من بوركينا فاسو إلى قمة التمويل الأفريقي.. إدريسا ناسا قصة نجاح صنعت فارقا

في ظل التحولات العميقة على المستويين الإقليمي والعالمي، لمع نجم رجل الأعمال البوركينابي إدريسا ناسا، كواحد من أبرز الوجوه في القطاع المصرفي بغرب أفريقيا، بعدما حصد لقب "الرئيس التنفيذي للعام" خلال جوائز Africa CEO Forum 2025.
هذه الجائزة تنظمها مجموعة "جون أفريك ميديا جروب"، بالشراكة مع مكتب الاستشارات الدولي "مازارس".
هذا التتويج لم يكن مفاجئًا، بل تتويج لمسيرة ملهمة بدأها ناسا من لا شيء، حين أسس مؤسسة صغيرة للتمويل الصغير في بوركينا فاسو، قبل أن يحولها إلى مجموعة مصرفية إقليمية تُعد اليوم من ركائز النظام المالي في منطقة غرب إفريقيا، بحسب مجلة "جون أفريك" الفرنسية.
من مؤسسة محلية إلى مجموعة مصرفية كبرى
وتأسست كوريس بنك إنترناشيونال عام 2008، وتمكنت في ظرف سنوات قليلة من ترسيخ وجودها في جميع دول الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (UEMOA)، أي في ثمانية بلدان، بالإضافة إلى التوسع في كل من غينيا وتشاد والرأس الأخضر. وتُصنف المجموعة اليوم كثالث أكبر مؤسسة مصرفية في منطقة UEMOA بحصة سوقية تقارب 10%.
وتحقق هذا الإنجاز في سياق اقتصادي صعب، حيث يواجه القادة تحديات متزايدة مثل تقلبات الأسواق العالمية، عدم الاستقرار السياسي في بعض الدول الإفريقية، وتحديات التحول الرقمي في قطاع المال. ومع ذلك، تمكن إدريسا ناسا من قيادة كوريس بنك إنترناشيونال بخطى ثابتة نحو النجاح.
استحواذات مدروسة وتنوع استراتيجي
تميزت السنوات الأخيرة بنشاط كبير للمجموعة على مستوى الاستحواذات والتوسع. فقد استحوذت CBI على 67.8% من أسهم سوسيتيه جنرال في فرعها المحلي بدولة تشاد، وذلك بعد أن أنهت المجموعة أيضًا صفقة الاستحواذ على فرع ستاندرد تشارترد في كوت ديفوار. وعلى الرغم من اعتراض السلطات الكاميرونية على استحواذ CBI على فرع سوسيتيه جنرال هناك، لم يتوقف طموح ناسا، الذي يوجّه أنظاره حاليًا نحو الغابون كوجهة محتملة لتوسيع حضوره في وسط أفريقيا.
هذا التوسع لا يقتصر فقط على القطاع المصرفي. إدريسا ناسا، من خلال مجموعة كوريس للاستثمار Coris Investment Group، قاد عملية تنويع استثنائية نحو قطاعي الطاقة والتعدين، ما يعكس رؤية متعددة الأبعاد لبناء تكتل اقتصادي شامل.
طموح في قطاع الطاقة والمناجم
ودخلت مجموعة كوريس بقوة إلى سوق الطاقة من خلال الاستحواذ على أصول شركة "توتال إنرجي" في قطاع التوزيع النفطي في بوركينا فاسو. وفي مجال التعدين، استحوذت الشركة التابعة لها Nioko Resources على حصة الأغلبية في شركة Hummingbird Resources البريطانية، ما منحها السيطرة على منجم يانفوليلا للذهب في مالي، ومنجم كوروسا في غينيا.
بهذا التوسع المتعدد الأوجه، أصبح إدريسا ناسا اليوم أحد الفاعلين الأساسيين في القطاعين المصرفي والصناعي بغرب أفريقيا، جامعًا بين الطموح الريادي والقدرة على اقتناص الفرص في بيئة أفريقية غالبًا ما تكون معقدة ومليئة بالتحديات.
الرؤية المستقبلية
يمثل فوز إدريسا ناسا بجائزة "الرئيس التنفيذي للسنة" أكثر من مجرد تكريم فردي. إنه اعتراف بنموذج قيادي أفريقي قادر على التحول من مبادرة محلية صغيرة إلى مجموعة مالية وصناعية لها وزنها في القارة. كما يعكس هذا الإنجاز أهمية المبادرات التي تجمع بين الرؤية الاستراتيجية، والقدرة على التنفيذ، والالتزام بالتنمية الاقتصادية المحلية.
وبينما تستعد القارة الأفريقية لمواجهة تحديات السنوات المقبلة، مثل الأمن الغذائي والتحول الرقمي والانتقال الطاقي، تبرز شخصيات مثل إدريسا ناسا كرموز ملهمة لمستقبل ريادة الأعمال الأفريقية — مستقبل يتسم بالاستقلالية الاقتصادية والتكامل الإقليمي والطموح العالمي.
ووفقاً للمجلة الفرنسية فإن إدريسا ناسا ليس مجرد مصرفي أو مستثمر، بل هو مهندس حقيقي لتحول اقتصادي أفريقي يجمع بين الجرأة والرؤية طويلة المدى. وتأتي جائزة "الرئيس التنفيذي للسنة" لتؤكد أن ريادة الأعمال في أفريقيا لا تزال قادرة على إنتاج قادة استثنائيين قادرين على إحداث التغيير من قلب القارة، وبأدواتها.