«الكادميوم».. سم «خفي» يهدد الفرنسيين

في وقت تتزايد فيه القضايا الصحية المرتبطة بالتلوث والبيئة، تدق فرنسا ناقوس خطر جديد، وهذه المرة بسبب الكادميوم، المعدن الثقيل السام، الذي بدأ يكشف عن تهديده الكامن في صحن الطعام والتربة وحتى الهواء.
رسالة تحذيرية نشرتها صحيفة "ويست فرانس" أشعلت الجدل، وسط دعوات إلى التحرك العاجل لتجنب تكرار سيناريوهات فضائح صحية سابقة، مثل قضية الأسبستوس.
وفي الرسالة التحذيرية التي نشرها كريستوف لالوويت من منطقة إيل وفيلان، ضمن فقرة "بريد القارئات والقراء"، عبّر عن استيائه العميق من تعرض المستهلكين في فرنسا لخطر الكادميوم، قائلاً: "الأطباء في القطاع الخاص يطلقون جرس الإنذار من جديد، حيث وجهت الاتحادات الإقليمية لمهنيي الصحة رسالة للحكومة في 2 يونيو/حزيران 2025.
وتساءل في رسالته "هل نحن على أعتاب فضيحة صحية جديدة؟ الكادميوم، وهو معدن ثقيل يُستخدم في الزراعة التقليدية (غير العضوية)، يرتبط بظهور أنواع من السرطان لدى البالغين الشباب، ويوجد بشكل خاص في الحبوب التي يعشقها أطفالنا منذ نعومة أظافرهم"، بحسب صحيفة "ويست فرانس" الفرنسية.
وأضاف: "على الدولة أن تتحرك سريعًا لحماية سكانها، وإلا فستواجه اتهامات بالإهمال الجسيم كما حدث مع ضحايا الأسبستوس (الأميانت). على الوكالات الصحية الإقليمية أن تقوم بدورها في حماية صحة الفرنسيين، حتى في حالة الاشتباه فقط بوجود خطر".
وختم بدعوة صارخة: "أيها المرضى المتضررون من الزراعة المكثفة، اتحدوا للهروب من مصيركم البائس!".
الكادميوم.. خطر خفي في التربة وأجسام الفرنسيين
معدن ثقيل سام، يتسلل إلى أجسام المواطنين عبر الغذاء والتدخين، ويفرض نفسه اليوم كقضية صحية ملحة.
أعربت الاتحادات الإقليمية للأطباء في 2 يونيو/حزيران عن "قلقها الشديد" من انتشار تلوث الكادميوم، داعية الدولة إلى اتخاذ إجراءات فورية، لا سيما أن هذا المعدن يدخل في تركيب الأسمدة الفوسفاتية المستخدمة في الزراعة التقليدية.
وسبق أن كشفت الصحة العامة في فرنسا سنة 2021 عن ارتفاع مستوى التلوث بالكادميوم في فرنسا مقارنة بباقي الدول الأوروبية، ما يثير مخاوف جدية بشأن تبعاته الصحية، ومنها: أمراض الكلى، وهشاشة العظام (كالإصابة بهشاشة العظام)، ومشاكل في الخصوبة، وزيادة خطر الإصابة بسرطان البروستات والثدي، وشُبهات حول ارتباطه بسرطان البنكرياس
وإذا كان وزير الصحة يانيك نويدر قد أعلن عن تسهيلات قادمة في تعويض تكاليف الفحوصات الخاصة بالكادميوم، فإن السؤال الحقيقي المطروح هو: كيف يمكن الوقاية من هذا الخطر؟
الإقلاع عن التدخين
يُعد التدخين أحد أبرز مصادر التعرض للكادميوم. ووفق بيانات الصحة العامة الفرنسية، فإن مستوى التلوث في أجسام المدخنين يزيد بنسبة 53% عن غير المدخنين. لذلك فإن الإقلاع عن التدخين – بما فيه السلبي – هو خطوة أولى وحاسمة في تقليل التعرض.
بالنسبة للأطفال والبالغين غير المدخنين، فإن الغذاء هو المصدر الرئيسي للتعرض للكادميوم، حيث يتجاوز 14% من الأطفال الكمية اليومية المقبولة، حسب الوكالة الوطنية لسلامة الغذاء في فرنسا.
أطعمة عالية التلوث بالكادميوم
الأحشاء (الكبد، الكلى...)، الطحالب، القشريات، الرخويات، لكن استهلاكها العام منخفض، وبالتالي خطرها أقل.
أخطر الأطعمة يوميًا: الخبز، الحبوب ومشتقاتها (كالكوكيز)، البطاطس، وهي أطعمة يومية يصعب الاستغناء عنها.
تعديل ممارسات الزراعة
الحل الأساسي لا يكمن فقط في قرارات فردية، بل في تحول جذري في طرق الزراعة. حيث لا تزال الأسمدة الفوسفاتية المستعملة في فرنسا تحتوي على نسب عالية من الكادميوم، رغم توصية ANSES منذ 2019 بتقليلها، دون تطبيق فعلي حتى اليوم.
ويُوضح تيبو ستيركمان، باحث في المعهد الوطني الفرنسي للزراعة والبيئة، أن الخطر الأكبر يكمن في "المخزون التاريخي للكادميوم في التربة"، الذي سيستمر في تلويث المحاصيل لفترات طويلة، نظرًا لبطء خروجه من التربة وعدم قابليته للتحلل.
كما يشير إلى ضرورة اختيار أصناف من القمح أو البطاطس لا تمتص الكادميوم بكثافة. لكنه يقر أن هذا الحل، رغم كونه واعدًا، يتطلب سنوات من الأبحاث والاختبارات.
الزراعة العضوية... هل هي الحل؟
دعت اتحادات الأطباء الحكومة إلى دعم قوي للزراعة العضوية، مستشهدين بدراسة من 2014 أكدت أن نسبة الكادميوم في المنتجات العضوية أقل بـ 48% من مثيلاتها التقليدية.
لكن تيبو ستيركمان يحذر من الإفراط في التفاؤل، مشيرًا إلى أن "الأراضي التي تحولت حديثًا للزراعة العضوية، غالبًا ما تحمل تلوثًا تراكم من فترات الاستخدام التقليدي"، وأن فترة التحول التي تمتد بين سنتين إلى ثلاث سنوات كافية للتخلص من المبيدات، لكنها لا تكفي لإزالة الكادميوم.
aXA6IDIxNi43My4yMTcuMSA= جزيرة ام اند امز