«المبنى 215».. هل يعزز استراتيجية أمريكا الصاروخية؟
مع استمرار حرب أوكرانيا ودخولها العام الثالث دون حل يلوح في الأفق، باتت الولايات المتحدة تفكر في استراتيجية جديدة، لشحن موارد كييف، بما تحتاجه من أسلحة، ولتعزيز ترسانتها العسكرية.
تفكير قاد الولايات المتحدة إلى قاعدة عسكرية أسترالية على مشارف سيدني، يخطط المسؤولون الأمريكيون إلى تحويلها، لأول مصنع خارج الولايات المتحدة للمساعدة في صنع صواريخ «GMLRS» الموجهة، والتي تصنعها شركة «لوكهيد مارتن».
تلك الصواريخ التي لعبت دورًا محوريًا في حرب أوكرانيا، بعد أن أرسلت الولايات المتحدة الآلاف منها، إلى كييف، يتم إطلاقها من مركبات تعرف باسم «هيمارس»، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال».
فما علاقة تلك الصواريخ بالمبنى 215؟
تقول الصحيفة الأمريكية، إنه من المقرر أن يلعب مبنى متواضع يُعرف باسم «المبنى 215» دورًا مهمًا في استراتيجية واشنطن لمواجهة المنافسين مثل الصين وروسيا.
وبحسب «وول ستريت جورنال»، فإن الاستهلاك السريع للذخائر في أوكرانيا والشرق الأوسط - من الصواريخ إلى قذائف المدفعية – أدى إلى إجهاد قدرة القاعدة الصناعية الأمريكية على تلبية الطلب وتجديد المخزونات المستنفدة، مشيرة إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تسعى إلى تطوير خطوط إنتاج متعددة عبر الدول الحليفة للأسلحة الحيوية، «رغم أن ذلك ليس بالأمر السهل».
وأشارت إلى أن إحدى المبادرات لتوفير المزيد من قذائف المدفعية لأوكرانيا، كانت تتمثل في جعل اليابان ترسلها إلى بريطانيا إلا أنها توقفت، فيما يقول المصنعون الأوروبيون إنهم بحاجة إلى طلبات طويلة الأجل من الحكومات لمنحهم الثقة لتوسيع طاقتهم.
تلك الأزمة، دفعت الولايات المتحدة إلى الاتجاه شطر أستراليا، حيث بدأت جهودًا حثيثة لجعل المبنى 215، ساعدًا قويا في استراتيجية الأسلحة الأمريكية في جميع أنحاء العالم، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن تلك الجهود كشفت – في الوقت نفسه- الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة وحلفاؤها في تكثيف إنتاج الذخائر.
فهل تنجح خطة أمريكا؟
تقول «وول ستريت جورنال»، إن شركة «لوكهيد مارتن» الأمريكية، وأستراليا ستحتاجان إلى بناء سلاسل توريد جديدة، وتدريب عمال جدد، وتسهيل تبادل التكنولوجيا مع الولايات المتحدة، في خطط قال مراقبون عنها إنها تتحرك ببطء شديد، مستدلين على قولهم بمضي حوالي أربع سنوات منذ أن طرحت أستراليا فكرة تصنيع تلك الصواريخ على أراضيها.
وبحسب مايكل شوبريدج المسؤول الدفاع الأسترالي السابق الذي يشغل الآن منصب مدير مركز التحليل الاستراتيجي الأسترالي، وهو مركز أبحاث دفاعي، فإن «الفكرة الأولية كانت جيدة جدًا، لكن التنفيذ لم يكن مثيرًا للإعجاب على الإطلاق»، مشيرًا إلى أن «الأحداث في العالم، ولا سيما الحرب في أوكرانيا، والآن في الشرق الأوسط تجاوزتها».
ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم سعداء بزخم وسرعة الجهود الأسترالية، مشيرين إلى أن أستراليا تقدمت مؤخرًا بسرعة في إنتاج قذائف المدفعية التي تشتد الحاجة إليها، إضافة إلى مشاركتها في تطوير صواريخ Precision Strike Missiles، أو PrSM - ، والتي يمكن أيضًا إطلاقها من مركبات هيمارس ولها مدى ممتد.
وقال المتحدث باسم البنتاغون جيف يورغنسن: «نظراً لتحدي السرعة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والمنافسة المتطورة مع الخصوم القريبين، فإن الذخائر الدقيقة مثل GMLRS وPrSM تتزايد أهميتها»، في إشارة إلى المنافسة الاستراتيجية مع الصين.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الخطط الأمريكية مخصصة لشركة لوكهيد مارتن، التي تصنع حاليا صواريخ «GMLRS» في مصنع واحد فقط في كامدن، بأركنساس، مشيرة إلى أن الشركة الأمريكية ستقوم بشحن الأجزاء شبه المجمعة من الصواريخ من الولايات المتحدة إلى أستراليا، حيث ستخضع للتجميع النهائي في خط إنتاج جديد في المبنى 215.
