حدثت بالفعل.. هل يمكن للأحلام أن تتنبأ بالمستقبل؟
لطالما أثير الجدل حول إمكانية أن تكون الأحلام وسيلة للتنبؤ بالمستقبل. في أعقاب الكوارث، يزعم البعض أنهم حلموا بالأحداث قبل وقوعها، مما يفتح باب التساؤل: هل يمكن لهذه الظاهرة أن تكون حقيقية؟ أم أنها مجرد أوهام ناتجة عن تفسير العقل لتجارب النوم؟
"أبيرفان" قرية صغيرة في جنوب ويلز شهدت عام 1966 انهيارًا كارثيًا لمخلفات الفحم، ما أسفر عن مقتل 139 تلميذًا وخمسة معلمين. الكارثة وقعت بعد أمطار غزيرة أدت إلى انزلاق الطين والمخلفات باتجاه مدرسة القرية. قبل وقوع المأساة، زعمت طفلة، توفيت لاحقًا في الحادثة، أنها حلمت بشيء أسود يُغطي المدرسة ويُدمرها.
في اليوم التالي للكارثة، زار الطبيب النفسي "جون باركر" القرية. كان باركر مهتمًا بالظواهر الخارقة للطبيعة وبدأ تحقيقًا لجمع شهادات من أشخاص ادعوا أنهم رأوا الكارثة في أحلامهم. تلقى 60 رسالة من أنحاء إنجلترا وويلز، نصفها تقريبًا تحدث عن أحلام سبقت الحدث.
إحدى الرسائل جاءت من والدي طفلة عمرها 10 سنوات حلمت بأن شيئًا أسود أتى على المدرسة. فيما روت سيدة أخرى أنها حلمت بأطفال عالقين في غرفة مستطيلة قبل الكارثة بيوم واحد. هذه الشهادات أثارت التساؤلات حول ما إذا كانت الأحلام يمكن أن تحمل لمحات من المستقبل.
تفسير الأحلام التنبؤية
لم تكن هذه الحوادث الوحيدة التي ارتبطت بالأحلام. تقارير تاريخية أشارت إلى أن "إبراهام لينكولن" حلم باغتياله قبل أسبوعين من وقوعه، بينما وصف "مارك توين" حلمًا رأى فيه جثة أخيه قبل مقتله بأسابيع. حتى "تشارلز ديكنز" حلم بشخصية قابلها لاحقًا في ظروف مشابهة لحلمه.
البحث العلمي قدّم تفسيرًا منطقيًا لهذه الظاهرة. في الخمسينيات، اكتشف عالم النفس "يوجين أسيرنسكي" أن النوم يتضمن دورات من مرحلة تُعرف بـ"نوم حركة العين السريعة" (REM)، حيث تحدث الأحلام. الإنسان يحلم بمعدل أربع مرات في الليلة، وغالبًا ما تكون الأحلام انعكاسًا للأحداث اليومية أو مخاوف العقل الباطن.
الأحلام التي تُشبه التنبؤات قد تكون نتيجة لتأثير الأحداث اليومية على الدماغ. إذا استيقظ الشخص أثناء حلمه، يتذكره بوضوح، وإذا تزامن هذا الحلم مع حدث واقعي مشابه، فإن العقل يربط بينهما، مما يُعطي الانطباع بوجود رابط خارق.
قانون الأعداد الكبيرة
الإحصائيات تُفسر أيضًا هذه الظاهرة. إذا افترضنا أن شخصًا واحدًا من كل 22,000 شخص يحلم بحادث كارثي مشابه لواقع معين، فإن عدد سكان بريطانيا في الستينيات (45 مليون نسمة) يعني أن حوالي 2,000 شخص قد يتذكرون أحلامًا مشابهة لكارثة "أبيرفان". تُعرف هذه الظاهرة بقانون الأعداد الكبيرة، حيث تزيد احتمالية وقوع أحداث غير عادية مع زيادة عدد الأشخاص.
وجد علماء النفس أن 80% من الأحلام تميل إلى أن تكون سلبية، مما يجعلها أكثر قابلية للتذكر مقارنة بالأحلام السعيدة. الكوارث مثل تحطم الطائرات والزلازل والحروب غالبًا ما تُحفز ذاكرة الأحلام لأنها تُثير مشاعر قوية، بعكس الأحلام الإيجابية التي تتلاشى بسرعة من الذاكرة.
التحقيقات أظهرت أن بعض الأشخاص الذين ادعوا أنهم حلموا بكارثة "أبيرفان" ربما تذكروا أحلامًا قديمة وربطوها بالأحداث بعد وقوعها. دون توثيق زمني لهذه الأحلام، من الممكن أن تكون الذكريات قد تحرفت بشكل لا واعٍ لتتناسب مع الكارثة. مثلًا، حلمٌ عن سواد قد يُفسر لاحقًا كإشارة إلى الفحم، وحلم عن غرف قد يُعاد تأويله كصفوف الدراسة.
لماذا يعتقد البعض بوجود ظواهر خارقة؟
القدرة على إيجاد أنماط تُعد جزءًا أساسيًا من تكوين الإنسان، وهي ما ساعده على البقاء عبر العصور. لكن في بعض الأحيان، قد يرى الناس روابط لا وجود لها. الأحلام، بطبيعتها السريالية، تُعد ساحة خصبة لهذه التفسيرات. عند تزامن حلم مع حدث واقعي، يجد العقل صعوبة في تجاهل التشابه ويُفسره كظاهرة خارقة.
بينما تظل فكرة الأحلام التنبؤية مثيرة للاهتمام، فإن الأدلة العلمية تُشير إلى أنها ليست سوى تفسيرات خاطئة لأحداث عشوائية. الأحلام تُعبر عن مزيج من تجاربنا اليومية وقلقنا اللاواعي، ومع زيادة عدد السكان وزيادة الكوارث، يصبح من الحتمي أن تتزامن بعض الأحلام مع أحداث واقعية، مما يُعطي انطباعًا بوجود قدرات خارقة.