فراشات في معدتك.. إحساس غامض يكشفه العلم
قبل دقائق من امتحان مهم، أو موعد عاطفي أول، أو حتى عند الوقوف أمام الجمهور، تظهر خفقة خفيفة بالمعدة نسميها مجازا "فراشات البطن".
هذا الشعور ليس خيالا ولا صدفة، إنه رسالة فسيولوجية يطلقها الجسم عندما تختلط العاطفة بالتوتر. لكن من أين يأتي بالضبط؟ وما الذي يحدث داخل أمعائنا حين نشعر بالقلق أو الحماس؟

وبحسب علماء الأعصاب وعلم النفس، فإن معدة الإنسان هي واحدة من أوضح الأمثلة على الاتصال العميق بين الجهاز الهضمي والجهاز العصبي، وهو ما يُعرف اليوم بمحور "الأمعاء–الدماغ".
توضح ميليسا هانت، أخصائية علم النفس بجامعة بنسلفانيا، أن هذا الارتباط يبدأ منذ المراحل الأولى لنمو الجنين، حيث يتكون الدماغ والحبل الشوكي والجهاز الهضمي من شبكة عصبية واحدة شديدة الترابط. وتقول: "ملايين الخلايا العصبية تنقل إشارات من الأمعاء إلى الدماغ، ومثلها تعود من الدماغ إلى الأمعاء."
وهذا المحور العصبي الحيوي يعمل من خلال الهرمونات والناقلات العصبية، إضافة إلى شبكة من الأعصاب المباشرة وحتى بكتيريا الأمعاء التي تؤثر في حالتنا النفسية والجسدية معا.
ويصف جون كريان، أستاذ التشريح وعلم الأعصاب بجامعة كورك في أيرلندا، هذا الشعور بقوله: "فراشات المعدة تجسيد ملموس للحوار المستمر بين الدماغ والأمعاء عبر مسارات عصبية وهورمونية وميكروبية."
كيف تتولد فراشات المعدة؟
يبطن الجهاز الهضمي عدد هائل من الخلايا العصبية التي تعمل ضمن الجهاز العصبي اللاإرادي، المسؤول عن الوظائف الحيوية اللاإرادية كالنبض والهضم.
وينقسم هذا الجهاز إلى جناحين متعاكسين: الجهاز العصبي الودي (الهروب أو المواجهة)، والجهاز العصبي نظير الودي (الراحة والهضم)، وعندما يشعر الإنسان بالتوتر، ينطلق رد "الهروب أو المواجهة"، فيُفرز الجسم هرمونات الضغط مثل الكورتيزول، وهذه الهرمونات تبطئ الهضم في المعدة والأمعاء الدقيقة، بينما تزيد حركة الأمعاء الغليظة، ما يؤدي إلى انقباضات تشبه الارتجاف، فتظهر «الفراشات» وقد تتطور إلى غثيان أو إمساك أو إسهال.
ويضيف كريان تفسيرا تطوريا "إيقاف الهضم وتحويل الطاقة للخطر كان يساعد أسلافنا على النجاة. وكانت الانقباضات الداخلية بمثابة إنذار داخلي للحظات المصيرية أو المجهولة."
دور بكتيريا الأمعاء في الإحساس بالقلق
وتشير الدراسات إلى أن الميكروبيوم، مجموع البكتيريا المقيمة في الأمعاء، يؤثر بشكل غير مباشر في شدة إحساس "الفراشات"، فالبكتيريا تفرز مواد تؤثر في الإشارات العصبية بين الأمعاء والدماغ، ما يجعل بعض الأشخاص أكثر حساسية أو أكثر قدرة على التكيّف مع التوتر.
ويقول كريان: "الميكروبيوم لا يسبب الارتجاف مباشرة، لكنه يحدد قوة استجابتنا وكيف نتعافى منها، فالميكروبيوم المتنوع يُخفف التوتر، بينما الاضطرابات البكتيرية قد تزيده".

طريق باتجاهين.. عندما يسبب القلق اضطرابات هضمية والعكس
وكما يستطيع الضغط النفسي تعطيل الجهاز الهضمي، فإن مشكلات الأمعاء المتكررة قد تؤدي إلى توتر وقلق مستمرين.
وتشير دراسة لجامعة هارفارد إلى أن التوتر يزيد أعراض اضطرابات محور "الأمعاء–الدماغ "مثل " متلازمة القولون العصبي" ،"عسر الهضم الوظيفي"، وهذه الحالات لا تظهر دائما في الفحوصات، لكنها تسبب آلاما حقيقية ومعاناة قد تؤثر على جودة الحياة.
وتوضح هانت أن القلق المستمر يخلق حلقة مفرغ، حيث" يصبح الشخص شديد المراقبة لجسده، فيضخم الإحساس بالأعراض، ما يزيد القلق وبالتالي تزيد الاضطرابات الهضمية"، لهذا تُستخدم العلاجات السلوكية لكسر هذا الارتباط السلبي بين القلق والجهاز الهضمي.