ظل كاميرون يبتلع سوناك.. مبارزة سياسية تعيد ترتيب «المناصب»
عاد ديفيد كاميرون من بعيد ليسيطر على الخارجية البريطانية، ويعيد بناء إرثه، لكنه تجاوز التوقعات، ويلقي بظلاله على رئيسه الغارق بالأزمات.
وقبل أشهر قليلة، عاد كاميرون من تقاعد طويل بدأ بتركه رئاسة الحكومة في عام 2016، ليقود وزارة الخارجية البريطانية، في ظهور مفاجئ منح بعض الثقل لحكومة ريشي سوناك التي تواجه أوقاتا صعبة.
ولكن بعد خمسة أشهر من توليه المنصب، تجاوز كاميرون ما توقعه الكثيرون، وبات كأنه في سباق لإعادة ترميم إرثه السياسي الذي تضرر بشدة من تصويت البريطانيين على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت الحالي، يوصف وزير الخارجية البريطاني داخل الحكومة بأنه "رئيس وزراء الخارجية"، وكثيراً ما يلقي ظلاله على رئيسه سوناك الذي يواجه أزمات سياسية لا نهاية لها على الجبهة الداخلية، وفق صحيفة بوليتيكو الأمريكية.
وقال أحد المطلعين في وزارة الخارجية إن المسؤولين يرون في كاميرون "رجلًا على عجلة من أمره"، يسرع لإعادة تأهيل إرثه الشخصي فيما يبدو، بالنظر إلى أرقام حزب المحافظين البائسة في استطلاعات الرأي.
ولكن ليس الجميع سعداء بمنهجه.
في الواقع، دفع أسلوب كاميرون الصارم بشكل غير متوقع، في الشرق الأوسط بعض أعضاء البرلمان المحافظين إلى حافة التمرد.
لقد أغضب كاميرون - زعيم حزب المحافظين لمدة عقد تقريبًا ورئيس الوزراء من 2010 إلى 2016 - الكثير من أعضاء الصف الخلفي للحزب في الأشهر الأخيرة بتعليقات يعتقدون أنها قاسية للغاية على إسرائيل.
قلق
وفي الأشهر الأخيرة، أثار كاميرون قلقًا بين أعضاء البرلمان المحافظين بعد ما اعتبروه تعليقات "مثيرة للجدل" في نهاية يناير/كانون الثاني، أشارت إلى أن بريطانيا تفكر في الاعتراف بدولة فلسطينية من أجل التوصل إلى تسوية سلام "لا رجعة فيها".
كما صرح كاميرون بشكل متكرر بأنه "قلق" من احتمال انتهاك إسرائيل للقانون الدولي؛ وطعن في رفضها العمل من أجل حل الدولتين؛ وحذر من أن الدعم البريطاني لتل أبيب "ليس غير مشروط".
فقط هذا الأسبوع، قال كاميرون "للبلدان الحق في الرد عندما تشعر بأنها تعرضت لعدوان"، عندما ضغطت عليه شبكة سكاي نيوز عما إذا كان لإيران الحق في الرد على الهجوم على قنصليتها في دمشق.
وتبرز هذه المواقف ما وصفه أحد أعضاء البرلمان المحافظين، وهو من بين أكثر المؤيدين لإسرائيل، بأنه "نبرة إشكالية" صادرة عن وزارة الخارجية البريطانية بقيادة كاميرون.
ومؤخرا، اتهم الوزير السابق أندرو بيرسي وزارة كاميرون بأنها ركزت مرارا وتكرارا على "إسرائيل". وزعم بيرسي أن وزارة الخارجية البريطانية "تحاسب إسرائيل على عواقب الحرب التي لم تبدأها وعلى معاناة المدنيين التي هي نتيجة لأفعال حماس".
ورغم أن كاميرون انخرط في بعض السياسة الداخلية مع حزبه، فإنه في نهاية المطاف ليس مسؤولاً بشكل مباشر أمام النواب في مجلس العموم، ولا في الواقع أمام الناخبين البريطانيين ــ بعد تعيينه نائبا مدى الحياة في مجلس اللوردات لشغله منصب رئاسة الوزراء في السابق.
وبعد أن عمل بالفعل لفترة طويلة كرئيس لوزراء بريطانيا، فإن كاميرون غير مثقل أيضا، بالضغوط الناجمة عن المناورات للحصول على منصب داخل الحزب.
هذا يمنحه مساحة أكبر للتحدث بصراحة، كما يرى حلفاؤه، ويأمل في إعادة تأهيل إرثه بما يتجاوز فشله في إبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي بعد الدعوة إلى استفتاء الخروج عام 2016.
"رئيس الوزراء"؟
وقال بيتر ريكيتس، الذي تولى منصب مستشار الأمن القومي لكاميرون بين عامي 2010 و2012، لصحيفة بوليتيكو: "إن وزير الخارجية يعلم أن لديه وقتا محدودا لإحداث فرق. وهو يسعى لذلك حقًا".
ونقل عن مسؤول بوزارة الخارجية قوله "يعطي [كاميرون] انطباعا بأنه رجل في عجلة من أمره - فهو يعلم أن أمامه أربعة أو خمسة أشهر فقط ويريد أن يجعل ذلك مهماً".
وقال مسؤول ثانٍ بالوزارة، عن كاميرون: "إنه مهتم للغاية بإنجاز الأمور فعلياً وإحراز تقدم ملموس. أعتقد أن عدم وجود أي طابع سياسي داخلي في اللعبة، يجعله أقل تقييدًا ويعمل مع شهية أكبر للمخاطرة".
وبفضل خبرته على المسرح العالمي وسلوكه المريح، يعتقد بعض المراقبين أن كاميرون بدأ يتفوق على سوناك، حيث خاطب نائب محافظ واحد على الأقل وزير الخارجية عن غير قصد باعتباره "رئيسًا للوزراء" منذ عودته إلى المعركة السياسية.
ووصف جورج أوزبورن، مستشار كاميرون خلال رئاسته للحكومة، رئيسه السابق بأنه "يتصرف مثل رئيس الوزراء البريطاني".
لكن داونينغ ستريت، مقر رئاسة الوزراء، ينفي وجود أي انقسام بين كاميرون وسوناك، حيث أصر المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء يوم الثلاثاء على أنهما "في نفس الصفحة تمامًا".
aXA6IDMuMTQyLjQwLjE5NSA= جزيرة ام اند امز