجوب.
الإرهاب.. المظلة الكبرى
ويتفق خبراء الحركات الإرهابية على أن خطيئة الإرهاب هي المظلة التي تندرج تحتها كل ما سبق من خطايا وجرائم، راح ضحيتها آلاف الأبرياء، خاصة بين صفوف الجيش والشرطة.
وجنبا إلي جنب عمليات الاغتيال المنتقاة، تحمل الجماعة تاريخا طويلا من قتل الأبرياء عبر حوادث إرهاب دموية لم تفرق فيها بين مصل في مسجد أو كنيسة، أو عناصر من الجيش والشرطة أو مدنيين.
ويرى الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية والإرهاب أحمد بان أن "الجماعة الإرهابية ورطت نفسها في حوادث إرهابية على مدار تاريخها نسفت أي مساحة من التعاطف معها أو مع مظلوميتها المصنوعة".
ومنذ نشأتها، طوعت الجماعة جميع أدواتها لصناعة جيل إرهابي، ينشأ علي مبدأ السمع والطاعة، لا يجيد حرية التعبير أو التفكير، ويؤمن بأن كل من يخالف الجماعة في الرأي كافر ويجب التنكيل به، بحسب المصدر نفسه.
ولا يوجد إحصاء لعدد القتلى والمصابين التي خلفتهم الجماعة الإرهابية علي مدار تاريخها لكن هناك سجلا أسود من الحوادث المفجعة والهجمات الإرهابية لا ينساه المصريون.
ومن أبرز العمليات الإرهابية التي وجهت أصابع الاتهام فيها إلى الإخوان ما يلي:
- يوليو 2014
هجوم الفرافرة في شمال سيناء ومقتل 28 ضابطًا ومجندا وإصابة 3 آخرين
- ١١ ديسمبر/كانون أول ٢٠١٦
حادث تفجير الكنيسة البطرسية بالكاتدرائية المرقسية بالقاهرة ومقتل ٢٩ شخصا وإصابة 31 آخرين
-أبريل/نيسان 2017
هجوم كنيسة مارجرجس في طنطا (شمال) ومحيط الكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية ومقتل 30 مواطنا وإصابة أكثر من 70 آخرين
-7 يوليو/تموز 2017
هجوم على إحدى نقاط التمركز الأمني في مدينة رفح محافظة شمال سيناء ومقتل وإصابة ٢٦ جنديا مصريًا
- 20 أكتوبر/تشرين ثاني ٢٠١٧
حادث الواحات ومقتل ١٦ من قوات الأمن وإصابة 13 آخرين
- 25 نوفمبر/تشرين أول ٢٠١٧
هجوم مسجد الروضة في شمال سيناء
مقتل 305 مصلين بينهم 27 طفلاَ و128 مصابا
-4 أغسطس/آب 2019
هجوم معهد الأورام ومقتل 23 مواطنا وإصابة 32 آخرين
التشابك
ورغم أن جماعة الإخوان الإرهابية تعمل كتنظيم سياسي لكنها تتشابك في أيدلوجيتها وتحركاتها على الأرض مع تنظيمات إرهابية من داعش إلى القاعدة.
سامح إسماعيل، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية يقول لـ"العين الإخبارية": "جماعة الإخوان حاولت تشكيل خطاب أيديولوجي يوظف كل معطيات الوضع الراهن لصالح التنظيم من خلال تكوين كتلة صلبة على مستوى القاعدة، عبر خطاب ديني مختزل، يوظف النص وفق بعد سياسي لصالح الجماعة، بينما تخاطب النخب السياسية في الداخل والخارج بخطاب أكثر مرونة".
وأوضح إسماعيل أن "التمكين هو الشغل الشاغل للجماعة الإرهابية، ومع الوقت تتخلق دولة موازية يمكن للجماعة من خلالها التهام الدولة الأم".
واعتبر المختص أنه "على صعيد الكتلة الصلبة، ولعمق خطاب التطرف الذي اعتنقته الجماعة للسيطرة على القواعد الشعبية نشأت على هامشه وفي المركز منه تيارات أكثر عنفا خرجت منها جماعات إرهابية أكثر ضراوة".
مستطردا حديثه: "لكن يظل الخطاب الإخوانى هو الخطاب الأم والمركزي الذي وظف الدين لتبرير العنف، وخرجت عنه كل جماعات الشر والإرهاب".
الاغتراب
وتعد خطيئة الاغتراب واحدة من أقدم الخطايا لدى الإخوان، حيث تعيش الجماعة على مدار تاريخها حالة اغتراب عن المجتمع فالولاء للتنظيم وليس لمصر، وهو ما ظهر جليا خلال فترة حكمها، وفق مراقبين.
عمرو فاروق، الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية يقول لـ"العين الإخبارية" إن "أهم أدبيات التنظيم فصل العنصر الإخواني عن المجتمع، وهو ما طرحه سيد قطب تحت مسمى العزلة الشعورية".
ويضيف موضحا: "التنظيم يجعل الولاء الداخلي للجماعة ومشروعها وليس للوطن، حيث يفصل عناصره عمليا، بعد فصلهم فكريا ونفسيا، عن مؤسسات الدولة، ما ينعكس على موقف الإخواني من الدولة ونظرته لها بما تتضمه للمجتمع والحكومة والقانون والدستور وحتى الأرض".
فاروق يرى أن "خطيئة الاغتراب هي الترجمة الحقيقية لجاهلية المجتمع، حيث ينشأ العنصر الإخواني في حالة غربة، تضمن معه الجماعة أن تدين قواعدها بالولاء التام لها وتقدم مصلحة التنظيم علي أي شخص آخر بما في ذلك أسرته".
هذه العزلة، وفق فاروق، تخلق مجتمعات إخوانية موازية، لها طقوس وأهداف مختلفة، مددلا علي ذلك بطقس شهير داخل تلك المجتمعات وهو أن الإخواني لا يتزوج الا إخوانية.
ويستطرد: "العنصر الإخواني يتربى تدريجيا على عداء المجتمع وما حدث في رابعة وما بعده من عنف يظهر هذه الحالة من العداء والانفصال عن المجتمع".
ويصف الباحث العناصر الإخوانية أنها "مجرد أدوات تم فصلها والتحكم بها داخل التنظيم ويتم تحريكها بكل سهولة، وهو ما يفسر ما يعرف بالتعبئة التنظيمية للإخوان، والتي ظهرت خلال 2011 و2013".
المظلومية
والمظلومية أحد أبرز خطايا الإخوان التاريخية، كنهج اعتادته بين عناصرها، وتحاول تصديره للعامة، يظهرها وكأنها في حالة اضطهاد دائمة.
ولا تسأم الجماعة الإرهابية، من استغلال أي حدث لتحويله إلى حملات تباكي زائفة، مستغلة في ذلك شبابها كأدوات لكسب التعاطف والتغطية على جرائمها.
فمع الضربات الأمنية، والأحكام القضائية بحق عناصرها الإجرامية، تحاول الجماعة أن تصدر نفسها على أنها مستهدفة وأن شبابها مطاردون، وتستخدم في ذلك كل سبل التدليس والإدعاءات الكاذبة.
وتتجاهل الجماعة حقيقة ارتكاب عناصرها لجرائم تنوعت بين القتل والتحريض على العنف، وتخريب المنشآت والهجوم على الكمائن والكنائس، ومخططات نشر الفوضى بالبلاد.
منير أديب، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب الدولي، يقول لـ"العين الإخبارية" إن "جماعات العنف والتطرف كثيرا ما تحب أن تعيش في مظلومية أنها تقتل وتضطهد باسم الدين."
وأوضح: "وهنا الاضطهاد مرتبط بأنه كلما شعرت هذه الجماعات الإرهابية وفي المقدمة منها الإخوان بهذا الشعور كلما كان ذلك أقرب لها للجنة، حسب تصورها، وهو أمر له علاقة بالعامل النفسي لدى هذا التنظيم الذي يحاول أن يجعل عناصره تعيش في حالة روحية تساعده للانتماء للتنظيم".
