تحديات لبنان هي أكثر مما يمكن إحصاؤه، فلبنان كمٌّ متراكمٌ من المشكلات، التي تغرس أنيابها في الشأن التنموي والسياسي الداخلي والخارجي.
مَن يرغب في الحديث عن الشأن اللبناني حاليا، عليه أن يمسك بورقة بطول ثلاثة أمتار وعرض مترين لكي يستطيع أن يرسم تلك العلاقات المعقدة في الصورة اللبنانية.
هذا على المستوى الداخلي، أما خارجياً فيبدو بوضوح أن موقع لبنان في السياسة العربية انكمش بطريقة ملفتة، وهنا يبقى السؤال حول مصادر اليأس العربي من الحالة اللبنانية، وهل يمكن أن يأتي في المستقبل زمن يمكّننا من رؤية لبنان بصورة أكثر أملا مما هي عليه الآن.
أزمة لبنان خلال العقود الماضية أثبتت أن الدولة اللبنانية بحالها الآن تفتقد إلى مقومات تمكّنها من صناعة سيناريوهات قادرة على حمل البلد إلى خارج خندقه المتعرج قوميا وطائفيا ووطنياً.
الجينات السياسية في لبنان تأسست على الاختلاف ويزيدها التدخل الخارجي أزمة وبلاءً، وهنا أتساءل: مَن يرسم السياسة اللبنانية؟ ومَن ينفذها في ظل هذه الصورة المعقدة؟
نظريا، ندرك أن مَن ينفذ السياسة اللبنانية هم الخاضعون لتلك القوى المسيطرة هناك، فالمشهد السياسي في لبنان بطوائفه وتدخلات الخارج تشبه مجموعة أفراد يركبون سفينة تتلاطمها الأمواج، ومع ذلك لا أحد يفكر في مستقبل تلك السفينة.. الجميع يفكر فقط في الزاوية، التي يمسك بها، معتقداً أنه هو أمل النجاة للبنان.
أزمة لبنان الفعلية تقوم على فكرة أن تشظِّي الوطن عملية أسهل من المحافظة على مستقبله في بحر هائج سياسيا، والأغرب من كل ذلك أن جميع الأطراف في لبنان لا تطلب المساعدة من بعضها، بل اعتاد التراث السياسي اللبناني طلب المساعدة ممّن هم في الخارج ضد مَن هم في الداخل، لذلك فالقاعدة الأولى لسلامة لبنان لن تظهر في الأفق قبل أن يساعد اللبنانيون بجميع طوائفهم أنفسهم.
من الطبيعي أن هناك مَن سيقرر أن ذلك مستحيل، ومن الطبيعي ألا يؤمن الجميع بذلك، ولكن الحقيقة النهائية أنه أصبح من المستحيل تفادي لبنان كارثة السياسة في مقابل كارثة تاريخ تقودها أفكار مستوردة.
السياسة العربية وصلت إلى قناعات راسخة بأن أزمة لبنان ليست في حجم الفساد أو البطالة أو تعثر الاقتصاد أو أي نوع من الأزمات التنموية، فالرسالة الواضحة عربياً إلى بيروت هي التأكيد أن العرب سئموا من التعامل مع النتائج وأصبح من الواجب اليوم التعامل مع الأسباب الفعلية، التي أنتجت كل هذه الأزمات داخل لبنان، لأن الخيار الوحيد المتاح كما يبدو للعالم كله، وليس للعرب فقط، هو ترك سفينة لبنان بحالها القائم إلى مصير مجهول على الطريقة الإيرانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة