بوركينا فاسو والتأشيرات المجانية.. تكامل أفريقي أم ثغرة للإرهاب؟

في خطوة تحمل رمزية وحدوية تتجاوز بعدها الإداري، فتحت بوركينا فاسو أبوابها أمام الأفارقة بإعفاء مواطني القارة من رسوم التأشيرات، في رسالة تُعيد الاعتبار لفكرة «البيت الأفريقي الواحد».
القرار، الذي يأتي من قلب منطقة الساحل المنهكة بالإرهاب، يُقرأ كإشارة سياسية إلى رغبة بوركينا فاسو في ترسيخ روابط تتخطى الحدود المصطنعة، وبناء شبكات تواصل شعبية ورسمية تعزز التضامن القاري في مواجهة التهديدات الأمنية العابرة للحدود.
غير أن هذه الخطوة التي تبشر بآفاق انفتاح، تثير في الوقت ذاته مخاوف من أن تتحول إلى منفذ جديد للجماعات المتطرفة والمهربين إن لم تُرفق بآليات تحقق صارمة وتنسيق استخباراتي عابر للدول.
وأقرت حكومة بوركينا فاسو، خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير، مجانية التأشيرات لجميع الأفارقة الراغبين في دخول البلاد، في قرار لا يعني إلغاء نظام التأشيرات، بل الإعفاء من الرسوم المالية فقط، مع إلزامية ملء استمارة إلكترونية والحصول على موافقة السلطات الأمنية، بحسب إذاعة «إر.إف.إي» الفرنسية.
وقبل هذا الإجراء، كانت تكلفة التأشيرة السياحية تصل إلى نحو 55 ألف فرنك إفريقي (84 يورو)، بينما بلغت كلفة التأشيرة التجارية 93,500 فرنك إفريقي (142 يورو)، وهو ما مثل عبئًا على المسافرين من داخل القارة.
فما تأثيرات تلك الخطوة؟
من جانبه، قال آزِيزو عبدول غاربا، الباحث النيجري، في جامعة نيامي المتخصص في الأمن بمنطقة الساحل لـ«العين الإخبارية»، إن التأشيرة المجانية ليست هدفًا في حد ذاته، بل وسيلة لتمكين حركة أكثر نشاطًا للأشخاص والأفكار والموارد المالية، ما قد يدعم الجيل الجديد من التعاون عبر الحدود.
وأوضح الباحث النيجري، أن تخفيض العقبات البيروقراطية، ينعكس إيجابا على المراقبة والتبادل الأمني بحيث يصبحان أسهل، شرط أن ترفق خطوات تأكيد هوية والموافقة الأمنية السريعة التي تعزز الرقابة والتنسيق الاستخباراتي.
ولفت إلى أن المجلس العسكري في بوركينا فاسو يعاني من ضعف الثقة، وخاصة في المناطق المتضررة من الإرهاب، حيث يشعر السكان أحيانًا بأن الدولة غريبة أو منعزلة.
ورأى أن إجراء كهذا، بصورته البان-أفريقية، يرسل إشارة قوية مفادها: أن الدولة لا تخشى من الانفتاح، وأنها تبحث بناء تحالفات مع الدول الأفريقية الأخرى للتضامن في المصير الأمني المشترك، مشيرا إلى أن هذه الرسالة يمكن أن تساهم في تحسين شرعية الحكومة أو على الأقل، تعزيز الوحدة الوطنية أمام بلد يواجه تهديدات متكررة من الجماعات المسلحة.
مخاطر محتملة
ورغم الإيجابيات، يحذر غاربا من أن المجانية قد تستغل أيضًا من قبل عناصر غير مرغوب فيها، من المهربين إلى الجماعات الإرهابية، إذا لم تُفرض آليات تحقق قوية.
فوجود نظام إلكتروني لاستقبال طلبات التأشيرة والمتابعة الأمنية ضروري، كما يجب تعزيز التنسيق مع الدول المجاورة لتبادل المعلومات عن الدخول البري أو الطرق غير النظامية، يضيف غاربا، مشيرًا إلى أنه بدون ذلك، فإن المجانية قد تُفتح ثغرات للاستغلال، ما يضع الدولة أمام مخاطر أمنية مضاعفة.
المبادرة ومكافحة الإرهاب
في رأي غاربا، هذه المبادرة هي جزء من استراتيجية أوسع لمكافحة الإرهاب لا تقتصر فقط على العمل العسكري، بل على جوانب أخرى:
- الحد من عزلة بوركينا فاسو
- تحسين التعاون الاستخباراتي
- استقطاب الدعم الأفريقي والدولي
- خلق شبكة حدودية تمكن من مراقبة الحركة غير القانونية.
وأوضح أنه إذا نجحت هذه المبادرة، ستساعد أيضًا في تعزيز التغطية الأمنية في المناطق الحدودية، التي غالبًا ما تكون بؤرًا للتسرب الإرهابي.
الأمن المنهجي مقابل الإجراءات الرمزية
بدوره، قال جون-هيرفيه جزيكل، الباحث في مركز البحوث الدولي للأزمات في داكار، والمتخصص في النزاعات في الساحل وبناء مؤسسات الدولة لـ«العين الإخبارية»، إن الاستراتيجية الأمنية الشاملة لا تبنى على الإعلانات الرمزية وحدها.
ورأى جزيكل أن قرار التأشيرة المجانية هو «خطوة رمزية مهمة، لكن الأثر الحقيقي يعتمد على مدى إدماجها في هيكل أمني مؤسسي، ويشمل ذلك تحسين القدرات على الرقابة الحدودية، الكاميرات والمراقبة، وجهاز شرطة الهجرة.
وأضاف أن هناك فرقا بين أن تقول «الحدود مفتوحة للأفارقة بشرط الموافقة الأمنية»، وبين أن تنفذ ذلك بحق مع موارد تكفي لضمان ألا تُسيَغ كخيار للتنقل غير المشروع، أو تدفق الإرهابيين، أو المهربين، أو الأفراد الذين يدخلون البلاد لأغراض خبيثة.
عزلة إقليمية
وبحسب المتخصص في النزاعات، فإن بوركينا فاسو، انخرطت مع دول مثل مالي والنيجر، في تكتلات إقليمية جديدة أو غير رسمية (مثل تحالف دول الساحل)، وأعلنت انسحابها من بعض الأطر مثل: «الإيكواس»، ما يعني أن إقامة سياسات مثل التأشير المجاني، تعد رسالة مفادها: نحن لا نعتمد فقط على الأطر السابقة، بل نبني علاقات جديدة.
خطوة اعتبرها جزيكل، «مفيدة في تحسين التعاون الأمني، وتبادل المعلومات مع دول الجوار، وتأسيس ثقافة شفافية مشتركة في التشهير بالإرهاب، التنظيم المالي، ومكافحة التهريب».
التحدي الأكبر
تلك الخطوة، إذا كانت جزءًا من استراتيجية أمنية مدروسة، ومراقبة وتنسيق أفريقي، فإنها قد تُسهّل الكشف عن الشبكات الإرهابية، وإغلاق المنافذ الإرهابية، وتقليل الدعم اللوجستي الذي قد تحصل عليه الجماعات المسلحة عبر الحدود، بحسب جزيكل.
بين الانفتاح والأمن القومي
ويرى جزيكل، أنه على السلطات البوركينابية أن تحافظ على توازن دقيق بين الانفتاح كخيار سياسي ودبلوماسي مقنع، وضرورة الحفاظ على الأمن، محذراً من أن أي إهمال في التحقق، أو ضعف في التنسيق مع الدول المجاورة، أو الغياب الفعلي للمراقبة الحدودية، قد يترجم إلى تكاليف باهظة.
«لكن في المقابل، إذا نفذت المبادرة بطريقة استراتيجية مدعومة بتمويلٍ مناسب وبإصلاحات إدارية قوية، فإنها قد تشكل درسًا لمنطقة الساحل حول كيفية استخدام الانفتاح والمشاريع الرمزية لتعزيز الأمن الفعلي والمشاركة المؤسساتية»، يقول جزيكل.