مشهد ليلة الثامن والعشرين من مايو/أيار 2023 كان قريباً إلى السريالية وأحيانا العبثية!
ففرحة أتباع تنظيم الإخوان المبالغ فيها والخطب العصماء التي سمعناها في منطقتنا العربية كانت مثيرة للشفقة، وكأن الفائز رئيس دولتهم، أو أنه انتصار للديمقراطية في بلدانهم!
وفي مقابل هؤلاء المغيبين هناك بعض الإخوان الذين يبدون وكأنهم أكثر فهمًا للواقع ويدعون أنهم يعرفون العقلية البراغماتية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ لذا هم يرون أنه لم يعد يساندهم مؤخرًا -كما كان في السابق- وأنه قد يتخلى عنهم تماما بعد أن كان حليفهم القوي، إلّا أن هؤلاء كأولئك مستمرون بالوقوف معه ودعمه، ليس حبًا فيه، لكن لأنهم أصبحوا يدركون أنه ملجأهم الأخير في الوقت الحالي وإن لم يكن الملجأ المثالي.
المشهد الإخواني يؤكد شيئًا واحدًا وهو أنهم لم يتعلموا من دروس السنوات العشر الماضية! ولم يدركوا بعد أنهم مجرد أداة يتم استخدامها من الدول والأنظمة لتحقيق أهداف قصيرة المدى، ومن ثم التخلص منهم والتضحية بهم؛ كونهم جزءا من الصفقة التي يتم عقدها بين أي طرفين يكونون هم بينهما!
وهذا ما أشارت إليه صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية مؤخرا، قائلة في تقرير لها "إن الإسلام السياسي بات أمرًا مستهلكًا في السياسة الخارجية التركية عندما يتعلق الأمر بالمصالح مع الدول العربية، وأن مبررات تركيا للصلح مع كل الدول العربية بالإضافة إلى إسرائيل متعددة، بينها أسباب اقتصادية تخصّ رفع قيمة الليرة وجلب الاستثمار الخليجي".
العديد من التحليلات والقراءات الإخوانية للمشهد الحالي في تركيا ولنتائج فوز العجوز المخضرم في انتخابات تركيا تبدو بعيدة عن الواقع وهي تعكس أماني الإخوان، واللافت في تلك المقالات والأفكار أنها تتوقع أن يعود أردوغان إلى ما قبل عام 2021، وأن يدير ظهره لكل المصالحات التي تمت مع الدول العربية خصوصًا الإمارات والسعودية ومصر، غير مدركين أن قواعد اللعبة تغيرت وأن هناك مصالح أكبر من أحلامهم ومن الأوهام، وسيدرك بعضهم هذه الحقيقة متأخرًا، أما الأغلبية فسيبقون في أوهامهم عالقين.
فما قام به أردوغان من مصالحات لم يكن مناورة سياسية ودبلوماسية من أجل الفوز في الانتخابات -كما يود أن يعتبرها البعض- وإنما تلك الخطوات جاءت لتصحيح مسار خاطئ ورهان خاسر استمر لأكثر من عقد من الزمان دفع ثمنه بالدرجة الأولى الشعب التركي والاقتصاد التركي.
وأصبحت لدى أردوغان الآن فرصة حقيقية لتصحيح أخطاء الماضي وإنهاء حياته السياسية بإنجازات داخلية خصوصًا للاقتصاد التركي الذي أصبح في وضع صعب، وإنجازات خارجية بتحسين علاقاته مع الدول العربية وإنهاء خلافاته السياسية وتدخلاته العسكرية، وبناء شراكات اقتصادية قائمة على المصلحة المشتركة، والرئيس أردوغان بشخصيته البراغماتية بلا شك يسعى لأن يحقق أكبر المكاسب.
المؤشرات الأولية منذ اليوم التالي لليلة فرحة الإخوان بفوز أردوغان، كانت محبطة، وكذلك ستكون الأيام المقبلة، وستجعلهم متسمرين في أماكنهم يحاولون فهم ما يحدث؛ فأول المهنئين بالفوز كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات وكذلك العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، رؤساء عرباً آخرين.
ولم يمر اليوم الثاني إلا وأعلنت الرئاسة المصرية عن قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره التركي أردوغان، البدء الفوري في ترفيع العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء، في خطوة من شأنها أن تُغير بشكل ملموس المعادلات السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة.
وكان ملاحظا الاهتمام العربي بالانتخابات التركية الأخيرة، ومن الطبيعي أن تكون هذه الانتخابات مهمة للعرب؛ فكثير من الدول العربية أصبحت لها مصالح أو مشكلات مع تركيا، بالإضافة إلى أن أنقرة لعبت دورًا إقليميًا مؤثرًا بشكل سلبي وتورطت بالتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية خلال السنوات الماضية، وكذلك انكشف ارتباطها بعلاقات مع عدد من المجموعات والكيانات في البلدان الإسلامية، فضلاً عن انحيازها في السنوات الماضية إلى جانب تيارات الإسلام السياسي ضد عدد من الأنظمة العربية، خصوصًا مع تنظيم الإخوان المسلمين، كل ذلك يجعل متابعة الانتخابات وترقب الرئيس المقبل مهماً جداً لرسم علاقة تلك الدول بتركيا.
أمّا التقارب المصري التركي، فلا بد أن له شروطًا يجب أن يلتزم بها أردوغان، منها تخفيف نبرة الهجوم على مصر وإيقاف القنوات ووسائل الإعلام الإخوانية التي تهاجم القاهرة، ومن نتائج هذا التقارب هو التعاون الاستخباراتي بين البلدين الذي من الواضح أنه تطور في الفترة الأخيرة، مما ساعد على التقارب الأخير، وهو ما سينتج عنه عدم سماح أنقرة بأن تمر من أراضيها أي مخططات تستهدف الأمن القومي المصري، خصوصًا تلك المتوقعة من بعض المجموعات المسلحة التي تتخذ تركيا مقرًا لها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة