العين الرياضية تجيب: كيف تعيد ألمانيا الجماهير لملاعب كرة القدم؟

تطمح أندية الدوري الألماني لعودة جماهيرها إلى المدرجات مع بداية الموسم الجديد 2020-2021.. ولكن هل يكون الأمر متاحا؟
أعادت ألمانيا الحياة إلى كرة القدم والرياضة بشكل عام في مختلف أنحاء العالم، بعد عودة النشاط هناك منتصف شهر مايو/ آيار الماضي، في خطوة جريئة رغم تفشي فيروس كورونا المستجد، لتبدأ في خطوة رجوع الجماهير إلى المدرجات.
وفي أروقة السياسة، يتخوف المسؤولون من تحمل تبعات مثل هذا القرار، ورمزية عودة الجماهير للملاعب، وإن كانت بأعداد قليلة، إذ يمكن أن ترسل رسائل خاطئة للناس بأن الفيروس لم يعد له وجود ما يهدد ما تحققه البلاد من نجاح على مستوى مكافحته.
كما أن أكثر السياسيين تأييدا لإعادة الجماهير للملاعب لا يتحدثون عن آرائهم صراحة، بل يحاولون إلصاقها بالناس؛ وبدلا من استخدام صيغة محددة واضحة، يميلون لصيغ خطابية مطاطية ولا تعكس آراءهم الشخصية، خوفا من تحمل مسؤولية القرار، وفق صحيفة "ذود دويتشه تسايتونج" الألمانية.
وفي تصريحات صحفية قبل أيام، قال هورست زيهوفر وزير الداخلية الألماني: "لا يفهم الناس لماذا يُسمح للكثير منهم بالتنقل في وسائل مواصلات ضيقة ومزدحمة، ولا يسمح في نفس الوقت بإقامة مباراة كرة قدم في حضور عدد من الجماهير مع مراعاة المسافات الآمنة".
وحاول زيهوفر الحديث بلسان الناس، لكن هؤلاء لم يحسموا موقفهم أيضا بشكل قاطع. ووفق آخر استطلاع أجري قبل أيام ونشرته ذود دويتشه تسايتونج، فإن 45% من الألمان يؤيدون عودة الجماهير للملاعب، فيما يرفضها 45% آخرين، ويقول 10% إنهم لم يكونوا رأيا واضحا في هذه المسألة.
وفي حديث لـ"العين الرياضية"، قال أندريس شنايدر (٣٥ عاما)، الذي اعتاد حضور مباريات فريقه المفضل بايرن ميونيخ في ملعبه الشهير أليانز أرينا: "أفتقد الملعب والحماس والصياح مع كل هجمة ضائعة، وفرحة كل هدف، تجربة ملعب كرة القدم لا تعوض".
وتابع: "لم أعتد البقاء كل هذه المدة بعيدا عن مباريات بايرن في أرينا، وأشعر بالرغبة في عودة الحياة للملعب، لكن الأمر ليس بهذه السهولة".
وأضاف: "أتصور أنه يمكن إيجاد حل موحد يمكن اتباعه في كل ملاعب البلاد يضمن السلامة الصحية وحضور الجماهير في آن واحد"، موضحا: "يمكن السماح لنحو ٥ آلاف إلى ١٠ آلاف متفرج في كل مباراة".
ومضى قائلا "كما يجب إجبار الحاضرين على ارتداء الأقنعة الطبية (الكمامات)، والحفاظ على المسافات الآمنة".
ويعد الدوري الألماني من أكثر الدوريات الأوروبية جذبا للجماهير، بل إن ملاعب أندية مثل بايرن ميونيخ وبروسيا دورتموند تجذب 57 ألف مشاهد في المتوسط بالمباراة الواحدة، فيما يجذب يونيون برلين، أقل فريق من حيث الحضور الجماهيري بنحو 16 ألف مشاهد في كل لقاء.
موقف الاتحاد الألماني
الاتحاد الألماني لكرة القدم لم يتخذ موقفا حاسما حيال الأزمة، وقال في بيان يوم الجمعة الماضي إنه "يعمل مع وزارة الصحة الاتحادية على تفاصيل عودة مشجعي كرة القدم إلى ملاعب الدوري الألماني".
وأوضح أن: "هناك مناقشات بالفعل تدور حول المتطلبات والشروط الإطارية لإعادة الجماهير للملاعب".
وفي إفادة لـ"العين الرياضية"، قال المكتب الإعلامي في الاتحاد الألماني لكرة القدم إن: "الامتثال المستمر لأعلى معايير الحماية من العدوى هو مطلب أساسي لتمكين الجماهير من حضور مباريات كرة القدم مرة أخرى".
واختتم بقوله: "لكن الإجراءات المطلوبة لتنظيم عودة الجماهير والأعداد المسموح بها، متروكة للسلطات الصحية المحلية في كل ولاية".
ضربة لتكافؤ الفرص
موقف الاتحاد الألماني الذي صدر المشكلة إلى السلطات المحلية في كل ولاية ومدينة، يعني خللا في مبدأ تكافؤ الفرص، وفق صحيفة زود دويتشه تسايتونج.
وعلى سبيل المثال، حصل نادي لايبزيج على موافقة رسمية من سلطات المدينة في شرق ألمانيا، لحضور ٨ آلاف و500 مشجع كل مبارياته المقامة على ملعبه ابتداء من لقاءه ضد ماينز في مستهل منافسات الدوري الألماني ٢٠ سبتمبر/ أيلول الحالي.
كما سمحت سلطات ولاية برلين لأنديتها، وهي هيرتا برلين ويونيون برلين، بإدخال 5000 متفرج للمدرجات مع انطلاق المنافسات.
فيما سمحت سلطات مدينة بريمن شمالي البلاد لفريقها العريق فيردر بريمن بحضور 400 مشجع فقط في المباريات المقامة على ملعبه.
وفي هذا الإطار، قال هوبرتوس هيس جرونيفالد عضو مجلس إدارة فيردر بريمن: "ميزة اللعب على ملعبك تكتمل بدعم الجمهور، لن يكون جيدا أن تلعب الفرق منافسات الدوري المحلي دون وجود قواعد موحدة تنظم حضور المشجعين".
لكنه عاد وقال: "حقيقة أن لايبزيج يلعب في حضور الجماهير هي خطوة في الاتجاه الصحيح لاعادة الوضع الطبيعي".
ودخل أرمين لاشيت، رئيس حكومة ولاية شمال الراين ويستفاليا "غرب" على الخط، وقال في تصريحات صحفية قبل أيام: "إذا لعب أحد في حضور 8 آلاف متفرج على ملعبه فهو يملك ميزة في مواجهة من يلعب أمام مدرجات فارغة"، معتبر أن: "هذا الأمر بمثابة تشويه للتنافسية".
وتابع "نحن بحاجة ماسة لقواعد موحدة تنظيم عودة الجماهير لملاعب كرة القدم في ألمانيا".
ورغم هذه الاعتراضات رفيعة المستوى، لا يرى الاتحاد الألماني مشكلة تمس التنافسية، في لعب البعض فقط في حضور جماهيري، وفق الصحيفة نفسها.
وحسب الصحيفة، فإن الاتحاد الألماني يرى أن كل ولاية تنظم الأمر حسب رقعة وقوة تفشي فيروس كورونا، ولا يمكن حرمان الأندية التي تلعب في ولايات تشهد تراجع في تفشي المرض من بعض جماهيرها.
ووفق تقديرات إعلامية، خسرت أندية الدوري الألماني مجتمعة 140 مليون يورو بسبب غياب الجماهير عن الملاعب، حيث يعد عائد بيع تذاكر المباريات من أهم مداخيل الأندية.
ورغم مخاوف السياسيين وخسائر الأندية، فإن العودة الجزئية للجماهير لملاعب كرة القدم في ألمانيا مع انطلاق الموسم الجديد في النصف الثاني من الشهر الحالي، تعد خطوة في اتجاه إعادة الحياة الطبيعية للملاعب، ونجاح ألماني جديد ينتظر أن يدفع دول أوروبية أخرى للسير في نفس الاتجاه، وفق تقرير لصحيفة فرانكفورتر ألجماينه الألمانية.
لكن لن تمتلئ مدرجات أليانز أرينا أو سيجنال أدونا بارك ملعب بروسيا دورتموند، بنحو 57 ألف متفرج كما كان الحال قبل الأزمة، إلا في وجود لقاح فعال ضد كورونا.
وفي الوقت الحالي، ستكتفي الأندية ببضعة آلاف في أفضل الأحوال يجلسون على مقاعد متناثرة في كل أرجاء الملعب، لكن يجب ضمان حدوث ذلك في كل الملاعب لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص، حسب الصحيفة ذاتها.