لم تتمكن المعارضة من إلحاق الهزيمة بأردوغان في الانتخابات الرئاسية، وبقي الوضع كما هو عليه، برغم الفرصة الذهبية التي أتيحت، بسبب تراجع شعبية الحزب الحاكم، والمصاعب الاقتصادية الهائلة.
لم تتمكن المعارضة من إلحاق الهزيمة بأردوغان في الانتخابات الرئاسية، وبقي الوضع كما هو عليه، برغم الفرصة الذهبية التي أتيحت، بسبب تراجع شعبية الحزب الحاكم، والمصاعب الاقتصادية الهائلة.
يتزامن فوز أردوغان لولاية ثالثة مع احتفالات الجمهورية التركية بالذكرى المئوية، ما سيجعلها أطول مدة حكم منذ تأسيس تركيا الحديثة، وقد يتم استغلالها إعلاميا لجعل شخصية أردوغان بمثابة الرمز المجدد للدولة العلمانية الأتاتوركية، بنكهة عثمانية إسلامية، لدغدغة مشاعر البسطاء من جمهوره، برغم أن الانتخابات التركية كشفت انقساما حادا في المجتمع التركي حول القضايا الرئيسية، فنصف الأتراك تقريبا صوتوا للمعارضة خصوصا المدن الكبرى.
راهنت المعارضة على أن تداعيات زلزال فبراير/شباط، والوضع الاقتصادي، وملفات الفساد المتعددة، ستكون كفيلة بإنهاء حكم أردوغان، إلا أن هذا لم يحصل، وتمكن أردوغان من إقناع ناخبيه بقدرته على إصلاح مشاكل الاقتصاد، والتركيز على القضايا الأمنية، ولكن هل هذا يعني أن طريقه مفروش بالورود؟ ويستطيع العودة لسياسات (مشاكل مع الجميع)؟.
سياسات أردوغان النقدية التي تتناقض مع مصارف العالم المركزية، لا تزال مستمرة، فحين يرفع العالم سعر الفائدة منعا للتضخم، يخفض المصرف المركزي التركي سعر الفائدة، ما أفقد الليرة التركية 80% من قيمتها، نصفها في عام واحد، ولهذا الوضع ستستمر تركيا في مساعيها لتحسين العلاقات مع العرب والغرب وإسرائيل، للخروج من المأزق الاقتصادي عبر القروض والاستثمارات، وهو ما ذكرته في مقالي (جولة الإعادة)، بتاريخ 2023/5/18، الذي جاء فيه: "من زاوية عربية، ستفضل الدول العربية المحورية التعامل مع من تعرفه، ولو أنها تختلف معه في بعض التوجهات، على حساب من لا تعرفه، وفي نهاية الأمر، وضعية تركيا الاقتصادية، هي من تحتاج العرب لتحسين اقتصادها".
لقد فشلت السياسات الأردوغانية في العقد الماضي، والتي تبنت توجهات محور الممانعة، ودعم تنظيم الإخوان إبان فترات "الربيع العربي"، ما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية في تركيا، وأجبر أردوغان على الاستدارة براغماتيا، لتحسين العلاقات مع محيطه الإقليمي، وتصفير المشكلات خلال العاميين الماضيين، فتبلورت أجواء المصالحات مع الإمارات والسعودية ومصر، ولهذا بوصلة الاقتصاد هي من تحرك مؤشرات السياسة، وفرص التنمية والاستثمار تتضاعف، عند الابتعاد عن نقاط الاشتباك السياسية والأمنية.
فوز أردوغان أو خسارته، لن يغير الهموم الكبيرة التي تمر بها تركيا، ومن المعلوم أن سياسة تصفير المشاكل، كانت بمثابة جسر النجاة بعد عقد من الصراعات الإقليمية غير المجدية، فلم يستفد داعمو الإخوان من موجة الربيع العربي، غير الخسائر السياسية والاقتصادية، ولهذا تركيا ما بعد الانتخابات، تحتاج لتأكيد استمرار سياساتها (الحالية) المعتدلة مع محيطها الإقليمي والدولي، فأحلام الإمبراطوريات التي عفا عليها الزمان، لن تحل مشاكل تركيا الاقتصادية.
ستشهد المنطقة تفاهمات سريعة في القضايا الخلافية بين تركيا والعرب، ولعل أبرزها عودة السفراء بين القاهرة وأنقرة، ما يعني وجود اختراق نوعي ولو نسبيا في ملف الإخوان، وسيشكل التقارب المصري - التركي حافزا إيجابيا لقضايا خلافية أخرى في شرق المتوسط، قد يمكن مصر من لعب دور مهم لتهدئة التوتر في العلاقات التركية مع قبرص واليونان، أما على صعيد ملف ليبيا، فأرى التوقيت مناسبا لتسوية الأزمة سياسيا، بوساطة إماراتية مصرية تركية، بين أطراف الصراع الليبي في الغرب والشرق.
اهتمام السوريين بالانتخابات التركية مفهوم، لو علمنا أن الحدود بين البلدين تصل لألف كيلومتر، ويعيش بتركيا نحو أربعة ملايين لاجئ سوري، وبغض النظر عن الفرحين أو المنزعجين من فوز أردوغان، فالمعادلات السياسية اختلفت، والتطبيع بين أنقرة ودمشق قادم، برعاية عربية روسية، خصوصا بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وانتقال المفاوضات من المسارات الأمنية إلى السياسية، بعد لقاء وزيري الخارجية التركي والسوري في موسكو، فروسيا تسعى إلى إيجاد تفاهمات تركية-سورية تخدم مصالح الكرملين على حساب واشنطن.
فوز أردوغان لا يعني أنه حاز على ثقة الشعب التركي، بل على الأغلبية الكافية، وأن دوافع نسبة كبيرة من الأتراك التي صوتت للمعارضة، لن تختفي بسهولة، طالما استمرت الأسباب، ولو لم تكن المعارضة مهزوزة، لفقد الحزب الاردوغاني السلطة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة