فساد مزدوج.. الإخوان يسرقون أموال الليبيين وحكومة الوفاق لا حراك
أمين عام المركز الليبي للتنافسية الاقتصادية يقول إن فساد جماعة الإخوان بليبيا هو السبب الرئيسي في أزمة نقص السيولة النقدية.
ما بين زحام شديد في طابور طويل، لا يكاد المرء يدرك ببصره نهايته، وتحت أشعة شمس أغسطس/آب، التي تزيدها طبيعة المناخ الليبي التهابا، انتحت سيدة خمسينية جانبا تستظل بظله، وتلتمس فيه موضعا هادئا تستطيع فيه النوم ولو لبضع سويعات.
فالسيدة التي قضت طوال ليلها أمام المصرف، أملا في الحصول على 550 دينارا، الحد الأقصى الذي يمكن صرفه للمواطن الليبي، لم تعلم أنها ستقضي نهار اليوم التالي أيضا أمام المصرف ليتم إخبارها في النهاية أنه تم الاكتفاء بالعدد الذي صرف له، وأن من لم يحصل على النقد عليه أن يأتي في اليوم التالي.
"أقف من الساعة الرابعة فجرا حتى يمكنني السحب في الساعة السابعة صباحا.. ويتأخر دوري في السحب، إذا زاد عدد الناس المصطفة أمام المصرف".. بهذه الكلمات بدأ شاب عشريني مطلع حديثه عن أزمة الطوابير الطويلة التي يراها الليبيون يوميا أمام المصارف.
وتابع الشاب، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أنه رغم وقوف الناس أمام المصرف لساعات طويلة وفي الحر الشديد لا يجد المواطنون معاملة لائقة من موظفي المصرف، الذين لا يخرجون من أسفل المكيفات، حتى إذا ضاقوا ذرعا من كثرة العدد تحججوا بأن المنظومة تعطلت، لينتهي العمل ويغادر المواطنين.
أزمة نقص السيولة بدأت في ليبيا منذ سنوات لكنها استوحشت في الفترة الحالية، وفقا للاقتصادي الليبي فوزي عمار.
وقال فوزي عمار، أمين عام المركز الليبي للتنافسية الاقتصادية، إن فساد جماعة الإخوان في ليبيا هو السبب الرئيسي في أزمة نقص السيولة النقدية والتشوهات الاقتصادية بالبلاد، ويتضح ذلك في سياسات مصرف ليبيا المركزي، الذي يهيمن عليه الأخوان، وديوان المحاسبة الذي يرأسه خالد شكسك عضو الجماعة وحزبها "العدالة والبناء".
وحول مدى نجاح الإصلاحات الاقتصادية، المرتقب الإعلان عنها من قبل حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، في الحد من أزمة نقص السيولة، أوضح فوزي عمار أن هذه الإصلاحات "قد لا تجدي نفعا".
وأعلنت ما يعرف بـ حكومة الوفاق أنها ستتخذ جملة من الإصلاحات لتحسين الوضع الاقتصادي بالبلاد، مثل تعديل سعر الصرف ورفع الدعم عن الوقود.
وفسر فوزي عمار، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، أنه لنجاح هذه الإصلاحات لا بد من توفر شرطين، هما: أولا الإطار القانوني المناسب، وثانيا الإطار الفني المتكامل.
وأوضح أمين عام المركز الليبي للتنافسية الاقتصادية أن الإطار القانوني لا يسمح للسلطة التنفيذية ممثلة في المجلس الرئاسي بالإقدام على خطوة تغيير سعر الصرف.. متابعا أن هذه الخطوة من شأن مصرف ليبيا المركزي، ولا بد أن يصدر بها قانون من البرلمان الليبي.
ونتيجة لذلك، التف المجلس الرئاسي على ذلك الإطار ليفرض ضريبة على الدولار بدلا من تحريك سعر الصرف، فبدلا من أن يكون الدولار مساويا لـ١.٣ دينار يفرضون ضريبة ٣ دينار، فيصبح سعر الدولار مساويا لـ٤.٣ دينار ليبي، وفقا لفوزي عمار.
