رأس المال المناخي.. طفرة COP28 في الاستثمار الأخضر
أولى مؤتمر الأطراف COP28 الذي استضافته دولة الإمارات واختتم أعماله الشهر الماضي ضمن قضايا أخرى اهتماما خاصا بمبادرات تمويل المناخ والاستثمارات المناخية الخضراء.
ومنذ التحضير للمؤتمر وصولا إلى بيانه الختامي التاريخي "اتفاق الإمارات" كثفت الإمارات عملها لزيادة الوعي بالحاجة إلى توفير التمويل سواء للتخفيف أو للتكيف مع تغير المناخ وكذلك جعل الاستثمار الأخضر ضمن أولويات العمل المناخي.
- هدف عالمي جديد للتكيف.. حاجة ملحة للبناء على إنجازات COP28
- الأضخم والأعلى طموحا.. قراءة في أهم قرارات COP28
ورغم تباطؤ البلدان المتقدمة والقطاع الخاص في تقديم الدعم الذي تحتاجه البلدان النامية لتحقيق الأهداف المناخية، فقد تعهدت دولة الإمارات خلال COP28 بتخصيص 30 مليار دولار لاستثمارات جديدة في مشاريع صديقة للمناخ، بما في ذلك 5 مليارات دولار لجنوب الكرة الأرضية.
وفي أمريكا اللاتينية تم تخصيص استثمارات بقيمة 2 مليار دولار سنوياً حتى عام 2030، في حين تم تخصيص 10 مليارات دولار للاستثمار المناخي في الفلبين بين عامي 2024 و2029.
القرار التاريخي
تعهدت نحو 31 دولة بتقديم 12.8 مليار دولار لصندوق المناخ الأخضر، فيما كانت لحظة مؤتمر الأطراف التاريخية هي قرار اليوم الأول في COP28 بتشغيل "صندوق الخسائر والأضرار"، الذي بدأ السعي لإنشائه في COP27؛ حيث تعوض الدول الغنية الدول النامية عن الأضرار التي تكبدتها بسبب أزمة لم تخلقها.
وقدمت الدول الغنية تعهدات أولية لرسملة الصندوق بأكثر من 700 مليون دولار، وفي حين أن هذا المبلغ لا يسد الفجوة في التمويل اللازم لمكافحة تغير المناخ، إلا أنه يشير إلى خطوة في اتجاه العدالة المناخية لهذه البلدان الضعيفة.
ونشر برنامج الأمم المتحدة للبيئة مؤخرا مسودة مشروع أممي بشأن التكيف أشار إلى أنه لم يُحرَز تقدم يذكر بشأن (CGA) "Climate Goal for Adaptation" على مدى السنوات الست الماضية، يحث البلدان المتقدمة على مضاعفة التمويل من مستويات عام 2019 بحلول عام 2025.
كما كشف تقرير فجوة التكيف لعام 2023 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي ينظر في التقدم المحرز في تخطيط إجراءات التكيف وتمويلها وتنفيذها، أن تمويل التكيف يجب أن يصل إلى 194-366 مليار دولار سنويا.
وكما دعت وحثت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة صانعي السياسات إلى الانتباه إلى تقرير فجوة التكيف، استطاع COP28 أن يثير الوعي العالمي بحتمية عزل البلدان منخفضة الدخل والفئات المحرومة عن الآثار المناخية الضارة.
وتبنى الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة رئيس مؤتمر الأطراف COP28 الدعوة لتضافر وتوحيد جهود العالم في مواجهة تداعيات تغير المناخ للقيام بما هو مطلوب وتحقيق الإنجازات المنشودة خلال انعقاد المؤتمر في دبي.
وقال إن "سلامة البشر وكوكب الأرض في صميم منظومة العمل المناخي لـCOP28 التي تركز على حماية الأفراد وتحسين الحياة وسبل العيش".
الربح والاستثمار المناخي
لم تكن أهمية العمل العالمي ضد تغير المناخ أكثر وضوحا من أي وقت مضى، وأثبت دولة الإمارات خلال COP28 أن هناك فرصا كبيرة لإثبات أن مصدري الوقود الأحفوري أيضا يمكنهم قيادة الطريق في تحول الطاقة المتجددة.
وتؤكد إمكانات الطاقة الشمسية الهائلة لدولة الإمارات العربية المتحدة واستثماراتها الأخيرة في التقنيات الخضراء على هذه الإمكانات.
ورغم أنه في كثير من الأحيان ، يتم رسم البيئة والاقتصاد في معارضة تامة، يعتبر العديد من المستثمرين "الإدارة البيئية والاجتماعية" و"الاستثمار المؤثر" أعداء للربح.
لكن رسالة COP28 التي ظهرت في "اتفاق الإمارات" هي أن أزمة المناخ هي بالفعل العدو الأول للربح ، فيما تشير التقارير إلى أن التأثير البيئي للتلوث إلى 3.3 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2060.
ويرى الكاتب إيثان فولتون المتخصص في المناخ ورئيس تحرير مجلة "thegazelle" أن "السعي وراء الربح كغاية خاصة به سينتهي به الأمر إلى تدمير مستوى المعيشة العالمي".
مخاوف "الغسل الأخضر"
يثير كل مؤتمر أطراف مخاوف "الغسل الأخضر" للأموال، حيث يتوافد المفاوضون غالبا من جميع أنحاء العالم إلى ويتجمعون للسماح للشركات بالتباهي بأوراق اعتمادها الخضراء.
وهناك عدد متزايد من الأصول المتعلقة بانتقال الطاقة الخضراء وإزالة الكربون ، ولكن هذه الأصول محتجزة في صناديق الأسهم الخاصة ولا يمكن للمستثمر العادي الوصول إليها بسهولة، ومع ذلك هناك العديد من الأصول غير المستغلة إلى حد كبير، والتي يجب أن تكون حجر الأساس لمحفظة أي مستثمر مستدام، بحسب فولتون.
فالسلع الخضراء ليست غذاء وماء وطاقة فحسب، بل هي أيضا المعادن المهمة التي ستكون مفيدة لبناء التكنولوجيا النظيفة.
وعلى سبيل المثال يخلق استخراج المعادن مخاوفه اجتماعية وبيئية ثانوية خاصة به ، ويجب معالجتها لتوسيع نطاق السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح ومجموعة من التقنيات الأخرى، وهو ما تم تداوله بشكل واسع خلال COP28 للتأكيد على التوازن والعقلانية ما بين المخاوف وعدم حجب العمل الجاد في هذا الشأن.
وهنا وجب الإشارة إلى أن دولة الإمارات البلد المضيف لـCOP28 فيما يتعلق بمعالجة مخاوف "الغسل الأخضر" تمتلك نظاما بيئيا مبتكرا كبيرا ومتطورا، يتميز بإضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول إلى التمويل الأخضر كأحد أهم الخطوات نحو ضمان أن "التحول الأخضر" ليس حكرا على الأثرياء ، بل حقيقة ملموسة تفيد كل ركن من أركان العالم.
قوة رأس المال المناخي
أطلق COP28 العنان لقوة رأس المال المناخي بحجم المشاركة غير المسبوقة للقطاع الخاص في المؤتمر وتنظيم الفعاليات وعقد الشراكات التي تؤكد حتمية مساهمة القطاع الخاص وبقوة في الاستثمارات الخضراء والعمل المناخي مع التأكيد على ربحيته على مختلف الآجال القصيرة والمتوسطة والطويلة.
وشدد المتحدثون على مدار أسبوعين خلال COP28 على أهمية الثقة والشفافية ووضع مسارات واضحة للاستثمارات الخضراء، وهو ما يمثل تحديا فريدا ولكنه يمثل أيضا فرصة هائلة:
وعلى سبيل المثال كان الابتكار سواء في الأدوات أو آليات العمل من الموضوعات الرئيسية وبشكل محفز في مؤتمر الأطراف الأخير حيث يمكننا ابتكار آليات لتوجيه هذه الاحتياطيات الهائلة من أجل الصالح العام، وضمان أن الاستثمارات المستدامة ليست فقط مجالا لنخبة المستثمرين، ولكن في متناول الجميع.
جانب آخر يظهر قوة رأس المال المناخي وهو العقارات والبنية التحتية التي تمثل أيضا فرصا كبيرة، وهي مسالة ليست فقط اقتصادية ولكن مناخية لأن "الهجرة المناخية" قد تدفع الناس إلى مناطق معينة، وسترتفع قيم الأصول بشكل كبير.
والاستثمارات المناخية في هذا القطاع تحقق الفوائد المجتمعية الأوسع نطاقا حيث يتم إنشاء فرص عمل في صناعات جديدة ويتم بناء المجال المادي لاستيعاب هؤلاء السكان ومعالجة مخاوف الهجرة المناخية.
وفي هذا السياق يؤكد خبراء المناخ والاقتصاد على حاجة المستثمر الفرد العادي إلى أن يكون قادرا على الوصول إلى هذه الأصول بشكل يسير بوضع معايير تضمن "الشفافية والثقة".
وتحقيقا لهذه الغاية، يمكن لمنصات التكنولوجيا المالية والحلول الرقمية سد الفجوة، وإضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول إلى الاستثمارات الخضراء وضمان أن التحول الأخضر يعود بالنفع على الجميع، وليس فقط على النخبة.
كما يمكن لأدوات الاستثمار المبسطة والمعلومات التي يمكن الوصول إليها والمعايير الشفافة تمكين حتى أولئك الذين لديهم معرفة مالية محدودة من اتخاذ خيارات مستنيرة حول المكان الذي يضعون فيه أموالهم.
ويمكن تقديم الحوافز للشركات الناشئة والشركات التي تجعل الاستثمارات الخضراء في متناول عامة الناس، وهو ما تم الحث عليه والدفع باتجاهه خلال COP28.