ويلفت إلى أن "هذه التنظيمات المتطرفة تعاني نوع من شذوذ في البنية العقلية أو الفكرية أو الفقهية، فهي لا تفهم الواقع ولا تفهم المستقبل ولا تفهم الدين، ما يجعله يحكم بطريقة خاطئة".
واصطلح "أديب" مفهوم القوالب المستنتسخة للتعبير عن مستوى التفكير العقلي الجمعي لدى الإخوان، فعلى حد قوله هم لا يعرفون تفكيرا عقليا معتدلا، يتبنون نفس المفاهيم الخاطئة، والتصورات المنحرفة، سواء مرشد الإخوان كأعلى الهرم التنظيمي أو قواعدها من الشباب.
التحريض
ويتبنى الإخوان أدوات عدة لإضعاف الأنظمة السياسية المستقرة وإسقاط حكمها حتى تتسن لهم فرصة الانقضاض عليها، من بين أبرز تلك الأدوات التحريض على العنف والتخريب والقتل.
وخطيئة التحريض تتداخل مع بقية الخطايا، كونها استراتيجية تاريخية منذ نشأة الجماعة، وحتى الآن، فترى الخصوم بمثابة أعداء يجب اغتيالهم معنويا أو حتى جسديا.
ويكثف عناصر التنظيم بالخارج، عبر أبواقه الإعلامية ولجانه الإلكترونية، الدعوات التحريضية والترويج للشائعات والأخبار المغلوطة والمفبركة لمحاولة تشويه مؤسسات الدولة وإسقاط منظومة الأمن ونشر الفوضى.
وكان مرصد الإفتاء المصري رصد في أكثر من تقرير كيف تستحدث الجماعة الإرهابية كيانات إلكترونية بهدف استقطاب وفرز العناصر المتأثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك قيام الإخوان بإنشاء قنوات مغلقة على تطبيق "التليجرام" بهدف تكليف الأفراد بأدوار محددة.
الزج بأرواح المواطنين في موجات من العنف، بمثابة مسعى دائم للجماعة الإرهايية، التي لا تنشغل بعواقب جرائمها حتى وإن كان تدمير حياة عناصرها الذين يحاكمون حاليا بتهمة التحريض على العنف.
الغيبوبة
وتعكس الخطايا السابقة كيف يعاني الإخوان من حالة أشبه بالغيبوبة، فهم من جهة يرفضون الاعتراف بجرائمهم، كما يرفضون الاندماج المجتمعي، طمعا وأملا في العودة للمشهد السياسي.
ثروت الخرباوي الكاتب والمفكر المصري يقول لـ"العين الإخبارية" إن "جماعة الإخوان لديها مشكلة رئيسية أنها تقف في منطقة ساكنة بينما العالم يتحرك ويشهد تغييرات مختلفة.. العالم تجاوزها لكنها مازالت تنتهج نفس الأساليب ولا تستطيع أن تتعامل مع هذه التغييرات السريعة التي تحدث في العالم".
وتزداد حالة الغيوبة، لدي جماعة الإخوان بمرور السنوات، فمنذ أن لفظهم الشعب المصري لم تتوقف محاولاتها لبث الفوضى بالداخل.
هذه المحاولات تظهر في استغلال الإخوان للأحداث والأزمات حتى وإن كانت عالمية كتفشي فيروس كورونا المستجد أو إنسانية كحوادث قطارات للهجوم على مؤسسات الدولة أو الوقيعة بين السلطة والمواطنين بغية تحقيق انتصارات وهمية، كون الشعب كشفها ولفظها.
ولم تتجاوز الجماعة بعد مربع التغيير الذي حدث في مصر قبل ٨ سنوات، فلا تزال محاولاتهم تتكرر عبر لجانهم الإلكترونهم مع كل ذكرى لأحداث عايشها المصريون، كـ٢٥ يناير، في مسعى لاستنساخ مشهد الثورة لكن الوعي المجتمعي وتصدي الدولة بكافة مؤسساتها يحبط مخططاتهم في كل مرة.