وتابع الاقتصادي الليبي أن الدولار في بلاده له سعران: الرسمي وسعر السوق السوداء، لافتا إلى أن هذا تشوه اقتصادي استفاد منه تجار الاعتمادات المدعمين من الصديق الكبير، محافظ مصرف ليبيا المركزي، وجماعة الإخوان والمليشيات.
وكشف فوزي عمار أن مصرف ليبيا المركزي الذي يقوده الصديق الكبير، الموالي للإخوان، ويهيمن على موارده عناصر أخرى من الجماعة، لن يسمحوا بالإقدام على تغيير سعر الصرف، ولا يرغبون في إيجاد سعر واحد للدولار، حتى يتكسبوا من سعره في السوق السوداء.
وعن الإطار الفني اللازم للإصلاحات، قال فوزي عمار إنه لا بد من توافر حزمة من السياسات المتكاملة الاقتصادية والمالية والنقدية، تتضافر معا لنجاح المنظومة الاقتصادية، داعيا الى تشكيل مجلس أعلى للتنمية الاقتصادية.
وعن دور المجلس الرئاسي في الأزمة وإصلاحها، أوضح فوزي عمار أن المجلس الرئاسي لا يملك سوى صرف أموال الليبيين على المليشيات الداعمة له والمشاركة في الفساد الذي قال عنه المبعوث الأممي غسان سلامة: "إن ليبيا تُنهب نهبا ممنهجا".
واختتم الاقتصادي الليبي "أن الأزمات الاقتصادية في ليبيا، وخاصة أزمة نقص السيولة هي أزمة مفتعلة من قبل مصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة، الذي يهيمن عليهما الإخوان، بالتعاون مع المجلس الرئاسي بقيادة السراج".
وأضاف أن الأزمة هي جراء فقد الثقة من قبل المودعين في البنوك الليبية جراء انتحال الصديق الكبير صفة محافظ مصرف ليبيا المركزي، بعد انتخاب البرلمان السيد محمد الشكري محافظا جديدا، والذي لم يُمكنه "الكبير" من المنصب حتى الآن.
وكشف أمين عام المركز الليبي للتنافسية الاقتصادية عن مبادرة، سيطرحها المركز قريبا، تقوم على تأسيس الاقتصاد الليبي الجديد على أساس العدالة الاجتماعية، والجمع بين القطاعين العام والخاص عبر الاعتماد على الاقتصاد المختلط، الذي تملك فيه الدولة الموارد الاستراتيجية مثل النفط والغاز وتشتري الخدمة من القطاع الخاص.
وكانت مجموعة من السيدات الليبيات قُمن، الأسبوع الماضي، بإغلاق الطريق احتجاجا على عدم توافر السيولة النقدية بمصارف العاصمة طرابلس.
وأوضحت السيدات أن سبب قيامهن بإغلاق الطريق هو عدم وجود سيولة نقدية بالمصرف، وكذلك المعاملة السيئة التي يتم التعامل بها معهن، مشيرات إلى أنهن قضين ليلتهن أمام المصرف، حيث تفاجأن في الصباح بعدم وجود سيولة للسحب. ورددت المتظاهرات شعارات منددة بمحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير ومجالس الدولة والنواب والرئاسي.
وفي لفتة تعكس ما آل إليه الليبيون من حاجة إلى السيولة النقدية، التي يتحكم بها الإخوان، قضت سيدة أول أيام عيد الأضحى المبارك أمام مصرف التجارة والتنمية في العاصمة طرابلس.
صورة السيدة أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي وأثارت سخط الليبيين على حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي ورئيسه فايز السراج والمجلس الاستشاري والمسؤولين كافة، ومطالبتهم بتقديم الاستقالة أو الإقالة.