بين 1 و12 نوفمبر المقبل، يُعقد مؤتمر المناخ برعاية الأمم المتحدة، ضمن سقف توقعات عالٍ للتعامل مع مشكلات التغير المناخي.
والمؤتمر الذي يقام في غلاسكو أكبر مدن اسكتنلدا، جزء من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، ويأتي أيضاً ضمن إطار معاهدة دولية وقّعتها تقريباً جميع دول العالم بهدف الحد من التأثيرات البشرية على الطبيعة.
وفي تجمع باريس، مايو/أيار 2008م، وهو مؤتمر الأطراف المشاركة في الاتفاقية الإطارية للتنوع البيولوجي، جرى تحديد الأهداف الرئيسية تفادياً لكارثة تغير المناخ، وتعهّد جميع الموقّعين بخفض انبعاث الغازات الدفيئة، وزيادة التعامل مع مصادر الطاقة المتجددة، والحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أقل بكثير من 2 درجة مئوية، مع وضع هدف إيصالها إلى 1.5 درجة مئوية، والالتزام بضخ مليارات الدولارات لمساعدة البلدان الفقيرة، والتعامل مع تأثير تغير المناخ، والاتفاق على إجراء مراجعة للتقدم المحرز في هذه الأهداف كل خمس سنوات.
وكانت المراجعة الأولى لمؤتمر الأطراف مقررة في عام 2020، ولكن بسبب تفشي فيروس كورونا، أُجلت إلى عام 2021م.
وأمام مؤتمر المناخ العالمي طريق شاق قبل بدء معالجة البنود الجديدة في جدول أعماله، وتتمثل في الأولوية القصوى لجعل البلدان تلتزم بالوصول إلى مستوى انبعاثات "صفري" بحلول منتصف هذا القرن، مع تخفيضات أكثر جرأة وأسرع لانبعاثات الكربون بحلول 2030م.
وسيناقش المؤتمر ما يسمى بـ"الحلول القائمة على الطبيعة"، لاستخدامها في حل بعض تحديات المناخ، مثل امتصاص الكربون، أو زراعة الشجيرات والأشجار للحماية من الأحداث المناخية القاسية مثل الفيضانات أو العواصف الرملية، ومن المتوقع أيضاً تأسيس عدد من المبادرات، التي تهدف إلى مواجهة تحديات معينة مثل القضاء على استخدام الفحم وحماية النظم البيئية.
إن النشاط البشري الرئيسي، الذي يسهم في إحداث تغير مناخي للأرض، هو حرق الوقود الأحفوري، فعند حرقه يُطلق ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء والميثان وأكسيد النيتروز في جو الأرض، حيث تسبب هذه الغازات ظاهرة الاحتباس الحراري، ويعد ثاني أكسيد الكربون هو أهم غازات الاحتباس الحراري، لأنه يبقى في الجو لفترة طويلة.
ومَن يتابع مسار غالبية المؤتمرات الدولية والإقليمية، التي عُقدت بعد عام 2015م، أي السنة التي تم التوصل خلال أيامها الأخيرة إلى اتفاق تاريخي، هو اتفاق باريس للمناخ، يلاحظ أن بياناتها الختامية تحولت شيئا فشيئا إلى مشكلة حقيقية، بدل أن تكون أداة من الأدوات، التي تسمح بشحذ العزائم وتوحيد الجهود للمرور من مرحلة النوايا الحسنة إلى مرحلة الفعل في ما يتعلق بمعالجة القضايا المتصلة بالتغير المناخي وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والجيوسياسية، لذا فهناك تساؤلات يمكن طرحها في أعقاب المؤتمرات المناخية العالمية تلك، مثل: ما الذي تحقق على أرض الواقع لجعل سلوكيات الإنتاج والاستهلاك تُدرج بحق في منظومة الاستدامة؟ وما الأسباب الحقيقية لنجاح المساعي العملية المندرجة في هذا الإطار أو المساعي الفاشلة؟ وما الذي تقدمه البلدان الصناعية والبلدان ذات الاقتصادات الناشئة لمساعدة البلدان النامية الفقيرة على ترسيخ سلوكيات الاستدامة والتكيف مع أضرار التغير المناخي على اقتصاداتها وأوضاعها الاجتماعية والبيئية؟
ويقر كثير من خبراء المناخ والبيئة بأنه لا يمكن الحكم مسبقاً على كل المؤتمرات والقمم المخصصة لقضايا التغير المناخي ونتائجها، لأنها في النهاية تتضمن جوانبَ إيجابية.
فمثلا، من إيجابيات المؤتمر المناخي الإقليمي، الذي عُقد في دولة الإمارات العربية المتحدة في الرابع من شهر أبريل/نيسان عام 2021، أنه جمع ممثلي دول عربية عدة، مشرقية وخليجية ومغاربية، تحدثوا في ما بينهم عن مشاريع كثيرة يمكن إنجازها بواسطة التعاون الثنائي أو الإقليمي.
ومن أهم العوامل الإيجابية في مؤتمر الإمارات أنه تزامن مع طرح جديد لعدد من بلدان الخليج العربي يتعلق باستخدام مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة البعيدة عن الملوثات، فقد كان أصحاب القرار السياسي في هذه البلدان يشددون دائما على أهمية التخلص التدريجي من الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري، لكنهم وجدوا في استثمار مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة قيمة كبرى، لا سيما الطاقة الشمسية، لأسباب كثيرة، منها أن هذا التوجه ربما يخدمهم بالاعتماد على هذه المصادر في عمليات استخراج النفط والغاز، ما يحدّ من كلفة الإنتاج ومن الانبعاثات الحرارية في آنٍ.
إن تراجع الحياة البيئية على كوكب الأرض والزيادة الواضحة في قوة وتواتر الكوارث كالأعاصير والفيضانات والجفاف، تزيد من ضعف الشعوب على المستوى الصحي، نظرا لانعدام الأمن الغذائي وصعوبة سبل العيش، التي لا يمكن تحملها مع تفاقمها التدريجي.
إننا نعيش على كرة أرضية محدودة، يرتبط كل شيء فيها بآخر، فهناك تلوث وممارسات زراعية غير ملائمة، ومشاريع ري، وإفراط في صيد الأسماك، وزعزعة لاستقرار التوازن الطبيعي، وكوارث نووية، وموت للأشجار في الغابة السوداء في ألمانيا من حمض المطر، وتصحر في جنوب إسبانيا، وجفاف بحر الأورال في أوزبكستان، ومشروع سد إليسو في تركيا.. كل هذه أمثلة على عمليات تدمير للأرض بيد أبنائها المنتفعين من الحياة عليها، وكأن الإضرار بالقاعدة البيئية عبر أنشطة بشرية متزايدة لن يعود على البشر بأي سوء، فيما يذكرنا المثل الأفريقي هنا ونحن أمام هذه المعضلة التي تهدد كوكبنا بأن "العالم ليس لنا.. والأرض ليست لنا.. إنها كنز نحمله بثقة لأجيال المستقبل".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة