طوارئ "الأربعاء الأخير من شهر صفر".. قصة طقوس "طرد الأرواح الشريرة" (خاص)
في كام عام هجري تكثر المنشورات والرسائل المتعلقة بدعاء وصلاة الأربعاء الأخير من شهر صفر..
يؤمن عدد من الناس المنتمين لبعض الطوائف الإسلامية والأعراق القبلية بأن الأربعاء الأخير من صفر هو يوم نزول بلايا العام كله، وأنه يجب مواجهته بالصلاة والدعاء والذكر.
من بين من يهتمون بهذا اليوم، النوبيون، حيث يعد هذا اليوم موسمًا لديهم، ويسمي "أربع ما دور"، وهو يوافق الأربعاء الأخير من شهر صفر الهجري، الذي يعتبرونه يوم الشرور، ولذلك يقومون بطقوس معينة لمنع الأرواح الشريرة.
في هذا اليوم يتم جمع كمية من القمح، والفول، والحمص، والعدس، والشعير، والأرز، والحلبة، وتحمل إلى المسجد ويقرأ عليها الشيخ آيات من القرآن، وبعد صلاة الظهر تطهر النساء هذه الحبوب باستخدام جريد النخل اليابس المصفر الذي يقوم الأطفال بجمعه من المقابر.
بعد ذلك يؤخذ هذا الطهي ويقذف منه في اتجاه شروق الشمس وغروبها، مع ابتهال: "اللهم ارفع الغلاء وعمم الرخاء"، ثم يقوم أهل القرية بتناول هذه الوجبة قبل غروب الشمس.
كما يقومون بجمع نبات بري يسمى "الغبيرة" أو "رع رع" ويستحمون به في نهر النيل، اعتقادًا أن هذا يحميهم من الإصابة من الأمراض خلال العام.
المتصوفة
يعتمد بعض المتصوفة على كتابين يشيران لهذا اليوم، وهما "الجواهر الخمس" للشيخ محمد الغوث، و"نعت البدايات وتوصيف النهايات" للشيخ ماء العينين.
جاء في الكتاب الثاني: إن الكثير من الصالحين حرصوا على الدعاء في هذا اليوم لعلمهم أنه ينزل كل سنة 320 ألف بلية كلها في هذا اليوم، فهو أصعب أيام السنة.
لذلك فيقوم بعض المتصوفة بالصلاة في هذا اليوم بأربع ركعات، يقرأ في كل ركعة منها بعد الفاتحة: سورة الكوثر سبع عشرة مرة، وسورة الإخلاص خمس مرات، والمعوذتين مرة.
ثم يقرأون دعاءً يتداولونه بينهم قبل اليوم، وتكتب 8 آيات قرآنية ثلاث مرات، افتتحها الله عز وجل جميعها بالسلام، في إناء صيني وتمحى بماء ورد، ثم تشرب.
وهذه الآيات هي: "سَلامٌ قوْلا مِن رَبٍّ رَحِيم"، "سَلامٌ عَلَى نُوُح فِي العَالَمِين"، "سَلامٌ على إِبْرَاهِيم كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِين"، "سَلامٌ عَلَى مُوسَى وهَارُون إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِين"، "سَلامٌ عَلَى إِل يَاسِين إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِين"، "سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُم فَنِعْمَى عُقْبَى الدَّار"، "سَلامٌ عليكم طِبْتُم فَادْخُلُوهَا خَالِدِين"، "سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ".
رأي العلماء
يرى الدكتور عبدالحليم العزمي، الأمين العام للاتحاد العالمي للطرق الصوفية أن هذه الأفكار متوارثة منذ العهد الجاهلي، فقد كان أهل الجاهلية يتشاءمون من شهر صفر، وقد حذر النبي من ذلك، فقال في الحديث: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول).
وأكد العزمي، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، أن الإسلام اعتبر شهر صفر مثل غيره من الشهور، ونهى عن التشاؤم، فالخير والشر متلازمان طوال أيام السنة، ولا يوجد يوم محدد ينزل فيه البلاء.
وعن تحديد الأربعاء الأخير من صفر لنزول البلاء، وتحديد دعاء معين وصلاة معينة لمواجهته، قال العزمي إن ذلك "بدعة لا أصل لها، لأن هذا كلام لا يعول عليه ولا يقوم به دليل علمي ولا تبنى عليه أحكام، خصوصا تقدير عدد البلايا، والصلاة بالكيفية المعروضة تحتاج إلى دليل له سند متصل برسول الله".
وأشار العزمي: "أنا بحثت هذه المسألة لدى جميع المدارس الإسلامية المعتبرة وفق القواعد العلمية الصحيحة، ولم أجد لها أصلاً"، وأما عن فعل الخير في ذلك اليوم فيقول: "فعل الخير مطلوب في جميع أيام السنة دون ربط بين ذلك وبين نزول البلاء".
وفي هذا السياق، قال المؤرخ النوبى محمد صبحي، إن الاعتقاد في هذا اليوم يجمع بين العقائد المصرية القديمة والنوبية واليهودية والإسلامية.
وأوضح صبحي في تصريحات صحفية، أن العقيدة المصرية واضحة في فكرة الحبوب السبعة، فهي لها علاقة بأعياد الحصاد، وأما الدعاء برفع الغلاء فهو موروث عن فترات جفاف النيل، وله علاقة بما حدث وقت النبي يوسف عليه السلام، وقصة "البقرات السبع العجاب".
وأما كون النبات يسمى "رع رع"، وإلقاء الحبات يكون في اتجاه شروق وغرب الشمس، فهو إشارة لآله الشمس عند قدماء المصريين "رع"، وأشار صبحي إلى أن هذا اليوم هو اليوم الذي شفى الله فيه نبيه أيوب عليه السلام من البلاء، وهناك معتقد أن أيوب عليه السلام استخدام نبات "رع رع" للشفاء.
وأخيرًا، فيما يتعلق بالمعتقدات النوبية فيقول صبحي: أهل النوبة يغتسلون في النهر ويعتقدون أن ذلك يدفع الأرواح الشريرة.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور السيد سليمان، من علماء الأزهر الشريف، إن كل هذه الأمور "بدع ما أنزل الله بها من سلطان"، واصفًا إياها بأنها "خرافات لا أساس لها من الصحة".
وأضاف، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، أن الأساس لأي عمل هو كتاب الله وسنة نبيه، وهذه أمور لم نسمع بها من قبل.
وقال سليمان، "إن ليلة النصف من شعبان هي الليلة التي تقدر فيها الأقدار والأرزاق، والله أمرنا بالدعاء لأنه سبب من أسباب رحمة الله سبحانه وتعالى وقد يستجيب الله لدعاء الإنسان"، مؤكدًا أن الله خلق الإنسان وكتب له رزقه وأجله وكل شيء من قبل خلقه.
aXA6IDMuMTQ1LjM5LjE3NiA= جزيرة ام اند امز