تربة سيبيريا الغنية.. هل تستيقظ الأمراض بفعل المناخ؟
تُمثل التربة الصقيعية بيئة مثالية لخمول الأمراض والكائنات الدقيقة، لكنّ هناك خطرا يحوم في الأرجاء مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
هناك في سيبيريا، حيث يكتسي الغطاء الثلجي الأبيض التربة الصقيعية، في مشهد طبيعي خلاب. ربما لن يهتم أحد بما في هذه التربة من كائنات دقيقة أعمارها تتجاوز أعمار الأهرامات بمئات الآلاف من السنين. هذه الكائنات في حالة أشبه بالسبات -إذا صح التعبير- أو بالأحرى إنها خاملة، تنتظر من يكتشفها ويُوقظها من نومها الطويل؛ لتبدأ في البحث عن مُضيف مناسب، تتسلل إليه بدهاء وتفترسه، ومنه تنتقل إلى مضيف آخر، وهكذا دواليك، إلى أن تُسبب جائحة، قد يصعب السيطرة عليها.
سلالات قديمة نائمة
من ضمن هذه الكائنات الدقيقة، أنوع من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية؛ وهذا ما كشفت عنه دراسة منشورة في دورية «نيتشر كلايمت تشانج» (Nature Climate Change) في سبتمبر / أيلول للعام 2021؛ فقد وجد مؤلفو الدراسة في تربة سيبيريا 100 سلالة قديمة من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. لكن تربة سيبيريا غنية بسلالات أخرى من الفيروسات والبكتيريا والكائنات الدقيقة المتنوعة، إلا أنها جميعًا خاملة، لكن مع ارتفاع درجات حرارة الأرض، نتيجة الاحترار الحراري، الذي يعاني منه الكوكب اليوم؛ تنحصر الكتلة الثلجية في سيبيريا، ما قد يُوقظ تلك الكائنات الخاملة، ويتسبب في انتشار الأمراض.
وعلى الرغم من التقدم العلمي سواء على مستوى الاكتشافات أو الاختراعات، إلا أنّ هناك تقريبًا 1.7 مليون نوع من فيروسات الثدييات والطيور المائية لم نتعرف عليها بعد، وهناك ما يتراوح بين 631000 إلى 827000 من الفيروسات القادرة على إصابة الإنسان بعدوى، بحسب تقرير صادر عن «المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية» (IPBES) في 19 أكتوبر / تشرين الأول لعام 2020.
تربة سيبيريا الغنية
أشارت مجموعة من الباحثين في دراسة منشورة في دورية «فيروس» (Virus) في فبراير / شباط 2023، إلى أنّ ارتفاع درجات الحرارة، قد يؤثر بالسلب على طبيعة التربة الصقيعية في سيبيريا؛ إذ تحتجز كميات كبيرة من المواد العضوية، ومع ذوبان الجليد فوقها، قد تتحلل وتُطلق غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. بالإضافة إلى تنشيط العمليات الأيضية لكائنات دقيقة يصل عمرها لنصف مليون سنة. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فمن الممكن أن تنطلق مسببات أمراض لم يعرفها الإنسان من قبل قط، وفي نفس الوقت، تنشط مسببات أمراض أخرى معروفة قديمة، تصل أعمارها إلى 120 ألف عام.
واستطاع مؤلفو الدراسة عزل 2 من الفيروسات المعدية التي بلغ عمرها 30 ألف عام. كانوا يستخدمون المُضيف كطُعم، وإذا استجاب الفيروس وعدى المضيف؛ فهو معدٍ. ونشروا نتائج اكتشافاتهم في عامي 2014 و2015.
لا تتوقف آثار التغير المناخي عند ارتفاع درجات الحرارة، بل إنه مصدر خطير للأمراض والفيروسات المتربصة؛ لانتهاز الفرصة المناسبة، والعالم لا يحتمل المزيد من الخسائر، يكفي أنّ جائحة كورونا كلفت العالم تريليونات الدولارات من أجل العلاج وتحمل الخسائر.