تقرير أمريكي يفجر جدلا: هل يخوض جيش الجزائر حربا كبرى؟
فجر تقرير أمريكي جدلا واسعاً في الجزائر عن دور الجيش في الحياة السياسية ورسم السياسة الخارجية، وفرص تورطه في نزاعات إقليمية.
ونشر مركز "كارنيجي" للأبحاث تقريرا بعنوان "الدور السياسي للقوات المسلحة في الجزائر الجديدة"، اعتبر فيه أن "الجيش لازال الحاكم الفعلي في الجزائر بواجهة مدنية"، وأنه "يلعب دورا في تحديد السياسة الخارجية للبلاد".
وتوقع التقرير في المقابل، واستنادا إلى جملة من المعطيات، "عدم مغامرة الجيش الجزائري بحرب إقليمية كبيرة، وأن يقتصر تدخله خارج حدود البلاد على عمليات استخباراتية محدودة وتكثيف التنسيق مع فرنسا باعتبارها القوة النافذة في منطقة الساحل والصحراء".
وأثار تقرير "كارنيجي" نقاشاً وجدلا واسعين في الجزائر، بين من اعتبره "خطرا وموجهاً ومسيساً ومعتمدا على تقارير مشبوهة من أطراف داخلية وخارجية"، وبين من "حمّل السلطات الجزائرية مسؤولية تلك الصورة الخاطئة التي أعطتها للعالم عن دور الجيش".
وسبق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن نفى أي دور للجيش في الحياة السياسية، وأكد أنه "الحاكم الفعلي للجزائر وأن المؤسسة العسكرية تخضع لسلطته باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع".
"الواجهة المدنية"
مركز "كارنيجي" للأبحاث اعتبر أن "القوات المسلحة الجزائرية ستفقد مصداقيتها كحكم موثوق في إدارة الأزمات السياسية بين الشارع والنخب الحاكمة بسبب تعامل المؤسسة العسكرية مع الحراك وتعجيلها بانتخابات رئاسية".
والرئيس الحالي عبد المجيد تبون هو أول رئيس مدني في تاريخ الجزائر، وجميع رؤساء الجزائر السابقين كانوا عسكريين مثل الراحلين هواري بومدين والشاذلي بن جديد واليامين زروال، أو "شبه عسكريين" مثل أحمد بن بلة ومحمد بوضياف وعلي كافي والرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وقارن تقرير المركز الأمريكي بين دور وطريقة حكم الرئيس الجزائري السابق بوتفليقة والحالي تبون، وعلاقتهما بالمؤسسة العسكرية، واعتبر أن العامل المشترك بينهما هو أنهما "واجهة مدنية للقوات المسلحة".
غير أنه ذكر أن "تبون غير مجهز للضغط على القادة العسكريين"، وأن "الساحة السياسية الجزائرية تخلو من أي شخصية مدنية تملك رأس مال سياسي بإمكانها انتشال الرئاسة من الرعاية العسكرية".
وتوقع مركز "كارنيجي" أن تضغط المؤسسة العسكرية على تبون على المدى القريب للقيام بالمزيد من الإصلاحات، والتي حصرها في "تجديد المؤسسات التمثيلية وإجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادِية كافية لتأجيل عودة الجماهير إلى الشارع".
وأضاف أن "الجيش الجزائري سيكون مجبرا في المدى المتوسط على إيجاد بديل لتبون (البالغ من العمر 75 سنة)، ويمكن أن تصبح المؤسسة العسكرية لاحقًا مجبرة على تعيين شخصية أقل معارضة من داخل أو خارج نظام الحكم، وقادرة على تقديم تنازلات للمؤسسة العسكرية".
كما ذ كر أنه "لا يمكن في أي حال لأي رئيس في الجزائر حتى لو كان منتخباً بطريقة ديمقراطية، أن يُحدث تغييرًا بارزًا ما لم تتعاون معه النخبة العسكرية، إذ تعتبر المؤسسة العسكرية حاليًا الجِهاز الأقوى في الدولة".
مهام خارجية محدودة
تقرير المؤسسة البحثية تطرق كذلك للتعديل الدستوري الأخير الذي أجاز للمرة الأولى للجيش الجزائري القيام بعمليات عسكرية خارج البلاد تحت مظلة الأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو الاتحاد الأفريقي.
واستبعد مركز كارنيجي أن يخوض الجيش الجزائري أي حرب كبرى في المنطقة، مؤكدا أن دور الجيش في تحديد معالم السياسة الخارجية للجزائر يستند إلى منطلق واحد وهو "الطبع السياسي" للرئيس الجزائري الذي وصفه بأنه "محدود العلاقات الخارجية العامة".
وتابع التقرير أنه "للقادة العسكريين صوت مسموع في صناعة السياسة الخارجية للجزائر، وسيكون لهم الصوت الأعلى في الجزائر الجديدة في إدارة الملفات الأمنية والإقليمية والدولية".
وأشار إلى أن المؤسسة العسكرية الجزائرية ستعمل في المرحلة المقبلة على "أداء مهمات استخباراتية وقتالية محدودة خاصة على الحدود الجنوبية، مثل مراقبة وملاحقة الجماعات الإرهابية والمهربين والجماعات الإجرامية"، علاوة على "التنسيق أكثر مع فرنسا، لكونها القوة الأهم في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وستتحرك بحذر في إطار الاتحاد الأفريقي".