وقال مسؤولون أستراليون إن الدفعة الأولى والتي تتكون من حوالي 12 صاروخا، تم تجميعها في أستراليا وسيتم اختبارها بحلول نهاية العام المقبل، مشيرين إلى أنه بحلول نهاية العقد، تهدف أستراليا إلى تصنيع آلاف الصواريخ سنويًا، والتوسع إلى ما بعد المبنى 215.
أهداف طموحة
«لسنا بحاجة إلى تصنيع 300 صاروخ من طراز GMLRS سنويًا، بل إلى تصنيع 3000 صاروخ من الطراز نفسه سنويا»، يقول المارشال الجوي ليون فيليبس، وهو مهندس وضابط في القوات الجوية الأسترالية مكلف بالإشراف على جهود تصنيع الصواريخ في البلاد.
وعلى الرغم من أنه سيتم تجميع نظام GMLRS في البداية من مكونات مستوردة، إلا أن أستراليا تريد لاحقًا التركيز على تصنيع أجزاء الصواريخ الرئيسية محليًا، بما في ذلك محركات الصواريخ والرؤوس الحربية، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه في مرحلة ما، يمكن إنتاج أنواع أخرى من الصواريخ بخلاف GMLRS.
تحديات
لكن العثور على العمال المهرة قد يشكل تحديًا؛ «نظرًا لأن أستراليا تعاني بالفعل من نقص في المهندسين، ما يجعل من تطوير سلاسل التوريد الجديدة أمرًا صعبًا في ظل نقص المعروض من أنظمة معينة مثل محركات الصواريخ»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقال جيمس هيدينج، وهو ضابط سابق في القوات الجوية الأسترالية والمسؤول الآن عن أعمال «لوكهيد» الصاروخية في البلاد: «إن التعامل مع الصاروخ يكون مختلفاً تماماً عندما يتم ربطه ببعضه وتجميعه بدلاً من مكونات الشحن. إن الرأس الحربي في حد ذاته، خارج نطاق السلاح، هو وحش مختلف تمامًا يمكن حمله حوله».
وتعمل شركة لوكهيد على زيادة إنتاج GMLRS في مصنعها في كامدن إلى 14 ألفا، بدلا من 10 آلاف صاروخ سنويا، لكن تحقيق ذلك من الصعب، بسبب تعثر توظيف المزيد من العمال، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن هذا الأمر راكم الطلبات على الشركة والتي تشمل GMLRS، بنسبة 20٪ تقريبًا في السنوات الأخيرة، بما قيمته أكثر من 32 مليار دولار.
هل من حلول؟
يقول فيليبس، المارشال الجوي الأسترالي، إن قضايا القوى العاملة قابلة للحل، مشيرًا إلى أنه يمكن تدريب الناس على تجميع الصواريخ، كما أن صناعة الدفاع الأسترالية لديها مهارات موجودة في بعض أجزاء الصواريخ.
وبحسب المارشال الجوي، فإن بلاده لديها بالفعل مصانع ذخيرة، حيث يتم إنتاج مواد مثل الوقود الدافع والذخيرة والمتفجرات الأخرى، مشيرًا إلى أنه عندما أعلنت أستراليا لأول مرة عن خططها لإنتاج الصواريخ، لم يكن «هناك التمويل اللازم والدافع لتحقيق ذلك». ومنذ ذلك الحين، قالت أستراليا إنها ستنفق 2.7 مليار دولار على البرنامج، بما في ذلك الحصول على أسلحة جاهزة.
مخاوف من ترامب
تحد آخر قد يقف عائقا أمام خطط الولايات المتحدة، يتمثل في إمكانية خسارة بايدن الانتخابات، ما يعني أن إدارة دونالد ترامب الثانية المحتملة قد تؤثر على استعداد واشنطن لإرسال أسلحة إلى الخارج.
وقال الرئيس الأمريكي السابق مؤخرًا إنه سيشجع موسكو على مهاجمة أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي الذين «لا يدفعون». لكن الديناميكية مختلفة في آسيا، نظرا لوجود إجماع واسع النطاق بين الحزبين في واشنطن بشأن التهديد المحتمل من الصين، كما يقول بعض المحللين.
وقال برادلي بومان، المستشار السابق للأمن القومي للأعضاء الجمهوريين في لجان القوات المسلحة والعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والذي يدير الآن منصبا كبيرا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: «إذا تمكن حلفاؤنا في المحيط الهادئ من إثبات أنهم يشاركوننا مخاوفنا بشأن بكين، ويعملون على تحمل نصيبهم من العبء الأمني وزيادة الردع، فقد يقلل ذلك من فرص حدوث مفاجأة غير سارة في رئاسة ترامب»
وقال بعض مسؤولي الدفاع الأمريكيين السابقين إن الجدول الزمني الذي حددته أستراليا لزيادة إنتاج الصواريخ لم يفت بعد لترجيح كفة الموازين الاستراتيجية، لكن الساعة تدق.
aXA6IDE4LjE4OS4xODUuNjMg جزيرة ام اند امز