محاولة انقلابية ببوركينا فاسو.. الأسباب والتداعيات وسيناريو «قاتم»
محاولة انقلابية فاشلة في بوركينا فاسو، تعيد تفنيد الواقع الأمني والسياسي في البلد الأفريقي، وتدق ناقوس الخطر من سيناريو خطير.
وأعلنت بوركينا فاسو، إحباط محاولة انقلابية، شارك فيها الرئيس المؤقت السابق، وعسكريون و«إرهابيون».
ونقلت وكالة "نوفا" الإيطالية للأنباء عن وزير الأمن في بوركينا فاسو محمدو سانا، قوله في بيان متلفز إن "دميبا شارك في محاولة انقلاب فاشلة"، لافتا إلى أن الهجوم المسلح الذي نفذه إرهابيون في 24 أغسطس/آب الماضي، ضد قرية "بارسالوغو"، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 200 شخص، كان بداية للانقلاب.
واتهم الوزير، مدنيين وعسكريين يعيشون في الخارج، بمحاولة "زعزعة استقرار بوركينا فاسو بمساعدة قوى أجنبية".
وأضاف: "دفع هؤلاء الأشخاص أموالا لجماعات إرهابية لمهاجمة القصر الرئاسي وقاعدة طائرات عسكرية، ومطار، وتنفيذ هجمات بالقرب من حدود ساحل العاج المجاورة".
دور لفرنسا؟
وتعليقا على أسباب هذه المحاولة، قال الدكتور عبد المهيمن محمد الأمين رئيس جامعة الميغلي الأهلية الدولية في النيجر، إنه منذ تولي تراوري وتوليه السلطة بالبلاد، "ابتعد التوجه في دول المثلث الساحلي مالي وبوركينا فاسو والنيجر عن فرنسا وأمريكا، واتجه نحو روسيا والصين وتركيا وإيران".
الأمين تابع لـ"العين الإخبارية"، أن "هناك البعض في بوركينافاسو وخاصة قدامى السياسيين، لديهم ارتباطات أيديولوجية ومصالح مع فرنسا والغرب لا يعجبهم هذا التوجه"، مضيفا أن "فرنسا رغم أنها خرجت من البلاد، لكنها لن ترضى أيضا بهذا التوجه، ولابد أن تتحرك وتغير هذا الوضع".
وتابع: "هناك تغيير كبير جدا في هذه المحاولة الانقلابية، ويظهر ذلك من التقرير الذي تم تقديمه عن المحاولة، والذي يعكس مدى تطور الاستخبارات في البلدان الثلاثة (مثلث الساحل)، ومدى التعاون بينهم من أجل إحباط هذه المحاولة والكثير من المخططات الإرهابية".
"الفسحة انتهت"
ورأى الخبير النيجري أن العبارة التي تم ترديدها بأن "الفسحة قد انتهت" في إعلان الحكومة عن فشل هذا الانقلاب، "توحي بأن هذه الدول أصبحت مستعدة وتعمل على قدم وساق لملاحقة وإفشال كل ما يمس الأمن الوطني وهذا التوجه الجديد".
ومضى قائلا إن تداعيات هذه المحاولة "تكمن في أن هناك مجموعات من الجيش وبعض كبار السياسيين سيتم تحريكهم بوعود من فرنسا لتحريك الوضع في البلاد".
قبل أن يضيف: "لكنّ هناك رسالة قوية بأن الحكومة متيقظة لأي محاولة، وستتصدى لها مع بقية دول كونفيدرالية الساحل".
واستطرد أن الدول الثلاث "بدأت تعتمد على نفسها بتبادل المعلومات والتوجه الإيجابي للكونفدرالية بينهم، وتدرك على كل المستويات بأن نجاح هذه الكونفدرالية يتوقف على أبنائها".
الواقع الأمني
من جهته، قال الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية، إن «الأوضاع في بوركينا فاسو تشهد حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار والمحاولات المتكررة لتغيير النظام الدستوري».
وتابع تورشين لـ"العين الإخبارية"، أن "ذلك يعود إلى الإطاحة بالرئيس السابق والذي لم يوفق في محاربة الجماعات الإرهابية، والتي أصبحت تسيطر على مساحات واسعة من البلاد".
مضيفا أن "ذلك هو الذي قاد المؤسسة العسكرية إلى الانقلاب.. عندما فشل رئيس المجلس العسكري السابق بول هنري في وضع حد للجماعات الإرهابية انقلب عليه تراوري في ظروف معقدة وفي فترة زمنية لم تتجاوز العام".
واعتبر أن "أي محاولة انقلابية في البلاد هي نتيجة للواقع الأمني الذي تعاني منه خاصة تمدد الجماعات الإرهابية"، مضيفا: "ذلك الوضع الأمني يدفع فصائل من المؤسسة العسكرية إلى تحميل تراوري النتيجة، وربما تسعى بشكل أو بآخر إلى الإطاحة به وتغيير نظام الحكم، استنادا إلى فشل الحكومة في مواجهة تلك الجماعات الإرهابية".
سيناريو المستقبل
بدوره أوضح الكاتب الصحفي الموريتاني عبدالله أمباتي، أن "تراوري وصل للسلطة بمفارقتين تختلف عن زملائه في دول الساحل"، مشيرا إلى أن الأخير "ينتمي لأقلية في المجتمع البوركيني، ومن صغار الضباط، ويقود رتب كبيرة في الدولة".
وأضاف أن تراوري "شكل لنفسه محمية داخل القصر الرئاسي عن طريق مليشيات خاصة توفر له الحماية والأمن، وعزز علاقته مع روسيا، والتي وفرت له الدعم من خلال مجموعة فاغنر وفرقة أخرى تسمى الدب، وهي مجموعة خاصة كانت موجودة بالبلاد"، مشيرًا إلى أنه "كلما أتيحت الفرصة للضباط في المؤسسة العسكرية، والذين يمثلون العمق الاجتماعي وحواضن كبيرة إلى الامساك بالرئاسة".
وتابع أن "تراوري شبه مقيد في الحركة في عموم البلاد، لكنه لديه مجموعة قويه تؤمن مقر حكومته، وهذا هو السبب في فشل المحاولات الانقلابية"، متوقعا "مزيد من المحاولات الانقلابية في البلاد للإطاح بالرئيس الحالي، ثم تأسيس حكومة تباركها المؤسسة العسكرية".
سلسلة انقلابات
وتأتي المحاولة الانقلابية الجديدة بعد سلسلة انقلابات شهدتها بوركينا فاسو في السنوات الأخيرة، بالتزامن مع انتشار الجماعات الإرهابية المسلحة في مناطق واسعة في البلاد، واتخاذها حواضن لمسلحيها، خصوصا في الشمال.
وأعلن الرئيس إبراهيم تراوري مرارا إحباط محاولات انقلاب في البلاد خلال الأشهر التي تلت توليه السلطة.
وفي يناير/كانون الثاني 2022، وقع انقلاب تولى بموجبه السلطة بول هنري سانداوغو داميبا، الذي أطاح به انقلاب آخر بعد 8 أشهر فقط، بقيادة الرئيس الحالي.
تهديد السيادة
وتعد بوركينا فاسو إحدى دول المثلث الساحلي في غرب أفريقيا، بل تعتبر أكثرها تعرضا للهجمات الإرهابية في المنطقة.
وفي عام 2015، تسلل المسلحون من مالي إلى شمال البلاد وقاموا بشن هجمات، ما أدى إلى زعزعة الاستقرار.
ومنذ توليه السلطة في 2022، تعهد تراوري بالقضاء على الإرهاب. وبعدما وعد بأن يكون زعيما مؤقتا لبضعة أشهر فقط، أطلق زعماء دينيون وعسكريون وسياسيون عليه لقب القائد الأعلى للقوات المسلحة وفوضوه لقيادة البلاد لمدة 5 سنوات أخرى.
ثم اتهم تراوري الولايات المتحدة والدول الأوروبية بتهديد سيادة بوركينا فاسو، وأمر العام الماضي القوات الخاصة الفرنسية المتمركزة في البلاد بالمغادرة.