بعيد عن الواقع
الخبير الأمني أحمد كروش انتقد ما ورد في تقرير مركز "كارنيجي"، وأكد أنه "بعيد في واقع الأمر عن الحقيقة بتاتاً، واعتمد في إعداده على تقارير أخرى لا تمت بصلة لما يجري في الجزائر".
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية" أوضح الخبير الأمني أن التقرير "ارتكز على شائعات تناقلتها بعض وسائل الإعلام المعادية للجزائر، وبعض الأجهزة مثل البرلمان الأوروبي وبعض التقارير الصحفية خاصة الفرنسية منها، وما ورد في التقرير هو أقرب لبعض الأطراف فيما يسمي نفسه بالحراك وهم الذين خطفوا هذه الكلمة، وما بقي في الشارع من الرافضين لأي تغيير والوصول لأي حل سياسي في الجزائر".
وأضاف أن التقرير "بُني على رؤية هؤلاء، وقوله إن قيادة الجيش تفقد ثقة المجتمع، مناف للحقيقة تماماً على أساس أن الشعب الجزائري له ثقة كبيرة جدا بالجيش وقيادته، والأيام والتاريخ أثبتا بأنه في الوقت الذي كانت أحزاب سياسية تطالب الجيش في 2019 أن يأخذ زمام الأمور ويأخذ الحكم والذهاب لمرحلة انتقالية تحت تأطيره، رفض الجيش ذلك".
وأكد كروش أن الجيش الجزائري "تمسك بالعملية الدستورية، ورفض بشكل قاطع الذهاب لمرحلة انتقالية ورافق أجهزة الدولة والحراك وتعهد بحمايته ووفى بوعده، وهذه اللحمة التي تكونت بين الجيش والشعب تتطور بشكل دائم وتزداد قوة".
ومضى قائلا "التقرير يستند إلى أمنيات أكثر مما هو موجود واقعياً، واستطلاعاته خاطئة ومتناقضة"، مضيفا "الشعب الجزائري متمسك بالجيش، وكل ما ورد في التقرير عارٍ عن الحقيقة".
جيش دفاعي
وفيما يتعلق بأي دور خارجي للجيش الجزائري، أوضح الخبير الأمني أن "الجيش الجزائري دفاعي يعتمد على قدراته الدفاعية، لحماية حدود البلاد ولا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة أو في أي مكان، وهي مبادئ أساسية وثابتة في السياسة الخارجية الجزائرية التي يصنعها السياسيون وليس العسكريون".
واستطرد قائلا "خروج الجيش خارج الحدود له قواعد وثوابت وآليات، وهي موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، وهو جيش شريك في الحرب على الإرهاب وشريك أساسي في استقرار المنطقة، وحامي الجزائر، وبرهن على ذلك خلال فترة ما سمي بالربيع العربي".
واعتبر كروش أيضا أن تقرير "كارنيجي" كان "منافياً للحقيقة تماماً عند حديثه عن تحالف مع القوات الفرنسية"، مضيفاً أن "الجيش الجزائري لو تحالف مع فرنسا لما اندمج مع مجموعة الدول المجاورة عبر هيئة الأركان المشتركة، والجزائر كانت رافضة للوجود الفرنسي في دول الساحل وفي أي منطقة أفريقية أخرى، كما ترفض وجود القواعد العسكرية في أي بلد مجاور وفي كل ربوع أفريقيا".
لكنه أكد أن الجيش الجزائري "متعاون مع عدة دول في مجال محاربة الإرهاب من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية والخبرات، لكن هذا لا يعني وجود تعاون عسكري على أرض الميدان، كما أن الجيش يحمي الاقتصاد الجزائري من التهريب والجريمة المنظمة".
منطلقات واقعية
وكان للخبير الأمني والعقيد المتقاعد محمد العربي شريف رأيا آخر في تقرير مركز "كارنيجي"، وقال في حديث مع "العين الإخبارية" إن "السلطات الجزائرية تتحمل مسؤولية تلك الصورة التي بات العالم ينظر بها للبلاد".
وأوضح أن "هذه الفكرة تبلورت للمرة الأولى من الخطأ الذي ارتكبه الرئيس عبد المجيد تبون عندما أجرى مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية"، مضيفا أن "التقرير استند إلى ما ذكره تبون في المقابلة عندما قال إنه يلتقي مع رئيس الأركان يومياً لمناقشة مختلف الأمور، وثانياً عندما سمح لهم بمحاورة رئيس الأركان، كما أن معظم تحركات الرئيس مع رئيس الأركان".
وأضاف أن "قائد الجيش الراحل قايد صالح لم يكن له أي ظهور إلا في الميدان، لكننا نرى قائد الجيش في مراسم التوقيع على قانون المالية وفي مراسم أخرى، ما أعطى صورة للخارج والتقرير الأمريكي ارتكز في مضمونه على الواقع المشاهد".
وفي الوقت الذي يؤكد فيه مراقبون أن دور الجيش "دعم الرئاسة وليس التحكم فيها"، اعتبر الخبير الأمني، قال الخبير الأمني إن "المؤسسة العسكرية تسير بأوامر الرئيس وهي مؤسسة جمهورية وتخضع لأوامر الرئاسة، والرئيس تبون أعطى للأمر طابعاً أكثر مما يجب أن يكون".
aXA6IDEzLjU4LjIwMC43OCA= جزيرة ام اند امز