منتدى دولي في باريس.. العالم يجني ثمار مبادرات COP28 بشأن البناء
بدأ العالم جني ثمار إنجازات مؤتمر COP28، وسيعقد منتدى دولي في باريس، خلال مارس/ آذار، للبناء على مبادرة "اختراق المباني" التي أطلقت في دبي.
يلعب قطاع البناء والتشييد، المسؤول عن 37% من الانبعاثات العالمية، و50% من استخراج الموارد، و40% من النفايات، دورا حاسما في معالجة الأزمات المترابطة المتمثلة في تغير المناخ، وفقدان الطبيعة، وعدم المساواة.
حتى وقت قريب، هيمنت الانبعاثات التشغيلية على الجهود الرامية إلى الوصول إلى صافي صفر من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050، في حين تجاهل العالم ما يطلق عليه الكربون الاستهلاكي.
يقصد بالكربون الاستهلاكي ما ينتج من الانبعاثات الصادرة عن المنازل الخاصة، والتي تعتمد بشكل كبير على استهلاك الطاقة، ويمكن تقسيمها إلى 3 مجالات رئيسية، المعيشة والتنقل والغذاء.
يتضمن الكربون الاستهلاكي أيضًا الكربون "المتجسد" في إنتاج المواد والبناء، ووفق توقعات الخبراء، سيشكل الكربون المتجسد نسبة تبلغ 85% من جميع الانبعاثات بحلول عام 2050.
يشير تقرير الحالة العالمية للمباني والإنشاءات، الصادر مطلع 2024، إلى أن الانبعاثات الصادرة عن المباني وقطاع البناء والتشييد عالميًا لم تنخفض بين عامي 2015 و2022، وأن هذه الانبعاثات أعلى بكثير مما ينبغي أن تكون عليه، إذا أردنا أن نكون على المسار الصحيح لإزالة الكربون من البيئة المبنية بحلول عام 2050.
لذا كان إطلاق مبادرة "اختراق المباني" في COP28 وجمع العديد من أصحاب المصلحة الرئيسيين حولها بمثابة خطوة ضرورية ومهمة إلى الأمام.
- بفضل COP28.. الطاقة الخضراء تهيمن على توليد الكهرباء العالمية في 2038
- حرب غزة والمناخ.. دراسة صادمة تكشف «التكلفة الأخطر»
مبادرة اختراق المباني
تهدف مبادرة اختراق المباني التي أطلقتها الأمم المتحدة في مؤتمر (COP28) إلى تعزيز التعاون الدولي لإزالة الكربون من قطاع البناء، وجعل التكنولوجيات النظيفة والحلول المستدامة خيارًا أقل تكلفة وأكثر جاذبية في جميع مناطق العالم بحلول عام 2030.
تحفز المبادرة البلدان في جميع أنحاء العالم على توحيد الجهود لتسريع التحول في قطاع البناء، بهدف جعل الانبعاثات الصادرة عن القطاع قريبة من الصفر، وأن تكون المباني المقاومة للمناخ أمرًا طبيعيًا في كل أرجاء العالم بحلول عام 2030.
تعهدت 28 دولة حتى الآن بالتزامها باختراق المباني، وهي: أرمينيا والنمسا وكندا والصين وكوت ديفوار ومصر وإثيوبيا وفنلندا وفرنسا وألمانيا وغينيا بيساو واليابان والأردن وكينيا وليبيريا وموريتانيا ومنغوليا والمغرب وهولندا والنرويج والسنغال والسويد وتونس وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وزامبيا.
تمثل هذه الدول مجتمعة حوالي 34% من سكان العالم، وتمثل حوالي 51% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، وتساهم بحوالي 64% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت المفوضية الأوروبية و19 مبادرة دولية أخرى عن دعمها.
يعد اختراق المباني جزءًا من أجندة الاختراق، وهي مجموعة من المبادرات العالمية الرائدة في القطاعين العام والخاص التي توفر إطارًا للدول والشركات والمجتمع المدني للانضمام إلى جهود خفض الانبعاثات في القطاعات الرئيسة، التي بدأتها الأمم المتحدة والبلدان في مؤتمر الأطراف COP26 بغلاسكو.
تشمل أجندة الاختراقات أيضًا مبادرة "اختراق الأسمنت والخرسانة"، التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة وكندا، لجعل الأسمنت النظيف الخيار المفضل في الأسواق العالمية، مع انبعاثات قريبة من الصفر، ونمو في كل منطقة من مناطق العالم بحلول عام 2030.
COP28 خطوة للأمام
يرى العديد من الخبراء أن المبادرة التي أطلقت في COP28 جاءت في توقيت مثالي، وأنها تمثل إنجازًا مهمًا وأساسًا يمكن البناء عليه لتحقيق الحياد الكربوني في قطاع البناء بحلول 2050.
يقول الدكتور ديفيد نيس هو أستاذ مساعد بجامعة جنوب أستراليا، وخبير الهندسة المعمارية والتخطيط الحضري والبنية التحتية، وأحد المشاركين في تصميم مبادرة "اختراق المباني" في COP28: "قطاع البناء والتشييد متأخر بشدة في تحقيق الأهداف المناخية، ولا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، لذا كان إطلاق المبادرة في COP28 خطوة رئيسة ومهمة للأمام، وتستحق الثناء والتقدير".
تابع: "في حين أن الإطلاق قد مهد الطريق وخلق الزخم، سيكون من الأهمية بمكان معالجة هذا التحدي الكبير في المنتدى العالمي اللاحق المعني بالمباني والمناخ الذي سيعقد في باريس في الفترة من 7 إلى 8 مارس/آذار 2024".
تقول أماندا ويليامز، رئيسة الاستدامة البيئية في معهد تشارترد للبنائين (CIOB): "يمثل الإطلاق الرسمي لمبادرة "اختراق المباني" في COP28 إنجازًا كبيرًا، ستوحد المبادرة جهود البلدان لتسريع عملية التحول في هذا القطاع".
تضيف: "فيما يتعلق بقطاع البناء، لم تكن مبادرة "اختراق المباني" الإنجاز الوحيد، تعتبر مبادرة اختراق الإسمنت والخرسانة إنجازًا آخر يحسب للقمة، كما كانت هناك بعض الأحداث الجانبية الرائعة في جناح المباني لقيادة المناخ، وتضمنت رسائل كان لها صدى مهم".
كانت أبرز التوصيات التي انتهى إليها الخبراء في مناقشات COP28 بشأن البناء، هي أن إزالة الكربون من الطاقة المستهلكة في المباني سوف يتطلب استثمارات بالمليارات في كفاءة استخدام الطاقة، وأنظمة التدفئة والكهرباء منخفضة الكربون.
في الوقت نفسه، سوف يتطلب البناء الخالي من الكربون تقنيات جديدة لجعل تصنيع المواد كثيفة الكربون مثل الإسمنت والزجاج منخفض الكربون، وجلب مواد بناء بديلة مثل الخشب.
كما طرحت المناقشات المزيد من الحلول عالية التقنية مثل الطباعة الثلاثية الأبعاد، والتي تحمل القدرة على البناء بشكل أكثر استدامة، وخفض تكاليف البناء من خلال جعل العمليات أكثر كفاءة.
ووفق خبراء، كانت من بين أهم الرسائل التي تضمنتها أحداث COP28 الجانبية بشأن البناء والمباني، هو أن معالجة أزمة الإسكان المستدام ليست مجرد مشكلة، بل تشكل أيضاً فرصة اقتصادية هائلة، حيث تمثل المباني الخضراء فرصة استثمارية بقيمة 24.7 تريليون دولار في جميع الأسواق الناشئة هذا العقد، وفقًا للبنك الدولي.
منتدى باريس والبناء على COP28
سيعقد المنتدى العالمي الأول للمباني والمناخ في الفترة من 7 إلى 8 مارس/آذار 2024 في باريس، فرنسا، بحضور وزراء الإسكان والبناء من جميع أنحاء العالم، وذلك للحفاظ على زخم مبادرة "اختراق المباني"، والتقدم المحرز بشأنها في COP28.
قال كريستوف بيتشو، وزير التحول البيئي في فرنسا: "يعتبر قطاع البناء محوريا للاستثمارات المستقبلية بسبب تأثيره الثقافي والاقتصادي والبيئي والاجتماعي".
أضاف: "بالشراكة مع المملكة المغربية و26 دولة أخرى، فإننا ندعو المزيد من البلدان للانضمام إلى مبادرة اختراق المباني، وندعو الحكومات وجميع أصحاب المصلحة للانضمام إلينا في باريس لحضور المنتدى العالمي للمباني والمناخ في عام 2024 للعمل بشكل جماعي نحو تحقيق مباني قادرة على الصمود وانبعاثات تقترب من الصفر".
سيكون الهدف الرئيس لمنتدى باريس هو البناء على الإطلاق الناجح لمبادرة "اختراق المباني" في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP28، وفق ما تأكده الصفحة الرسمية للحدث.
ستدعى الحكومات خلال المنتدى إلى الموافقة على إعلان مشترك يحدد المبادئ المشتركة وإطار التعاون للجهود العالمية لتحقيق إزالة الكربون والقدرة على التكيف مع تغير المناخ في قطاع المباني.
كما سيدعو المنتدى الخبراء رفيعي المستوى وجميع أصحاب المصلحة عبر سلسلة قيمة قطاع المباني بأكملها، للكشف عن ارتباطات محددة لدعم طموح إزالة الكربون في القطاع.
يقول نيس إنه تقدم بمجموعة توصيات جديدة للقائمين على مبادرة الاختراق للبناء على ما تحقق في COP28، وتشمل توصياته وضع تدابير "الاكتفاء" في الاعتبار، لتكمل الدور الذي تلعبه الكفاءة والسلوك ومصادر الطاقة المتجددة في تخفيف الانبعاثات، وأن يكون تأثير جهود الاكتفاء مفهوما على نطاق أوسع، مع جهود التنفيذ التي تقودها البلدان المتقدمة.
يعرف مفهوم "الاكتفاء"، في سياق تحول الطاقة وخفض الانبعاثات، بأنه السياسات والتدابير التي تتجنب استهلاك الطاقة والمواد والأراضي والمياه والموارد الطبيعية الأخرى مع ضمان الرفاهية للجميع داخل حدود الكواكب، وفق تقرير التخفيف الصادر عن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ لعام 2022.
شددت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على أن سياسات الاكتفاء، إلى جانب سياسات كفاءة الطاقة ومصادر الطاقة المتجددة، ضرورية للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
يقول نيس: "تحقيق الكفاية يتطلب الحد من البناء الجديد، خاصة في البلدان المتقدمة، على سبيل المثال: ما جدوى إنشاء برج مكتبي جديد عندما يكون الموظفون يعملون بشكل رئيسي من المنزل وتتوفر لديهم وسائل رقمية جديدة للمعاملات؟ لا بد من إيجاد طرق للاستفادة بشكل أفضل من المباني الحالية من خلال المشاركة وزيادة الاستخدام، إلى جانب تقليل البناء الجديد، لتقليل توليد انبعاثات كربونية جديدة".
aXA6IDE4LjIyNi45My4xMzgg
جزيرة ام اند امز